على ضفاف الانتظار(39)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

خط التوقيعات
التوقيعات، هي عبارةٌ عن رسائلَ صادرةٍ من الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) إجابةً عن أسئلةٍ توجّهُ إليه عبرَ السفراء، شبه (الاستفتاء) في مُصطلحنا اليوم، أو تصدرُ منه (عجل الله (تعالى) فرجه) ابتداءً لغرضٍ ما.
والذي يظهرُ من بعضِ الروايات أنّها كانتْ تخرجُ بنفس الخطّ الذي يخرجُ أيامَ الإمامِ الحسن العسكري (عليه السلام) عندما كانتْ تُوجّه إليه أسئلةٌ كتابية، وهذا يعني أنَّ خطَّ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) في تلك التوقيعاتِ كانَ بنفسِ خطِّ أبيه (عليه السلام).
فقد روى الشيخُ الطوسي (رحمه الله تعالى): وكانتْ توقيعاتُ صاحبِ الأمر (عليه السلام) تخرجُ على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفرمحمدبن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد (عليه السلام) بالأمرِوالنهي،والأجوبةِ عمّا يسألا الشيعةُ عنه إذا احتاجتْ إلى السؤال فيه، بالخطِّ الذي كانَ يخرجُ في حياةِ الحسن (عليه السلام).
وروى في موضعٍ آخر حولَ ما يتعلّقُ بالسفيرِ الثاني: وأنّه كانَ يتولّى هذا الأمر نحوًا من خمسين سنة، يحملُ الناسُ إليه أموالهم، ويُخرجُ إليهم التوقيعات بالخطِّ الذي كانَ يخرج في حياةِ الحسن (عليه السلام) إليهم بالمهمات في أمرِ الدينِ والدنيا وفيما يسألونه من المسائلِ بالأجوبةِ العجيبة، رضيَ اللهُ عنه وأرضاه.
وهذا في الحقيقةِ واحدٌ من الترتيباتِ الفنيةِ التي لها فائدةٌ مُزدوجة، ففي الوقتِ الذي سيطمئنُّ من تصلُ إليه الرسائلُ تلك بصدورها من الإمامِ حقًّا، هي تقطعُ الطريقَ على من تُسوِّلُ له نفسُه بتزويرها، إذ الشيعةُ كانوا يعرفون خطَّ الإمامِ العسكري (عليه السلام)، فلو خرجتِ التوقيعاتُ بغيرِ خطِّه (عليه السلام) لأمكنَ لأيّ مُدّعٍ أنْ يأتيَ ببعضِ الرُّقَعِ والرسائلِ ويدّعي أنّها صادرةٌ من الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)، وهكذا قد يكثُرُ المُدّعون، فتضيعُ الرسائلُ الصادرةُ حقًّا منه (عجل الله (تعالى) فرجه)، فتضيع معها الكثيرُ من الحقائقِ والأوامرُ الشرعية، كالإجابةِ عن الأسئلة الفقهية الموجَّهة للسفراء، وغيرها من الغاياتِ التي كانتْ تصدرُ التوقيعات لأجلها.
ومنه يتبيّنُ: أنَّ المقصودَ ممّا وردَ في بعضِ التوقيعات من التعبير بأنّها خرجتْ بخطِّ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)، -أمثال ما رويَ عن إسحاق بن يعقوب قال: سألتُ محمدًا بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أنْيوصلَليكتابًاقدسُئلتُفيهعنمسائلَأشكلتْعليّ، فوردَ التوقيعُ بخطِّ مولانا صاحب الدار (عليه السلام)... -، هو أنَّ خطَّه (عجل الله (تعالى) فرجه) هو خطُّ الإمامِ العسكري (عليه السلام) بعدَ أنْ تعارفَ الناسُ على ذلك.
وهنا سؤالٌ:
هل يُشترَطُ في إثباتِ نسبةِ تلك التوقيعات إلى الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) من خلالِ السفراء أنْ يكونَ السفراءُ قد اطّلعوا على خطِّ الإمامِ (عجل الله (تعالى) فرجه) أو أنّهم رأوه وهو يكتب؟
الجواب:
لم يقل أحدٌ باشتراطِ معرفةِ خطِّ الإمامِ (عجّل الله فرجه) في إثباتِ صدورِه منه.
ففي الحقيقةِ لا يختلفُ الحالُ من هذه الناحيةِ بينَ روايةٍ يرويها زرارةُ مثلًا عن المعصوم بعدَ أنْ سمعَها منه، وبينَ توقيعٍ صادرٍ من الناحيةِ المُقدسة أو بعضِ الأئمةِ المتقدمين عليه.
ولم يقُلْ أحدٌ باشتراط أنْ يعرَفَ من روى له زرارة صوتَ الإمامِ (عليه السلام) في حديثه، بل المُعتبَرُ هي وثاقةُ الراوي، وذلك كافٍ في إثباتِ صِحّةِ ما نسبَه إلى الإمام (عليه السلام)، كذلك الحالُ في المُكاتبات، فتكفينا وثاقةُ السفير، ونحنُ نجزمُ بوثاقته بل بصدقِ كُلِّ ما ينسِبُه إلى الإمام (عليه السلام).
وكيف كانَ، فمعرفةُ صحةِ صدورِ المُكاتبة من الإمام (عجّل الله فرجه) لا تتوقّف على معرفةِ خطّه ليرى مُطابقةَ خطِّ المُكاتبة معه.
ونحنُ في هذه الأزمنةِ المُتأخِّرةِ نعتمدُ على النقلِ في إثباتِ صِحةِ المُكاتبات وصدقِ صدورها منهم (عليهم السلام)، ولا نتوقّفُ في ذلك إلى أنْ نرى أصلَ المكاتبةِ وإثباتَ أنَّ الخطَّ فيها خطُّ الإمامِ (عجّل الله فرجه).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat