صفحة الكاتب : د . حميد مسلم الطرفي

حبسُ المشاعِر 
د . حميد مسلم الطرفي


في السفر  قد ترى ضرورة للحديث مع من يجلس جوارك ، وعلى طريقة (أَتَحْملُني أم أحمِلُك ) شاء جليسي أن يَحمِلَني وليته لم يفعل ، فقصَّ علي التالي :
كان يا ما كان أن امرأةً علوية من ذوي أرحامنا في كربلاء ، كانت لها حفيدةٌ جميلةٌ تحبها حباً جماً ، تغفو على ذراعها وتسد عليها وحشتها تداعبها وتسليها ، وذات يوم لم يكن مزاج الجدة على ما يُرام ، ولأسباب لا تعرفها الجدة بكت الطفلة بصوت مرتفع ، فطلبت منها السكوت مع ملاطفتها وبكل ما تملك من محبة فلم تستجب الطفلة وظلّت تبكي حتى فقدت الجدة أعصابها فضربتها على خدها وطلبت منها ان تكف عن البكاء ، اسكتي ، اسكتي ، لا اريد ان اسمع صوتاً ، كفى كفى  هكذا تصرخ بوجهها وبغضب ، وشيئاً فشيئاً حبست الطفلة مشاعرها ، وتكسرت حسراتها في صدرها وتحول نشيجها الى نشيغ خفي وظنت الجدة أن ردعها قد جاء بالنتيجة فقامت لشغلٍ ثم عادت فوجدت الطفلة قد فارقت روحها الحياة ، انتفضت بوجه صديقي هل هذه حقيقة ، أجاب نعم حقيقة . 
لم يكتفِ جليسي بحكاية هذه المأساة بل عاد ليذكرني ، بمئات الامهات والآباء الذين مُنِعوا من البكاء على أولادهم فعند استلام جثثهم بعد اعدامهم يتلقون التبليغات المشددة ، لا بكاء ولا نواح ، ولا فاتحة ، ولا مواساة ، ولا تجمع ، ممنوع منعاً باتاً ، ومصير من يخالف نفس مصير الأبناء ، بل والأنكى أن يُطلَب من بعض ذويهم في يوم رفع العلم في المدرسة أن يهتفوا (للحزب وللثورة ) ويدعون لهم بالخير والنصر على الأعداء ، بل وان يُحَيّوا القاتل عند كل درس (قيام : عاش القائد صدام ) وعلى ذوي الشهيد أن يعيشوا منافقين ، لا يعبرون عن مشاعرهم ولا عن قناعاتهم ، ولنا أن نتصور أي ألم يختزنه ذوي الضحايا ، وأي معاناة يعانون . فكتم المشاعر بالقوة لا يختلف عن كتم الأنفاس ، الفرق هو ان تموت بكتم الأنفاس بثلاث دقائق وان تتعذب  بكتم المشاعر  حتى تموت ، هذا هو الفرق  ، ماذا فعلتَ يا جليسي ، صحيح انك اختصرت على زمن الوصول من كربلاء الى بغداد ، ولم يزرني النعاس ، فتنحرف العجلة عن مسارها ، ولكن زارتني الآلام و لا عليك ففي بعض القصص عِبرةٌ وعَبرة . 
الصورة : للشهيد المرحوم شقيقي


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد مسلم الطرفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/05/22



كتابة تعليق لموضوع : حبسُ المشاعِر 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net