صفحة الكاتب : د . شامل محسن هادي مباركه

السيستاني في عام المحنة
د . شامل محسن هادي مباركه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

بدأ القرن الواحد وعشرين بحدثين كبيرين، الهجوم على برجي منهاتن في ١١ أيلول ٢٠٠١، و غزو العراق من قبل التحالف الدولي بقيادة امريكا في ١٩ آذار ٢٠٠٣. لم يكن الغزو الامريكي للعراق حدثاً عابراً، بل وطّد لفوضى في الشرق الاوسط.

وانا ذاهب للعمل الساعة الخامسة فجراً من يوم ٢١ آذار، توقفت عند كوفي شوب لشراء القهوه، واذا تفاجأت بقناة فوكس نيوز امامي. لفت ملامحَ وجهي الشرقي الاعلاميةُ التي تجري اللقاءات مع الناس.

سألتني من اين انت؟ قلت لها من العراق، قالت يا الهي، انت من نبحث عليه.

سالتني ما رأيك بالهجوم الامريكي على العراق؟ قلت لها الذي أتى بالدكتاتور صدام، قادر ان يزيحه، وان الحرب ليس هو الخيار الصحيح. ستكلف العراق دماء كثيرة واموال طائلة، وانهيار للدولة، وتدمير البنى التحتية.

نعم حلّت الفوضى وفُقِدَ الامان بالعراق، والمرجعية العليا تواجه كل المصائب التي خلّفه الاحتلال.

في عام المحنة؛ سنة سقوط الحكم البعثي الدموي، واجه آية الله العظمى علي السيستاني دام ظله ثلاثة محاور من التحديات؛ احتلال العراق، غياب المشروع السياسي للمعارضة العراقية، وفقدان الوعي السياسي عند الشعب العراقي.

حاول الحاكم المدني الامريكي، پول پريمر، جعل العراق ولاية امريكية جديدة، حيث خطط لاستيراد دستور للعراق، ثم حاول تعيين شخصيات لكتابة الدستور، بعدها حاول تأسيس جيش من الدول الاقليمية لإرساء الامن بالعراق. وهذا ما أكده السفير الامريكي السابق بالعراق، رايان كروك حيث قال: "نحن متشددون بشأن نظامهم السياسي، لا يعمل حقاً من دوننا". 

كان الامريكيون يرون بان العراقيين لا يمكنهم كتابة الدستور، قال مسؤول امريكي: "نحن ساذجون إن أعتقدنا أن العراقيين يستطيعون كتابة دستور وبناء ديمقراطية". وهذا ما اكده أدوار ونغ في مقاله في صحيفة نيويورك تايمز في ٦ شباط ٢٠٠٥ (Leading Shiite Clerics Pushing Islamic Constitution in Iraq).

جميع محاولات الحاكم المدني اصطدمت بموقف المرجعية العليا في النجف الاشرف.

انتفض السيستاني، في مرحلة فراغ السلطة بعد ٢٠٠٣، مع انهيار كامل لمؤسسات الدولة، ليؤسس لدولة المواطنة. لقد كان السيستاني، بزي رجل الدين، قد شكل صدمة و مفاجأة لصانعي القرار في البيت الابيض ودول العالم، ليكون في طليعة السياسات التقدمية في العراق. 

كارولين مرجي، استاذة في كلية كونكتيكت، في كتابها "المرجعية الدينية، الموقف الوطني في العراق ما بعد صدام" (Patriotic Ayatollah nationalism in post Saddam iraq، طُبِع في جامعة ييل الامريكية، Yale University) تقول: "فبدلاً من اختيار الدولة، بوصفه رجل دين يمثل طائفة، كان همه ينصب على هدف محوري يكمن في ابقاء مشروع الدولة على المسار الصحيح، فكانت الخطب والبيانات تمثل الثقافة السياسية التي تصحح مسار العملية الديمقراطية بالعراق."

لإرثها التأريخي الذي يمتد لاكثر من الف عام، وحاجة الشعب العراقي لقيادة روحية تتلائم والوضع الحديث، وتزاحم السياسيين على عقول الناس، وقفت المرجعية بكل ثقلها، لتسحب البساط من تحت اقدام قوات الاحتلال ومن الولاءات الخارجية. أدرك المرجع ان اقتصاره على الجوانب العبادية والتقليد قد انتهى بعد ٢٠٠٣.

حاول الحاكم المدني تسويق الاحتلال على انه تحرير، فلم يستطع خداع السيستاني. وصف السيستاني القوات التي غزت العراق بقوات احتلال (وثيقة رقم ٢١ جواب رقم ٢، كتاب "النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية" للاستاذ حامد الخفاف)، (راجع تصريحات السيستاني لصحيفة فرنسية في ١٤ تموز ٢٠٠٣، ويابانية في ١٩ تموز ٢٠٠٣). 

لم يجد السيستاني من السياسيين من يستطيع اخراج العراق من سلطة الاحتلال، مما دفعه لان يبحث عن وسيط للقيام بذلك، فكانت الامم المتحدة حاضرة، حيث أوضح بأهمية الامم المتحدة ومحوريتها في إرساء الأمن والاستقرار في العراق أبان المرحلة الانتقالية. وان جهودها كانت ضرورية للاشراف على الخطوات اللازمة لتمكين العراق من استرجاع السيادة لبلدهم. (راجع رسالة السيستاني الى امين عام الامم المتحدة في اغتيال ممثل الامين بالعراق سيرجيو فييرا دي مليو في ٢٠ آب ٢٠٠٣).

بعد ان شعر السيستاني بخطط سلطة الإتلاف الحاكم في تعيين اعضاء في لجنة كتابة الدستور. قال دام ظله: "إن تلك السلطات لا تتمتع بأي صلاحية في تعين اعضاء مجلس كتابة الدستور، كما لا ضمان أن يضع هذا المجلس دستوراً يطابق المصالح العليا للشعب العراقي، ويعبر عن هويته الوطنية، والتي من ركائزها الاساس الاسلام. المشروع المذكور من اساسه غير مقبول. اذا لابد من اجراء انتخابات عامة لكي يختار كل عراقي مؤهل من يمثله / يمثلها في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور … وعلى المؤمنين كافة المطالبة بتحقيق هذا الأمر المهم والمساهمة في انجازه على احسن وجه." (راجع بيان السيستاني في ٢٠ حزيران ٢٠٠٣).

كما اكد السيستاني على أن "الدستور الذي يُكتب من قبل جمعية غير منتخبة من الشعب لن يكون مقبولاً" فقطع الطريق على الحاكم المدني.  (راجع مقال واشنطن بوست في ٢٠ حزيران ٢٠٠٤، As Handover Nears, U.S. Mistakes Loom Large).

رغم رؤية السيستاني الحكيمة في مستقبل العراق الدستوري، ذهبت الاحزاب لانتخاب اعضاء غير مؤهلين لكتابة الدستور، وتفتقر الى ادبيات النزعة الدستورية، فكانت بصمات القوميات والاثنية والطائفية والحزبية واضحة على الدستور.

بعد أن اوضح الحاكم المدني بتعسر الانتخابات (راجع كتاب عام قضيته بالعراق، پول پريمر)، أعترض السيستاني على الحاكم المدني ليقول: "أُجريت انتخابات مماثلة في تيمور الشرقية تحت إشراف الامم المتحدة، لماذا لم يكن من الممكن إجراء مثل هذا الترتيب بالعراق؟" حتى أكد على أن "لا بديل على إجراء انتخابات مباشرة."

لم يكتفِ بذلك، طالب السيستاني "بفسح المجال امام الشعب العراقي ليحكموا انفسهم من غير تسويف أو مماطلة." (راجع مقال واشنطن بوست في ٢٣ حزيران ٢٠٠٣، Iraqi Shiite Leader Uneasy With U.S. Role)

وقفت المرجعية بكل صلابة امام مخططات الاحتلال، فكان عامُ ٢٠٠٣ ثقيلاً على مرجعية النجف، في مواجهة شرسة مع قوات الاحتلال حتى انتهت سلطتها، فانتقلت المواجهة بين مرجعية النجف و سياسيي السلطة حتى يومنا هذا في محورها الثاني.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . شامل محسن هادي مباركه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/17



كتابة تعليق لموضوع : السيستاني في عام المحنة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net