صفحة الكاتب : د . شامل محسن هادي مباركه

السيستاني ما بعد ٢٠٠٣؛ اللحظات المصيرية
د . شامل محسن هادي مباركه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لم يخطر في ذهن الشعب العراقي سقوط النظام الدموي بالعراق يوماً ما. كانت لحظات فارقة في تاريخ التحول السياسي العراقي.

يتعامل السيد السيستاني مع المشهد السياسي بأسلوب حذر يتناسب مع رؤيته لعراق جديد و لحكومة مدنية. أوضح مرارًا وتكرارًا أنه سيكون بمثابة "مرشد" فقط، في تضاد واضح مع نموذج ولاية الفقيه في الجمهورية الاسلامية في إيران، والذي شارك آيات الله في صُلب السياسة. هذا جاء مطابقاً لبحثٍ نُشِر في كلية إليوت للشؤون الدولية في واشنطن (Elliott School of International Affairs) تحت عنوان "آية الله السيستاني: أكثر من مجرد مرشد للعراقيين (Ayatollah Sistani: Much More Than a “Guide” for Iraqis).

إن هذا الموقف يؤسس لفلسفة جديدة للمرجعية بوصفها موقعًا دينيًا وليس سياسيًا. وعليه، فكلما توغل المرجع في شؤون الدولة، كلما كان دخوله اكثر في السياسة.

هناك مساران لخط المرجعية في التعامل مع الاحدث التي فُرِضت عليه: 

١- الابتعاد عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهذا قد يؤدي الى التشكيك في كونه مرجعاً للطائفة، وانحسار دوره على شيعة العراق.

٢- التدخل في شؤون الدول التي يعاني منها شيعتها، كالبحرين وافغانستان مثلاً، للدفاع عن الطائفة الشيعية في العالم.

كلاهما يمثلان التحدي المستجد لمرجعية النجف الاشرف.

ضمن هذه المعطيات  نضج منهج "الرؤية السيستانية" والتي تقوم على الموازنة بين حضوره القوي داخل العراق، وبين قيادته الروحية للشيعة في أركان المعمورة.

على مستوى الداخل العراقي، إستخدم السيستاني سلطته الروحية في اكثر الملفات خطورةً، فكان لمرجعية النجف العليا أثر في استدامة العملية الديمقراطية الوليدة. 

مرّ العراق بأزمات كادت أن تعصف بالعملية السياسية برمّتها، لولا حكمة السيستاني، و وقوفه مع الشعب العراقي، وتصحيح العملية الديمقراطية العرجاء.

بدأت شرارة أول أزمة بين السيستاني و سلطة الائتلاف المؤقتة الذي كان يُديرها الحاكم المدني الامريكي، پول بريمر. كان يبحث السيستاني عن تسريع اخراج قوات الاحتلال من العراق، وتسليم دفة الحكم للعراقيين. ولتحقيق ذلك، لا يوجد دستور يحافظ على الانتقال السلمي للسلطة، فكان تعيين لجنة كتابة الدستور "التي أُنشأت على قاعدة طائفة"، وكتابة الدستور المؤقت، مقدمة لتسليم السلطة للعراقيين. مخاضاً عسيراً دخل فيه السيستاني.

ثم حصلت أزمة خانقة في النجف الاشرف في ٢٠٠٤، عندما حاول الجيش الامريكي الدخول الى مقام الامام علي عليه السلام للقضاء على جيش المهدي المتحصّنين داخل الحرم المطهر. خرج السيستاني من ركام الفوضى والاحتلال ليُنهي الازمة الخانقة في النجف، فطلب إنهاء الأعمال العسكرية في النجف عام ٢٠٠٤ فوراً، والتي سمحت لجيش المهدي بمغادرة النجف.

تقول صحيفة واشنطن بوست: "حذّر السيستاني الولايات المتحدة علانية من تجاوز 'الخط الأحمر' الذي من شأنه إثارة الرأي العام الشيعي، ليس فقط في العراق ولكن من باكستان إلى لبنان." (راجع مقال واشنطن بوست "فهم دور السيستاني، Understanding Sistani's Role، في ١٩ نيسان ٢٠٠٤)

اخذ الجيش الامريكي تهديد السيستاني على محمل الجد، فتم مباشرةً سحب جميع قواته من مدينة النجف.

قد يكون اخطر حدث مرّ به العراق هو تفجير مقام الامامين العسكريين عليهما السلام في ٢٢ شباط ٢٠٠٦. أطلق هذا العمل الاجرامي العنان لأعمال عنف طائفية انتقامية غير مسبوقة اجتاحت البلاد. رداً على ذلك، أعلن السيستاني أن فتاواه ملزمة لجميع المسلمين وليس الشيعة فقط. حاول السيستاني تهدئة الشارع الشيعي بعد تفجير المقام  في سامراء، مما حفظ العراق من حرب طائفية، يحترق فيها الجميع.

 كان يمكن أن يشهد العراق إبادة جماعية أخرى لولا السيستاني. لقد أنقذ السُنّة في العراق. كرر السيستاني غير مرّة أن العراقيين من مختلف الطوائف هم "إخوة في الإنسانية" و "شركاء في الوطن الأم". (راجع بيان السيستاني، "رسالة إلى الشعب العراقي بشأن الفتنة الطائفية"،  بتاريخ ١٨ تموز ٢٠٠٦)
أرجع السيستاني العنف المتزايد في الغالب إلى "الجريمة المنظمة" وليس الطائفية. كما لفت الانتباه لأول مرة إلى دور التدخل الأجنبي في إثارة العنف الطائفي.

كلّف العنف حياة عشرات الالاف. تحوَّل التمرد من حرب أهلية إلى توسع لداعش، وزاد تعدد الجهات المشاركة في النزاع من تفاقم العنف على الأرض. ركزت مواقف السيستاني على تعزيز الروابط بين السنة والشيعة، ولفت الانتباه إلى الهموم الإنسانية، وتوضيح أن الإرهاب لن يكافأ في الدنيا ولا في الآخرة. على الرغم من التكهنات السيئة، فإن مثل هذه المبالغة في دور السيستاني في كبح العنف تظهر مدى أهمية السيستاني المتصورة في السياسة العراقية.

لحظات مصيرية أرهقت العراق، وأشغلت المرجعية كثيراً سنتناولها في عدة مقالات منفصلة، منها الولاية الاولى والثانية للسيد المالكي وكيف كادت ان تعصف بالعملية السياسية برمتها، داعش الارهابي وفتوى الجهاد الكفائي، الفساد، ثم مظاهرات تشرين ٢٠١٩.

العراق وشعبه مدين لمواقف السيستاني الوطنية، في تعزيز الوحدة بين اطياف شعبه، ودفاعه عن حقوق جميع افراده.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . شامل محسن هادي مباركه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/22



كتابة تعليق لموضوع : السيستاني ما بعد ٢٠٠٣؛ اللحظات المصيرية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net