صفحة الكاتب : عامر هادي العيساوي

حين لا يكون القضاء مستقلا
عامر هادي العيساوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يبدو لي أننا – نحن العراقيين – ننحدر بشكل عام من جد أعلى يحسن الاسترخاء في افياء  شجرة عالية بكرشه الذي أصبح كبيرا جدا بسبب قلة الحركة والعزوف عن العمل والاكتفاء بالقول , وقد اعتاد أن يدعو أبناءه وأحفاده الذين أصبح لا يميز بعضهم عن بعض لكثرتهم من اجل أن يقص عليهم بطولاته وانجازاته عندما كان شابا يافعا وكيف انه كان ينشر العدل والنظام حيثما حل او ارتحل حتى في الغابات التي كان  يمر بها صدفة فيمنع القوي من افتراس الضعيف,أما في الواقع  فهو لم ينجز في حياته أي عمل بإتقان سوى الإنجاب وتعدد الزوجات والتكاثر , ولعل من اغرب حكاياته تلك التي يزعم فيها انه كان يمتلك اكثر من ثلاثين ألف رأس غنم ولكنه في نفس الوقت لم يكن يمتلك رعاة لها  فاضطر الى تدريب ثلاثين حمارا وضع أجراسا في أعناقها تصدر جلبة عند الحركة فتتبعها الأغنام وقد أوكل كل ألف منها بواحد من تلك الحمير 0

ومنذ عام 2003 ونحن نسمع من جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ومن جميع سياسيينا الجدد وهم يرددون ما يشبه النشيد الذي يتحدث عن العراق الجديد  بمؤسساته الجديدة ودستوره الجديد الذي ركز على الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وما أدراك ما استقلال القضاء ؟0

ولست أبالغ اذا قلت بأننا وجدنا قضاءاكثر استقلالا وأكثر عدلا وأعظم تقاليدا في العراق كلما عدنا خطوة باتجاه الماضي الى أن نصل الى العهد الملكي الذي أنجب أسماء لامعة من القضاة الكبار الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم ,وفي هذا الباب يروى أن سائق الملك غازي دهس شخصا في الشارع فأودعه قاضي التحقيق  في السجن وعندما اتصل الملك بالقاضي من اجل إطلاق سراحه رفض ذلك وأصر على إيقافه بقوة 0 ولم تخل فترة الاستبداد الصدامي من قضاة كبار قاوموا بشراسة تدخلات الأزلام  للتأثير على سير العدالة , ولعل ذلك القاضي الذي وقف في وجوههم في الناصرية والسماوة والديوانية والنجف نموذج لهم حيث انتهى به المطاف بإعدامه عام 1986 وقد صادقت اللجنة الخاصة بمؤسسة الشهداء على استشهاده ولكن ما زال أبناؤه (يتلطلطون ) في أروقة مجلس القضاء الأعلى دون أن يحصلوا على أي من حقوقهم 0 أما في الوقت الحاضر فان الأمور تختلف تماما فعندما تصرفت إحدى مفارز الشرطة بمهنية وأخضعت سيارة احد القضاة الى التفتيش وفقا للقانون دون أن يعلموا بهوية الرجل  عوقبت المفرزة في اليوم التالي بنقل أعضائها الى أماكن نائية0

إن القاضي وقوى الأمن الداخلي وعامة الناس يعتقدون اليوم واهمين بان استقلال القضاء معناه أن القاضي يكون فوق القانون والمحاسبة وليس لأي احد عليه يد سواء أطبق القانون او خالفه, يصول ويجول ويأمر وينهى  ولم يعلموا أن العكس تماما هو الصحيح  وان الاستقلال يقاس بدرجة خضوع القضاة الى القوانين وعدم مخالفتها تحت أي ضغط او عنوان او ترغيب او ترهيب 0ان القاضي الكبير والعظيم هو اضعف الناس على الإطلاق أمام القانون والعدالة والحق وهو أقواهم عندما يتعلق الأمر بتطبيقه 0

 انك اذا أردت بناء مجتمع ديمقراطي مثلا فانك بحاجة الى أناس يتقبلون الرأي الآخر وهم مستعدون للاستماع بصبر الى آراء الأغبياء  والحمقى والمجانين0 وانك اذا أردت قضاء مستقلا فانك بحاجة الى قضاة ولدوا من رحم الأمة في ارقي مراحل تطورها غير مستعدين الى الاستماع الى صوت السياسة والدين والمذهب والطائفة والعشيرة والعاطفة والجوع والتعب والغضب والفرح فهل لدينا قضاة من هذا النوع ؟ نعم ولكنهم قليلون جدا 0

ولا أظنني أغامر كثيرا اذا قلت بان الدوائر التي يقودها القضاة اليوم هي أكثر الدوائر ظلما وغبنا وهضما  لحقوق الناس واستهانة بمقدراتهم بسبب ذلك الفهم الخاطئ للاستقلال ولعل اللجنة الخاصة المكلفة بالنظر بدعاوى السجناء السياسيين في محافظة بابل والتي يرأسها القضاة خير مصداق على ما أقول 0ان من يراجع هذه الدائرة يشعر فورا بان المنتسب الأكثر نشاطا هو الشخص المكلف بحماية السيد القاضي الذي يظهر بين الحين والآخر ليبلغ احد الموظفين بضرورة تقديم معاملة المواطن ( س) استثناء من الضوابط لا لسبب إلا لان اسمه قد ورد في قائمة الموصى بهم من قبل هذا الحزب او هذا المسؤول او هذا الصديق ,ومما زاد الطين بلة أن الجهات المعنية وتحت ذريعة النزاهة تبدل القاضي كل شهر مما جعله قادرا بالكاد على انجاز معاملات القادرين على التأثير عليه 0

ولا أريد الخوض في اللغط المثار من قبل العراقيين بشكل عام حول الأنماط والأشكال التي شملت بحقوق (السجين السياسي ) منذ الوهلة الأولى ممن يندى لسيرة بعضهم الجبين(الله يرزق الناس ) ولكني اعرف معتقلين حقيقيين وسياسيين حقيقيين معارضين للنظام المباد من غير المستعدين للوقوف خلف أي باب وقد نامت معاملاتهم في مؤسسة السجناء لأكثر من خمسة سنوات ثم أرسلت معاملاتهم أخيرا منذ أكثر من سبعة أشهر الى اللجنة الخاصة وما زالت تراوح مكانها ولا يبدو أي بريق من ضوء في آخر النفق 0علما أن شركة كورية  صغيرة  لصناعة السيارات تنتج أكثر من خمسين ألف سيارة في نصف عام وسوف لن نرتقي لذلك إلا عندما يصبح صوت العدالة هو الأعلى من بين جميع الأصوات 0


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عامر هادي العيساوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/15



كتابة تعليق لموضوع : حين لا يكون القضاء مستقلا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net