في رثاءِ العَلَّامَةِ الاستاذ الدكتور صباح عباس السالم (رحمه الله):
تَلَألأَ الدَّمعُ إذْ فَاضَتْ مَجَاريهِ .... وأَنعَشَ الجَريُ أَلوانَ البُكَا فيهِ
وأَسبلَ الحُزْنُ لَونَ الآهِ مُغتَشيًا .... فَضَيَّعَ الفَجرُ في لَبْسٍ مَعانِيهِ
فالقلبُ هِيْضَتْ ثَنايا مِنْ سَواحِلِهِ ... والجِسمُ في رَجَفٍ قُدَّتْ مَبانيهِ
كالبَحرِ أَلقَى رُكَامًا منْ حَشَاشَتِهِ ... فأَهدَرَ السَّيبَ يَطفو في مَراسيهِ
هِيَ الحَياةُ فَلا خِلٌّ يُقيمُ ولا .... صَحْبٌ يَدومُ , وكَنْزُ المَرءِ مَاضِيهِ
عُمْرًا يُبَجِّلُ مَشغوفًا بفِتْنَتِهَا .... في لَحظَةٍ مِثلَ لَمْحِ الطَّرفِ تَرمِيْهِ
يَستَافُ منها رَحِيقَ الطِّيبِ آونةً .... وصابَها المرَّ بالآهاتِ تَسقِيْهِ
ذَا دَيدَنٌ لَوَّنتْ أَضْدَادَهُ قَدَرًا . ... . حَربَاءُ ما نَفَخَتْ سُّمَّا أَفاعيهِ
لكنَّما المَرءُ مَخبوءٌ بنَزعَتِهِ .. ... يَلوي الحَوَادثَ لو هَبَّتْ لِتَلويهِ
بالصَّبرِ والعَزمِ والايمَانِ يَغلِبُهَا ... قَد فَوَّضَ الأَمرَ لِلرَّحمَنِ بَاريْهِ
وقد طَغَى المَوتُ بالأَحبَابِ مُختَرمًا .. في كُلِّ يومٍ مُصَابٌ مِنْ مَآسِيْهِ
هَذَا الصَّباحُ وسِحرُ الفَجرِ هَلَّلَهُ .... وَأَشْرَقَ الوَردُ صُبْحًا في مَحَانِيهِ
فَشَيْبَةُ الودِّ تَرقَى في مَلامِحِهِ .... مِنْ رقَّةِ الطَّبعِ للإحسَاسِ يُغنِيهِ
شَيخٌ تَفَرَّدَ مَجبولًا بِفِطرَتِهِ ..... يُحِي المَوَاتَ سُرورًا في تَعاطيْهِ
تَزيحُ هَمًّا مِنَ الأَوصَابِ رُؤيَتُهُ ..... ويُرشَفُ المِسْكُ نَشرًا منْ مَغَانيْهِ
ما كانَ إلَّا عُصَامِيًّا بِنَشأَتِهِ .... والطِّرْسُ صَاحِبُهُ بالجِدِّ يَفدِيْهِ
رَبُّ الفَصَاحَةِ مَارَكَّتْ بَلاغَتُهُ ..... وفي العَروضِ تَفاعِيْلٌ تُنَاغِيْهِ
بحرٌ خِضَمٌّ مِنَ الأَلفَاظِ مُعجَمُهُ.... وفِي المَعَاجِمِ سرٌّ ليسَ يَخفِيْهِ
تَزهو المَعَانِي إذا حَطَّتْ بِحَضرَتِهِ ..كِلاهُمَا مِنْ رَسِيسِ الحَرفِ جَاريْهِ
مَوسوعةٌ حُرَّةٌ , وَهَّابُ مَعرفَةٍ ..... ورَوضَةُ الرِّفدِ ما كَلَّتْ أَيادِيْهِ
هو الصَّباحُ وَغَيمُ الغِلِّ حَاصَرَهُ .... فَكَانَ أَزكَى مِنَ الحُسَّادِ نَاديْهِ
هو الصَّباحُ وطُهرُ القَلبِ حَصَّنَهُ... يَحَارُ فيهِ المَلا إنْ ضَجَّ نَاعِيْهِ
مُذْ أَربَعينَ مَضَتْ أَولَيتَنِي شرَفًا .... فيهِ مِنَ الحُبِّ والتَّقديرِ تُزجِيْهِ
أَسقَيتَنِي العِلمَ كأَسًا منْ شَمَائِلِهِ ... أَنِّي غَدَوتُ عَلى نَهْجٍ أُسَاقِيْهِ
كُنْتَ الأَخَ الفَذَّ والأستَاذَ مَفخَرَةً .... وبَعضُ ذِكرِكَ يُدمِي قَلبَ رَاعِيهِ
سِرْ في جِنَانِ العُلَى نَشوَانَ يُغدِقُهُ ... فَيْضُ الإلهِ وبُرْدُ الآلِ يَكسِيْهِ
قَبَّلْتُ رُوحَكَ رَفْرَافًا بِجَنَّتِها ..... قَبَّلْتُ تُرْبَكَ عَنْ بُعدٍ أُنَاجِيْهِ
رَثَيْتُ فَخرًا وقَد نَادَى مُؤرِخُهُ: ..... (هُوَ الصَّباحُ جِهَادُ العِلمِ يَرثِيْهِ)
11+132+13+171+1115=1442هجرية
الدكتور سعد الحداد
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat