صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (١٥)   
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}.

   وهذا كُلُّ الذي فعلهُ الإِمام الحسنُ بن عليٍّ المُجتبى سبطِ رسُولَ الله (ص) [تُصادفُ اللَّيلة (١٥ شهرُ رمضانَ المُبارك) ذِكرى ولادتهِ الميمُونةِ (ع) في المدينةِ المُنَّورةِ عام(٣ للهِجرةِ)].

   فليسَ لرسولٍ أَو نبيٍّ أَو إِمامٍ أَو مُصلحٍ أَن يفرُض رأيهُ على الأُمَّةِ، خاصَّةً ما يتعلَّق بالإِيمانِ والعقيدةِ، أَي ما يتعلَّق بالقلبِ والعقلِ، حتَّى القُرآن الكريم لا ينبغي لهُمفرضهُ إِذا لم تقتنِع الأُمَّة برسالتهِ ورُؤيتهِ وفَهمهِ الرِّسالي الربَّاني السَّماوي إِذا كانت الأُمَّة عمياء ترفض استيعاب كُلَّ ذلكَ لأَيِّ سببٍ كانَ {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.

   فالإِنسانُ الفَرد أَو الإِنسان الأُمَّة إِذا كانَ أَعمى [عمياء] لا يهتدي إِلى طريقِ الحقِّ ويرفُض أَن يتعلَّم أَو يصغي إِلى الإِمام، فليسَ بإِمكانِ أَحدٍ أَن يجبرهُ على حلٍّ سليمٍ،لأَنَّ الحلُول العقليَّة والمنطقيَّة السَّليمة عادةً لا تُفرض وإِنَّما تتحقَّق بالقناعةِ.

   فبعدَ أَن بويعَ للخلافةِ بعد استشهادِ أَبيهِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) سعى الحسنُ (ع) لإِكمالِ المِشوارِ الذي سارَ عليهِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في قتالِ الفئَةِ الباغيةِ حسبَ القواعِدوالمُواصفات التي ذكرَها القُرآن الكريم بقولهِ {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِاللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.

   فالتَّسلسُل القرآني لأَيِّ اقتتالٍ داخليٍّ بينَ المُؤمنينَ هو كالتَّالي؛

   ١/ السَّعي للإِصلاحِ بينَ الفِئتَينِ المُتقاتِلتَينِ بالحوارِ والسِّياسةِ والديبلوماسيَّة.

   ٢/ إِذا فشلت المساعي المدنيَّة [السلميَّة] فعلى الجماعةِ أَن تُقاتلَ التي تبغي وبالطَّريقةِ التي تراها مُناسبةً للضَّغطِ على البُغاةِ لإِجبارهِم على الإِنصياعِ للحقِّ رغماًعنهُم، بعد أَن رفضُوا الحلُول السلميَّة.

   ٣/ إِذا فاءَ البُغاةُ بعد قتالهِم تعود الجماعة لتبذِلَ الجهُود اللَّازمة والمُمكنة لتحقيقِ إِصلاحِ ذاتِ البَينِ مرَّةً أُخرى، شريطةَ أَن يكونَ الإِصلاحُ هذهِ المرَّة تحديداً، أَي بعدَالقتالِ، بالعدلِ والقسطِ، من خلالِ توظيفِ نتائج القِتال، إِذ يجب أَن يدفعَ البُغاة ثمن القِتال الذي تُراقُ فيهِ دماءٌ وتُسبى بهِ أَعراضٌ ويتمُّ فيهِ التَّجاوز على الحقُوق وإِلى غيرِذلكَ من الآثار المُدمِّرة لأَيِّ اقتتالٍ داخليٍّ، فشرُوط الصُّلح بين الفِئتَينِ والثَّمن المدفُوع يختلفُ في المرحلتَينِ، مرحلة ما قبلَ القِتال ومرحلة ما بعدَهُ.

   وليسَ من العدلِ والقسطِ أَن تتساوى فيهِ الفِئتانِ المُتقاتِلتانِ، الباغيةُ والمبغيُّ عليها في دفعِ وجني الثَّمن على حدٍّ سَواء!.

   وكلُّ ذلكَ ضمانات يضعَها القرآن الكريم من أَجلِ أَن لا يتكرَّر الإِقتتال الدَّاخلي بينَ فترةٍ وأُخرى، فأَنتَ إِذا لم تُجفِّف منابِع هذا الإِقتتال وتُزيلَ أَسبابهِ بشَكلٍ جذريٍّفستترُك الجُرح مفتُوحاً قد ينزِف في أَيَّةِ لحظةٍ. 

   ولقد بذلَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) كُلَّ جُهدهِ من أَجلِ إِقناعِ [أَصحابهِ] عندما دعُوهُ للتَّحكيمِ بأَنَّ المَوقف الشَّرعي من التَّحكيمِ يكونُ بعدَ إِذعانِ البُغاة [مُعاوية وحزبهِ] لأَمرِ اللهوليسَ قبلَ ذلكَ، تأسيساً على نصِّ الآيةِ المُباركة، إِلَّا أَنَّ المُغفَّلينَ أَصرُّوا على التَّحكيم قبلَ الإِفاءة، وعندما شعرُوا بخطئهِم بل بجريمتهِم الكُبرى التي ارتكبُوها بحقِّ دينهِموقُرآنهم وإِمامهِم، دعَوا أَميرَ المُؤمنينَ (ع) مرَّةً أُخرى للقتالِ وعدَمِ القبُولِ بالتَّحكيمِ الذي فُرِضَ عليهِ فرضاً بسببِ خديعةِ [رفعِ المصاحفِ] على الرَّغمِ من أَنَّهُ (ع) كان قدقالَ لهُم وأَكَّدَ بأَنَّ القومَ ليسُوا بأَهلِ قُرآنٍ ولا دينٍ ففي رسالةٍ لهُ إِلى مُعاوية يقولُ لهُ فيها موضِّحاً الأَمر والحقيقة لِمن يطلُبها {وَقَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهِوَلَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا وَلَكِنَّا أَجَبْنَا الْقُرْآنَ فِي حُكْمِهِ وَالسَّلَامُ} ومعَ ذلكَ وقعَ المُغفَّلُونَ في شباكِ الخديعةِ، ثم أَرادُوا أَن يعودُوا عنها بفرضِ القتالِ مرَّةً أُخرى عليهِ.

   يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حال العِصيان والتمرُّد الذي أَصابَ جبهتهِ العسكريَّةِ بقولهِ {أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَوَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُبِنُصْحِهِ وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ؛

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى * فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ}.

   *يتبع...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/06



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (١٥)   
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net