أشهر أسلحة إبليس ضد الأنبياء. الجزء الأول.
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لمّا كان من الصعب جدا إبطال دعوى الأنبياء لِما رافقها من معجزات وأمور خارقة لا يقوى على الإتيان بها البشر، والتي من خلالها يُثبت النبي بأن ما جاء به هو من السماء وأنه تنزيلٌ من الله العزيز الحكيم، يرافق ذلك تحدي من قبل النبي للمخلوقات العاقلة الجن والإنس (قل لان اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).(1) ناهيك عن بقية المعاجز التي يأتون بها بإذن الله والتي تخرق القوانين الطبيعية. لمّا كانت هذه الأمور مجتمعة تحول دون إبطال دعوى الأنبياء ، عمد الشيطان إلى تلقين اتباعه ومريديه فنون الحيل والخداع للوقوف بوجه دعوة الأنبياء ومنها التي تخدع الحواس فتجعل الناس يتخيلون أشياء وهمية على أنها حقيقة،(سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم).(2) أو باستخدام سبل الخفة وخلط المواد التي لا يعرفها الناس فتأتي بنتائج لا يفهمونها فتوهمهم بأن ذلك من الخوارق التي تُماثل ما يصنعهُ الأنبياء، فيحصل الخلط والتشويش، فوضعت الشياطين فنون مما يُسمّى السحر والعرافة والتنجيم وحساب الجُمل وقراءة الكف والفنجان واستخدام الجان وهو مما يقوم به الجوكية والدراويش وأرباب السحر والشعوذة. فاشتبه ذلك على الناس فخلطوا بين الوهم والحقيقة، ولذلك لم يجدوا ما يرمون به الأنبياء أو إبطال ما يأتون به إلا باستخدام ما وضعهُ الشيطان بين أيديهم ، فزعموا بأن النبي ساحر. فاستحكم هذا الوهم في عقول الناس وتمكن منهم فاصبحوا يتحدون به الأنبياء (قالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين).(3) فعمد الأنبياء إلى القيام بمعجزات حسّية ملموسة مثل شفاء الأمراض المستعصية وشق الماء وفتح بصر العميان وغيرها مما لا يُنكره العقل ، ولكن خدع إبليس استحكمت في عقول الناس (قالوا إنما سُكرت أبصارنا بل نحنُ قوم مسحورون).(4) لا بل أن هذا النمط من البشر ليس فقط لم يؤمن بدعوى الأنبياء بل أصبح لسانا للشياطين وبوقا يُشيع من خلاله بأن الأنبياء ليسوا فقط سحرة بل انهم مسحورون (يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا).(5) فظلموا أنفسهم وظلموا الناس معهم ولذلك وصفهم تعالى بأنهم (ظالمين). مع ملاحظة أن ذكر السحر في القرآن لم يرد إلا من باب الذم، وليس بتصديق مفعوله.
ولو كانت الاتهامات بالسحر للأنبياء بقيت على السنة الناس ، لذهبت واندثرت وبقيت تعاليم الأنبياء واضحة جلية (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). ولكن هذه الأفكار الشيطانية تسللت إلى الكتب السماوية عن طريق أهل المصلحة والأطماع أو ممن اتخذ ذلك حرفة يرتزق منها من كهنة السوء وأضرابهم فكان أول ذلك هو قيام كهنة اليهود بخلط معاجز الأنبياء بما يقوم به المشعوذين وتدوينه في كتابهم المقدس جنبا إلى جنب الكلام القدسي، وقد اعترف المفسرون بذلك يقول القمص يعقوب حلمي : (وظاهرا فإن كلا الأنبياء والعرافين والدجالين يتنبأون بالغيب فقد أختلط الأمر على معاصريهم، فكان مقياس صدق النبوءة هو حدوث معجزات يصعب تقليدها أو أن تتحقق النبوءة، وانتهى الأمر بكتبة التوراة إلى الخلط بين الأنبياء الحقيقيين وبين كل من استطاع أن يخدع الناس من العرافين والكهنة والدجالين).(6)
للخروج من هذا الخلط وجب ملاحظة أمور منها أن الأنبياء وأوصيائهم والصالحين الذين يتكلمون باسمهم لا يسعون للحصول على مكاسب مادية أو معنوية ولا يسعون وراء الشهرة والمجد، فأغلبهم عاش ومات فقيرا ،فهم ليسوا أصحاب فضل على الناس، إنما هي أقوال إلهية ينقلونها من أجل خير الناس وهدايتهم. أما الذين يستخدمون الجان والعرافة والتنجيم والسحر ويستعينون بالنجوم والكواكب وغيرها من خزعبلات فإنهم لا يُقدموا هذه الخدمات مجانا بل يسعون دائما إلى التكسب على حساب آلام الناس وأمراضهم ومصائبهم ، ويسعون للشهرة والمجد، حتى اصبحوا اليوم كالوباء ، ولذلك نرى الكتب السماوية والأنبياء حذّرت منهم وامر ألله أنبيائه بأن يُطهّروا ما حولهم من أمثال هؤلاء إن وجدوا لا بل أمر تعال بقتلهم إن هم لم يتوبوا، فكل الأديان أمرت بذلك فقد قال الله تعالى لموسى : (لا يوجد فيك من يعرف عرافة، ولا عائفٌ ولا متفائلٌ ولا ساحرٌ. ولا من يَرقي رقية، ولا من يسأل جانا أو تابعة، ولا من يستشير الموتى. لا تدع ساحرة تعيش).(7)
فقد كانت البداية من اليهود فهم أول من رمى الأنبياء بالسحر (فلما جاءهم موسى بآياتنا قالوا ما هذا إلا سحر).(8) وهذا ما قالوه عن عيسى عليه السلام أيضا : (وإذ قال عيسى ابنُ مريمَ يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم ... فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحرٌ مبين).(9) وهذا ما رموا به نبينا صلاة الله عليه وآله : (ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحرٌ وإنا به كافرون).(10)
اليوم نرى أن ممارسات السحر والخداع البصري تطغى على أغلب وسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها وتستحوذ على انتباه الناس أكثر من تعاليم الأديان السمحة التي تدعوا للوحدة والسلام وغاية ذلك هو حرف الناس عن الحقيقة ووضع بديل للدين الذي يُهدد مصالحهم ويقف سدا بوجه أطماعهم. فهناك نزعة قوية جدا لجعل السحر بديلا عن الدين.(11) وهم جادوا في صناعة العقل الخرافي الذي يسهل قياده وتوجيهه.
المصادر:
1- سورة الإسراء آية : 88.
2- الأعراف آية : 116.
3- الأعراف آية : 132.
4- سورة الحجر آية : 15.
5- الإسراء آية : 47.
6- كتاب النقد الكتابي ، هل خلط بنو إسرائيل بين النبوءة والعرافة والسحر والتنجيم؟ أ. القمص يعقوب حلمي. نقلا عن كتاب : التناقض في تواريخ وأحداث التوراة من آدم حتى سبي بابل، محمد قاسم، ص : 473.
7- سفر التثنية 18 : 10. و: سفر الخروج 22 : 18. وفي الإسلام فإن السحر كفر وذلك بنص القرآن الكريم (وما كفر سُليمان ولكن الشياطين كفروا يُعلمون الناس السحر ... وما يُعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر). سورة البقرة آية : 102. فثبت أن السحر كفر. وفي الأحاديث فإن الساحر يُقتل.
8- سورة القصص آية: 36.
9- سورة الصف آية : 6.
10- سورة الزخرف آية : 30.
11- مدارس وجامعات ومعاهد نراها اليوم تمنح الشهادات العالية في فنون السحر ومنها مثلا: مدرسة بوباتون السحرية التي تقع في فرنسا، ومعهد دارمسترانغ السحري الذي يقع في بلغاريا ، ومدرسة إلفيرمورني للسحر والشعوذة في أمريكا الشمالية. أكاديمية ماكتافيش الدولية لعلوم السحر في سكوتلاند، أكاديمية السحرة الأمريكية، الجامعة الروسية للسحر، جامعة تنزانيا للسحر. مدرسة مينج في الصين. وغيرها ناهيك عن ملايين الأفلام السينمائية، والكتب والروايات.
يتبعهُ الجزء الثاني : هل سُحر نبينا (ص).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat