صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

إعادة العلاقات بين تونس وسوريا ضربة قاضية لمن قطعها
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قبل بدء المخطط الأمريكي الغربي الصهيوني المعروف بالربيع العربي، والذي كُشِفت أوراقه فيما بعد، مستهدفا بالتحديد آخر قلاع جبهة الصمود التصدّي للكيان الصهيوني الغاصب وهي سوريا، كان هذا البلد المقاوم مقصد طلبة العلوم والتجار والمستجمّين من أنحاء العالم وخصوصا العرب، الذين وجد وافدوهم إليها حسن الإستقبال وكرم الضيافة، بل أنزلوهم بين مواطنيهم منزلة المساواة، بلا فرق بين جنسية عربية وأخرى مع السوريين أنفسهم أصحاب البلد، وهذه ميزة تفوّق فيها طرفان الشعب السوري المضيّف وحكومته.

قبل 2011 كانت سوريا البلد المضياف ملاذ الميمّمين وجوههم قصده يحدوهم شوق إلى العودة إليها وهي التي فتحت أبواب كرمها لكل من عزم على دخولها، ولو يضعك القدر في طريق من عاش فيها من العرب ردحا من الزمن وحدّثك عنها، وجدت في نبرات حديثه حسرة على مفارقتها، وهو يروي لك مشاهد من بساطة الحياة وروعتها في ربوعها، وتلقائية السوريين في حسن استقبال إخوانهم من مختلف البلاد العربية، وهو إن كتب له الخروج من أرضها، بعد انتهاء موجب نزوله بها، فقد استقرت وبقيت في قلبه ذكريات عزيزة، ومحبّة بلغت درجة العشق لأرض طيّبة، وشعب شقيق مضياف، ونظام وطني لم يتاجر بالقضية الفلسطينية، كما تاجر بها أغلب الحكام العرب، وبقي الى اليوم وفيّا لها مضحّيا من أجلها بالغالي والنفيس.

سوريا التي كان لها شرف استقبال وإيواء أغلب المهجّرين الفلسطينيين على فترات، بدأ من النكبة سنة 1948،والتي بلغ فيها عدد المُهجّرين 175.000 فلسطيني، يشكلون ربع السكان وقتها(1)، بعدما مكنتهم من إقامة مخيمات في العاصمة دمشق، وفي بقية المحافظات السورية من الجنوب إلى الوسط والشمال، تحوّلت تدريجيا إلى أحياء ضخمة، توفّرت فيها كل ظروف العيش الكريم، آوت بدورها جنسيات عربية أخرى، جاءت للدراسة والتجارة، فمخيم اليرموك يبقى شاهدا على مدى تضامن سوريا مع أشقائها الفلسطينيين، والدول العربية التي بقيت تحت الإستعمار، هذا وقد نالت سوريا استقلالها سنة 1946، وهي من الدول القلائل التي رفضت أي شكل من أشكال التعامل مع الكيان الغاصب لفلسطين، معتبرة في سياستها أن ذلك خيانة للقضية المركزية، وبناء على ذلك بقيت سوريا في مواجهة تحدّيات أعدائها الصهاينة والغربيين، عِلمًا بأن الفلسطيني في سوريا يتقاسم فرص العيش الكريم من دراسة وشغل وإقامة مع شقيقه السوري بلا أدنى فرق.

على سبيل المثال: (ذكرت تقارير أنه في الفترة ما بين 1994/ 2008 كانت سوريا تصدر القمح إلى دول الجوار، وتؤمن حاجة الأردن بشكل كامل، وجزءا من حاجة مصر وتونس، إضافة إلى دول أوروبا، وخاصة إيطاليا لإنتاج المعكرونة، بسبب ميزات القمح السوري الممتازة.. وأعلنت منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) أن سوريا قبل عام 2011 كانت تعتبر من الدول المكتفية ذاتيا من القمح، وتملك مخزونا استراتيجيا يكفيها لخمس سنوات)(2)

هذا الامتياز الذي كانت تتمتع به الدولة السورية استهدفته المؤامرة الدولية الغربية الصهيونية ومن شاركهم من الدول العربية العميلة فضرب المخزون الاستراتيجي من القمح نهبا وحرقا، ولم يكن الهدف من ذلك خافيا على ذوي البصائر، وهو تحويل الشعب السوري من منتجي القمح الهامين ومصدريه إلى أشقائه والدول الأخرى، إلى شعب مستورد لهذه المادة الأساسية، من أجل إضعاف دوره ووضعه في طريق الحاجة، وخطر تهديد نقصها يفتح عليه باب المجاعة، وتونس كان لها أولوية توريد القمح السوري ذو خاصية الجودة والامتياز عن غيره.

ولما انطلق مشروع الخراب العربي من تونس، التي قدّمها الغرب مثالا يسهل اتّباعه، ليستدرج به شعوبا أخرى للثورة على أنظمتها، كانت حركة النهضة الاخوانية صاحبة الضوء الأخضر الممنوح لها من طرف هؤلاء الأعداء لمواصلة تنفيذ مخططاتهم، فاحتضنت أول مؤتمر بعنوان أصدقاء سوريا في العاصمة بتاريخ 24/2/2012 (3) وهو في حقيقة الأمر مؤتمر لأعداء سوريا اجتمعوا على اسقاط نظامها بالجماعات الإرهابية، وضرب كل موضع قوة فيها، والهدف الأساس من كل ذلك، هو تحويل سوريا من بلد مقاوم للكيان الصهيوني من حيث المبدأ، ورافض لوجوده على أرض فلسطين، إلى بلد مطبع معه معترف به كما انكشف من خطط أمريكا زعيمة الغرب وراعية الكيان الصهيوني.

طلائع الشعب التونسي الواعية بخطورة ما حصل على ارضها من مؤامرة مدبرة ضد سوريا، قامت بسلسلة من التظاهرات والاحتجاجات والتجمعات الجماهيرية في العاصمة التونسية مندّدة بقطع العلاقات الدبلوماسية ومطالبة بإعادتها كمطلب جماهيري مُلِحّ، فوقعت مماطلتنا من طرف الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي وعد أثناء حملته الإنتخابية بإعادتها، لكن حزب حركة النهضة وقف قادته بقوة في وجه إعادتها، مساندة وتأييدا منها للإخوان في سوريا، وهنا يبدو أن تورط هذه الحركة في إرسال عناصر تابعة أو قريبة منها للقتال في سوريا لا غبار عليه، وحملتها الشعواء التي شنّتها في سبيل استدامة القطيعة واضحة، متغاضية عن كونها توافقت مع الغرب في مشروعه التدميري لسوريا، يكفي أن أقول هنا، أنه لو تُسلّم الحكومة السورية ملفات التونسيين المتورطين في الأعمال الإرهابية، بمناطق مختلفة بمدن سوريا وريفها، سنقف على أسماء من أرسلوهم إلى هناك من تونس.

إن في إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين، اصلاح للخطأ الفادح الذي وقع، وما أوقعنا فيه سوى مناصرة حركة النهضة لأقرانها إخوان سوريا، باستعمالها المعتوه منصف المرزوقي، وأتعجب كيف لمعتوه مثله أن يتنسّم رئاسة الجمهورية التونسية، أن يُقاد بكل غباء إلى تنفيذ رغبة أمريكا، وبقية الدّول التي اشتركت وتورطت فيما حصل بسوريا، من إرهاب تكفيري أخّرها أكثر من خمسين عاما، بتدمير بناها التحتية من جنوبها إلى شمالها، وقتل أهلها دون تمييز بعنوان طائفي وسياسي، وهنا لا بد من شكر الرئيس قيس سعيد على قراره، ومطالبته بالإسراع في تنفيذه، بإعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين الشقيقين، باعتبار أن قطعها لم يكن طبيعيا، وإصلاح الخطأ فضيلة كل مُحِقّ، وكلّ تراخٍ في هذا المجال، سيؤخر كشف حقائق خطيرة ما تزال مخفية، متعلقة بالإرهاب أدوات وصنّاعا، ومدى تواصله بين بلداننا وما يشكله من خطر علينا.

المراجع

1 – تهجير الفلسطينيين 1948

تهجير الفلسطينيين 1948 - ويكيبيديا (wikipedia.org)

2 – هل تعود سوريا إلى تصدير القمح.. فيديو وصور

هل تعود سوريا إلى تصدير القمح... فيديو وصور - 11.06.2021, سبوتنيك عربي (sputnikarabic.ae)

3 – مجموعة أصدقاء سوريا

مجموعة أصدقاء سوريا - ويكيبيديا (wikipedia.org)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/29



كتابة تعليق لموضوع : إعادة العلاقات بين تونس وسوريا ضربة قاضية لمن قطعها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net