صفحة الكاتب : عمار كاظم عبد الحسين

الخشوع والافتقار.. من مظاهر الدُّعاء
عمار كاظم عبد الحسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الدُّعاء مُخُّ العبادة ولا يُهلَكُ مع الدُّعاء أحد)
يبيّن الحديث النبويّ المبارك جوهر العبادة وحقيقتها التي تتجلّى في إقبال العبد المحتاج على المعبود الغني: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر/ 15). وهذا الإقبال هو التعبير الحيّ عن الصلة الموضوعية بين الخالق والمخلوق، وعن شعور الإنسان بحاجته الدائمة إلى ربّه تعالى في جميع أُموره، واعترافه الخاضع بالعبودية له تعالى، التي تتجسّد في الشعور بالارتباط العميق باللهِ سبحانه، فجوهر العبادة هو تحقيق الارتباط والعلاقة بين الخالق والمخلوق، والدُّعاء هو أوسع أبواب ذلك الارتباط وتلك العلاقة؛ إذن هو مخّ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (أفضل العبادة الدُّعاء وإذا أَذِنَ الله لعبد في الدُّعاء فتحَ له أبواب الرحمة إنّه لن يهلك مع الدُّعاء أحد)(وسائل الشيعة: 7/22).

الخشوع والافتقار
الدُّعاء في نفسه عبادة، فهما يشتركان في حقيقة واحدة هي إظهار الخشوع والافتقار إلى الله تعالى. وهو غاية الخلق وعلّته، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56)، وقال جلّ جلاله: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) (الفرقان/ 77).. فالدُّعاء والعبادة يعكسان الفقر المتأصل في كيان الإنسان إلى خالقه تعالى مع إحساسه العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده. وطالما أنّ هدف العبادة تحقيق الرابطة الحقيقية التي ينبغي أن تكون بين العبد وربّه، على أساس اعتراف العبد باحتياجه المطلق إلى الغني المطلق وإقراره بفقره وفاقته وعجزه ولا شيئيته أمام المالك الذي لا ينفد ملكه وسلطانه، فإنّ الدُّعاء هو من أبرز العبادات التي تحقّق هذا الهدف لأنّ الدُّعاء مظهرُ فقر الإنسان إلى الله تعالى واحتياجه إليه، عن الإمام الصادق (عليه السلام): (عليكم بالدُّعاء فإنّكم لا تتقرّبون بمثله)(الكافي: 2/467).

الدعاء هدفا لا وسيلة
كلّ إنسان مؤمن يحتاج إلى الشعور بهذه العلاقة من الارتباط بالله تعالى، وانطلاقاً من هذه الحقيقة يكون الدُّعاء هدفاً لا وسيلة، وبهذه النظرة يكون الدُّعاء هو العلاقة نفسها، وهو نفس الإحساس الذي نحتاجه.
إنّ لسان حال المؤمن هو الدُّعاء دائماً، لأن كيانه يتحوّل إلى سائلٍ يقف بباب الله ويناجيه ويدعوه في كلّ وقت. جميع المخلوقات في الدُّنيا مرتبطة بالذات الربوبية المقدّسة، والإنسان كذلك باعتباره أشرف المخلوقات، فإنّ وجوده مرتبط بالذات الإلهيّة المقدّسة بالكيفية الأشرف المتناسبة مع الرتبة التي حباه بها الله تعالى. وهذا الإحساس الذي يمثّله الدُّعاء يعطي للإنسان حالة معنوية من العروج والسلوك والقرب من الذات المقدّسة، وهذه أعظم فوائد الدُّعاء.

من فوائد الدُّعاء
من الصعب تحديد فوائد الدُّعاء وحصرها في نقاطٍ معينة، ويكفي أن يكون الدُّعاء اتصالاً مفتوحاً بين العبد والمعبود بما يحمل هذا الاتصال في طيّاته من راحة نفسية وطمأنينة واستمداد للقوّة والعزيمة في حياة العبد على كلّ صعيد، فبالدُّعاء إحياء لذكر الله وإزالة الغفلة التي هي أساس الانحراف والفساد اللذين يعتريان حياة الإنسان، وتعويد الإنسان على الذِّكر وترسيخه في قلبه. فإنّ أكبر الخسائر التي تحصل نتيجة ترك الدُّعاء هو زوال ذكر الله من القلب، فالغفلة عن الله تعالى هي من أكبر خسائر البشر. قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28). ومن خصوصيات الدُّعاء ترسيخ الإيمان واستقراره في قلب الإنسان، فبوساطة الدُّعاء واستمراره، والتوجّه لله تعالى يتقلّص خطر زوال الإيمان. قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال/ 2). إنّ الحديث مع الله تعالى والقرب منه يعمّق في الإنسان روح الإخلاص، الذي يعني العمل لله بنيّة خالصة، وعندما تتجذّر هذه الحالة لدى الإنسان فإنّ جميع اعماله يمكن أن تُنوى لله تعالى، الدُّعاء وظيفته أن يضع عن كاهل الإنسان هذه الأغلال ويهبه روح الإخلاص التي تحرّره من كلّ قيدٍ بما فيها أثقلها وهو قيد الأنا والأنانية: (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(غافر/65).

الخلاصة
إنّ الدُّعاء هو تلك العبادة التي تحييّ العشق القلبي لله تعالى، وهذا العشق هو مظهر لجميع كمالات الباريّ تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الحجّ/ 35).. فالدُّعاء والأنس والنجوى مع الله تعالى يخلق هذه المحبّة في القلوب.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عمار كاظم عبد الحسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/24



كتابة تعليق لموضوع : الخشوع والافتقار.. من مظاهر الدُّعاء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net