صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

لعنة البنجاب قد ترضخ بريطانيا لقبول إستقلال إسكتلندا
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الجميع يعرف تماما على اختلاف أفكارهم السياسية، أنّ المملكة المتحدة المعروفة قديما ببريطانيا العظمى، هي عجوز الإستعمار الغربي، ورائدته في تنافس محموم، تسابقت فيه على من يكسب قصب السِّبق في نهْب شعوب العالم، التي صنّفوها ثالثا بالقوة العسكرية، فكانت الأولى فيه بدون منازع، أخضعت لسلطانها دولا في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وبالغت في استغلالها، باذلة جهودها في إبقائها تحت هيمنتها، لكنه بوعي تلك الشعوب ومقاومتها لوجودها على أراضيها، أصبح أمر تواجدها العسكري صعبا، وشبه مستحيل استدامته، حينها أظهرت مكرها السيء، ولا يحيق المكر السّيّء إلّا بأهله.

فهي على سبيل المثال لم تخرج من شبه الجزيرة الهندية - بعد أن أزعجها المهاتما غاندي(1) بثورته السلمية المقاومة لوجودها- إلا بعد أن دسّت سمّ فتنتها الفتّاك، ليفعل فعله في تمزيق وحدة الشعب الهندي، المتعدد الأعراق والأديان، ببث روح الشقاق والعداء، بين أكبر مكوّنين في الهند هما الهندوس والمسلمين، نشأت على أثره حالة من العداء لا يزال قائما إلى اليوم.

لم يترك البريطانيون بدهائهم الإستعماري للهند مجالا، لتقوم دولتها على كامل مساحتها التي كانوا قد احتلوها من قبل، بل خططوا بعد اعلان استقلالها، من أجل تقسيمها على أساس ديني، بتحريض الهندوس على المسلمين والعكس بالعكس، فأحدثوا فتنة لم يشهد لها تاريخ الهند مثيلا، أسفرت على عشرات آلاف الضحايا، جعل من تقسيم البلاد إلى قسمين حلّا لا بدّ منه، وكانت خمسة أسابيع كافية لإقرار ذلك التقسيم، وبعدها كانت كل دولة من الدولتين المنقسمتين تحتفل بإستقلالها في شهر أوت أغسطس 1947، ثم ما لبثت أن ازدادت الأوضاع تدهورا وسوءا بين البلدين، يحث اندلعت حرب شديدة بين الهند وباكستان، تسببت في مقتل مليون شخص بين الطرفين، ونزوح 12 مليون لاجئ من احدى الدولتين إلى الأخرى(2)

ذلك العداء الناشئ لم يكن موجودا من قبل، وإن كانت هناك حساسيات متعارفة قائمة بين الطائفتين، غير أنّ بريطانيا عرفت كيف تستغل تلك الحساسية، لتحوّلها إلى عداء مقيت بكل مكر ودهاء، وبأيدي عميلة مسلمة وهندوسية، رغم أن الهند كانت حاضنة لمئات الديانات التوحيدية والشركية في نفس الوقت، يتعايش أهلها فيما بينهم بسلام، وهذا ما يرجح الرأي القائل بأن بريطانيا هي أصل الدّاء، والسبب فيما حصل من تفكك المكون الهندي، وهدفها الأساسي من ورائه، الحيلولة دون أن يكون المسلمون أغلبية في الهند، وبالتالي يكون لهم أمر الحكم ديمقراطيا، وهذا ما لا تريده بريطانيا.

ما فاجأنا خلال هاتين السنتين حدثان يجلبان الإنتباه، لا يمكننا المرور عليهما دون تعليق، وهما وصول رجل من أصل هندي - جاء والداه من شرق أفريقيا- إلى رئاسة وزراء بريطانيا هو(ريشي سوناك)(3)، ولحوق رجل آخر به من أصول باكستانية، ليُنْتخبه البرلمان الإسكتلندي رئيس وزراء البلاد وهو (حمزة يوسف)، البالغ من العمر37 سنة، بعدما خلَف (نيكولا ستورجن) في قيادة الحزب الوطني الإسكتلندي(4) وتنحدر عائلة حمزة من ولاية البنجاب، وهاجر والده (مظفر يوسف) مع عائلته إلى اسكتلندا عام 1960، وقد صرّح يوسف في خطاب نجاح ترشّحه: "سنكون الجيل الذي سيحقق استقلال إسكتلندا"، مؤكّداً أن "الشعب" الإسكتلندي "بحاجة للإستقلال اعتباراً من الآن، أكثر من أي وقت مضى(5)

يعتبر الإسكتلنديون أنفسهم أكثر تقدما في أغلب القطاعات المدنية، فعلى سبيل المثال في مجال البيئة فإن اسكتلندا أول من منعت التدخين في المناطق المغلقة، وهم يعتبرون بقاءهم تحت ظل بريطانيا ال يعاكس تقدمهم ويعرقله، وبالتالي فهم يسعون إلى الإنفصال عنها، ولا يبدو الاستفتاء الذي وقع سنة 1979 والذي لم يحصل فيه المطالبون بالإنفصال عن بريطانيا سوى نسبة 40% (6) مقنعا للحركة الوطنية وقد بذل حزبها جهودا كبرى منذ ذلك الحين إلى اليوم، مما يؤشّر على ارتفاع نسبة المطالبين بالاستقلال، (وهذا ما أكدت عليه إستطلاعات الراي العام التي جرت في اسكتلندا مؤخرا، أوضحت أن ما يقارب 51 %من السكان يقف مع إعلان الاستقلال في حين يعارض إستقلال اسكتلندا ما نسبته 49 .%وهذا يؤشر أن اسكتلندا سائرة في إعلان إستقلالها عن التاج البريطاني) (7) وهو ما دعا الحكومة الجديدة برئاسة حمزة يوسف إلى المطالبة باستفتاء جديد، تخشاه الحكومة البريطانية، وبإمكانه أن يتسبب في انفصال اسكتلندا عن كيانها.

ومع رفض رئيس الوزراء البريطاني (ريشي سوناك)، مطلب استقلال اسكتلندا من جديد، ردّا على ما جاء على لسان (حمزة يوسف) رئيس وزرائها، يبدو الوضع قابلا للتعقيد، رغم لغة الدبلوماسية المتلونة التي صرّح بها ريشي، من دعوة للتعاون من أجل خفض التضخّم ومعالجة ارتفاع مستوى المعيشة، وكأني بما رتبت فصوله بريطانيا في شبه القارة الهندية سيعاد في بريطانيا بالذّات على يدي رجلين الأوّل هندي الأصول والثاني باكستاني، وهذه مفارقة عجيبة في تواجد غريمين تقليديين، على رأس دبلوماسية بريطانية هرمت في مجال الإستعمار، والسيطرة على الدول الضعيفة، مع أنه من المستبعد أن يكون الرجلان ينظران إلى قضية اسكتلندا الإنفصالية، بمنظار تاريخي لما حصل في شبه الجزيرة الهندية، فهُما حاملان ثقافة غربية بعيدة كل البعد عن أصولهما الدينية والعرقية، بل لعلّهما يعتبران ثقافتيهما المنتميان إليهما أصولا مظهرا متخلّفا.

وحسب ما يبدو، وإن كنتُ لا أستقرئ الغيب القادم، فإن لعنة شبه الجزيرة الهندية قد تحلّ على بريطانيا، فتنتزع منها إسكتلندا، كما انتزعت من قبلُ ايرلندا، جزاءً لما أسهمت فيه من قبل بتقسيم بلد، بدأ ينافس الصين من حيث تعداد سكانها، ومن حيث تقدّمها العلمي والتقني، ولو أن الهند بقيت موحدة بعد استقلالها من العرش البريطاني، لكان الأمر مختلفا اليوم.

المراجع

1 – المهاتما غاندي

https://ar.wikipedia.org/wiki/

2 – باكستان والهند: بعد قرونٍ من الحكم الإسلامي، جاءت بريطانيا ورحلت.. فتسببت في حربٍ لم تهدأ لـ 70 عاماً

https://arabicpost.net/

3 – ريشي سوناك

تعرف على زعيم حزب المحافظين الجديد الذي أصبح أول رئيس وزراء لبريطانيا من أصول آسيوية - BBC News عربي

4– حمزة يوسف... أول مسلم يتولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ إسكتلندا

https://www.france24.com/ar/

5 – لندن ترفض دعوة رئيس وزراء أسكتلندا الجديد لاستفتاء حول الاستقلال

https://arabi21.com/story/1502305/

6 – الحركات الإنفصالية في أوروبا الدوافع والنتائج

e2ee2a74476bc466 (iasj.net) ص60

7 – المصدر السابق

e2ee2a74476bc466 (iasj.net) ص63


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/02



كتابة تعليق لموضوع : لعنة البنجاب قد ترضخ بريطانيا لقبول إستقلال إسكتلندا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net