صفحة الكاتب : شعيب العاملي

أبو طالب.. نورٌ من نور الله !
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
 
وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ، إِنَّ نُورَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيُطْفِئُ أَنْوَارَ الْخَلَائِقِ إِلَّا خَمْسَةَ أَنْوَارٍ:
 
كلُّ ما سوى الله تعالى مخلوقٌ، وَجُلُّ المخلوقات ليس لها نورٌ في الدنيا، أما الآخرةُ فلها قانونها، حيثُ يعطي الله تعالى المؤمنين والشهداء والصديقين نوراً: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) (يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْديهِم‏)، ومَن لم يكن من أصحاب النور (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحيم‏).
 
وأصحاب الأنوار ليسوا على رتبةٍ واحدة، فمنها القويُّ والضعيف، ثم إنَّ لبعض الأنوار خصوصيةً، وهي أنّ قوّتها تطغى على سائر الأنوار، حتى كأنّها قد انطفأت أمامها، أو أنها تطفئها حقيقةً.
 
ومِن هذه الأنوار نورُ أبي طالب، فهو من أرفع الناس منزلةً، بل هو أرفعُهم مرتبةً، وفوقهم جميعاً إلا خمسة أنوار.. فنورُهُ تالي هذه الأنوار وسابق أنوار كلّ الخلائق !
 
ولعظمة هذا المعنى صدّره الإمام المعصوم بالقسم (وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ).
 
وتلك الأنوار هي أنوارُ آل محمدٍ عليهم السلام، ذَكَرَها الإمام بقوله:
نُورَ مُحَمَّدٍ، وَنُورَ فَاطِمَةَ، وَنُورَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَنُورَ وُلْدِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ: فلَم يذكر الإمامُ نفسه، ولعلّه لئلا يُتوهَّمَ تَرَفُّعُه على أبيه حتى في ذلك العالم مع كونه إماماً له، ثمّ عَدّ أنوار الأئمة واحداً، فصار أبو طالب تالي المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام.
 
ثم قال عليه السلام:
أَلَا إِنَّ نُورَهُ مِنْ نُورِنَا، خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ‏ (كنز الفوائد ج‏1 ص183).
 
هذه شَمَّةٌ من منزلةِ أبي طالب: نورُهُ من نورهم، ونورهم من نور الله !
 
فمَن ذا الذي يعرف أبا طالب؟! ومَن الذي يزعم الإحاطة بشيء من شؤونه؟!
منزلةٌ يعصى على العقل إدراكها، وعلى الخلقِ الإحاطة بها، فكما لا تَصمُدُ أنوارُ المؤمن منهم أمام نوره، تعجزُ عقولهم عن معرفة عظمته ومنزلته.
 
لكنّها تتلمَّسُ نَزراً يسيراً مما أرشدنا إليه أبواب الهدى عليهم السلام..
 
ولعل سائلاً يسأل:
 
ماذا فعل أبو طالب حتى بلغ ما بلغ؟ وبماذا وصل إلى تلك المرتبة؟!
 
أولاً: محمدٌ وآلُه ميزانُ التفاضل!
 
قال أمير المؤمنين عليه السلام:
 
إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُخْبِرُوا أُمَمَهُمْ بِمَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ (ص)، وَنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ، وَيُبَشِّرُوهُمْ بِهِ وَيَأْمُرُوهُمْ بِتَصْدِيقِهِ (تأويل الآيات الظاهرة ص120)
 
وبيَّنَ الإمام الصادق عليه السلام معنى أخذ الميثاق والنصُّرة في قوله تعالى (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) (آل عمران81) حينما قال:
 
لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيّاً وَلَا رَسُولًا إِلَّا وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ لِمُحَمَّدٍ بِالنُّبُوَّةِ، وَلِعَلِيٍّ بِالْإِمَامَةِ (تأويل الآيات الظاهرة ص121).
 
فصارَ الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وآله ووصيه عليه السلام ميثاقاً مأخوذاً على الأمم السابقة، وعليهم الالتزام بأمرين:
 
الأول: معرفته صلى الله عليه وآله ومعرفة وصيه حيث وردت صفاته في كتبهم.
والثاني: تصديقه ونصرته بنصرة وصيّه عليه السلام.
 
ولمّا صار محمدٌ وآله هم الباب المبتلى به الناس، فهم أعظم امتحانٍ للخليقة، صارَت المُفاضلة بين الأنبياء موقوفةً على سَبق الإيمان بالنبي وآله، والتصديق لهم، وتحقيق النُّصرة.
 
لذا اعتقد الشيعة: أنّ اللّه تعالى أعطى كل نبيٍّ على قدر معرفته بنبيّنا، وسبقه إلى الإقرار به. وأنّ اللّه تعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته عليهم السّلام (اعتقادات الإمامية للصدوق ص93).
 
ولمّا تقدَّم أبو طالب على كلّ الخلائق، عرفنا أنّه أكثر الناس معرفة بمحمدٍ وعليٍّ والعترة عليهم السلام.
 
ثانياً: معرفة أبي طالب بالنبي !
 
لقد كشف موقفُ أبي طالب من النبي صلى الله عليه وآله في أولى مراحل حياته عن معرفةٍ عميقةٍ به وبمنزلته، ثمَّ بيّن أبو طالب هذه المعرفة بلسانه كلّما سنحت له الفرصة، حتى قال في يوم خطبته (ص) للسيدة الجليلة العظيمة خديجة عليها السلام:
 
إِنَّ ابْنَ أَخِي هَذَا يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ (ص) مِمَّنْ لَا يُوزَنُ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا رَجَحَ بِهِ: لَقَد عَرَفَ أبو طالب قدرَ محمدٍ صلى الله عليه وآله، وأنّه لا يوزن بأحدٍ من قريش كبارها وصغارها، وقريش حينها أَئِمَّةُ العَرَب‏، لكن ليس لأحدٍ منهم وزنٌ أمامه صلى الله عليه وآله.
 
ثمّ قال أبو طالب:
 
وَلَا يُقَاسُ بِهِ رَجُلٌ إِلَّا عَظُمَ عَنْهُ: لعلّ أبا طالبٍ من أوّل من أُثِرَ عنهم بيان هذه المنزلة في زمن النبي صلى الله عليه وآله، فقد اشتهر عن الأئمة عليهم السلام قولهم: نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ لَا يُقَاسُ بِنَا أَحَد، وهذا أبو طالب أكثرُ الناس معرفةً بأنّه لا يقاس برسول الله أحدٌ قبله ولا بعده، وهو لم يُبعث بعد!
 
ثم هو مؤمنٌ بأنّه لا نظير للنبي (ص) في الخَلق قاطبةً، وهو مفاد واحدةٍ من أعظم العقائد الحقة، قال أبو طالب:
 
وَلَا عِدْلَ لَهُ فِي الْخَلْقِ.. وَلَهُ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ حَظٌّ عَظِيمٌ، وَدِينٌ شَائِعٌ وَرَأْيٌ كَامِلٌ (الكافي ج‏5 ص375)
 
فهو عالِمٌ بصفات النبيّ صلى الله عليه وآله، وبشخصه وعظمته، وبمآل دعوته ودينه !
 
ثالثاً: معرفته وبشارته بأمير المؤمنين !
 
لأنّ الإمامة أسّ الإسلام، كان العظيم أبو طالب هو المبشِّرُ لفاطمة بنت أسد بولادة ابنها، أوّل الأئمة أمير المؤمنين عليه السلام !
 
فعن الإمام الصادق عليه السلام: إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ جَاءَتْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ لِتُبَشِّرَهُ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ (ص)، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: اصْبِرِي سَبْتاً أُبَشِّرْكِ بِمِثْلِهِ إِلَّا النُّبُوَّةَ.
وَقَالَ: السَّبْتُ ثَلَاثُونَ سَنَةً، وَكَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) ثَلَاثُونَ سَنَةً (الكافي ج‏1 ص452).
 
وفي رواية أخرى قال لها: إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ بِوَصِيِّهِ وَوَزِيرِهِ (الكافي ج‏1 ص454).
 
فكيف تزلُّ قدمٌ بعد ثبوتها، إذا كانت قَدَمَ المبشِّر بالوصيّ، الذي بموالاته تُحفظ الأقدام عن الزلّات ؟!
 
لقد بلغ أبو طالب ما بلغ، ففتح الله لمحبيه طريقاً إلى الجنة، وللشُّكاك فيه طريقاً إلى النار !
 
1. طريق النار: الشك في إيمان أبي طالب!
 
لما سئل الإمام الرضا عليه السلام عن الشكّ في إيمان أبي طالب كتب عليه السلام للسائل:
 
إِنَّكَ إِنْ لَمْ تُقِرَّ بِإِيمَانِ أَبِي طَالِبِ كَانَ مَصِيرُكَ إِلَى النَّار (كنز الفوائد ج‏1 ص183).
 
فصار التشكيك بإيمانه وعدم الإقرار به سبيلَ النار، وكيف لا يدخل النار من لا يقرّ بنوره، ونوره من نور الله !
 
2. طريق الجنة: شفاعة أبي طالب !
 
ثم أعطاه الله تعالى الشفاعة، فصار شفيعاً لكلّ من أحبه، كما عن عن أمير المؤمنين عليه السلام: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً، لَوْ شَفَعَ أَبِي فِي كُلِّ مُذْنِبٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَشَفَّعَهُ اللَّهُ (كنز الفوائد ج‏1 ص183).
 
هنيئاً لكم أيُّها الشيعة..
آمنتم بقومٍ كان للمأموم فيهم فضيلةُ الشفاعة في كل أهل الأرض.. وهو أبو طالب..
 
فكيف بمن كان له نبياً وإماماً؟! ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله، وابنه عليّ عليه السلام.
 
هي سلالة الطُّهر يواليها الشيعة، ويدّخرونها ليوم الفقر والفاقة، يوم يطغى نورُ أبي طالب على الخلائق.
 
ويتوسّلون إلى الله تعالى في يوم وفاة أبي طالب أن يجعله وابنه وابن أخيه شفعاء لهم يوم القيامة، وأنّ يفرج عنهم بفرجه.
 
عظم الله أجورنا وأجوركم


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/31



كتابة تعليق لموضوع : أبو طالب.. نورٌ من نور الله !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net