صفحة الكاتب : الشيخ عدنان الحساني

مبدأ طاعة الحاكم الشرعي في الفكر الشيعي ((حدوده وفلسفته))
الشيخ عدنان الحساني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من الواضح أن الأصل في الإنسان هو الحرية وهو ما تشير إليه بعض النصوص كما في قول أمير المؤمنين(ع) في وصيته لولده الحسن(ع )"ولاتكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا"([1])

إلا أن هناك أصل آخر حاكم يفرض سلطته التكوينية والتشريعية على هذا الأصل وهو أصل حق الطاعة لله – سبحانه وتعالى – بل إن الحرية لا يمكن أن يتحقق معناها الأتمّ إلا بالإذعان والخضوع لهذا الأصل لذلك يقول أمير المؤمنينع) ) في مناجاته(كفى بي عزا أن أكون لك عبدا وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا).([2])
فالفخر والعزة من لوازم الحرية التي تتحقق بها متممات الشأن الاجتماعي وتنبثق هذه الفلسفة- الطاعة - عن أصل التوحيد الذي هو من أمهات الأصول الإسلامية يقول الشيخ السبحاني عن هذه المسألة "إن انحصار حق الطاعة في الله سبحانه وتعالى من شؤون انحصار الربوبية فيه سبحانه فان الرب بما هو صاحب الإنسان ومدبر حياته ومخطط مساره وخالقه على وجه له حق الطاعة كما له حق الحاكمية فليس هناك مطاع بالذات إلا هو فهو الذي يجب أن يطاع ويمتثل أمره ولا يجب إطاعة غيره إلا إذا كان بإذنه وأمره"([3])
من هنا نعلم إن هذا الحق ينسحب تبعا للإذن الإلهي ولضرورة الاجتماع والتمدن إلى كيانات إنسانية ينحصر تحديدها بيد من له الحق في الأصل –وهو الله تعالى- وهو ما يطلق عليه بحق الولاية والتي تتلازم مع حق الطاعة وحق التصرف بالتبع (تكوينا وتشريعا)كما هو في ولاية الرسول والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) وتنتقل هذه الولاية ببعض آثارها إلى نوابهم وهو ما يسمى بولاية أولي الأمر والتي تدخل فيها ولايات طولية وعرضية أخرى كولاية الأبوين وآخر حلقاتها ولاية الإنسان على نفسه مرورا بولاية المؤمنين بعضهم لبعض وهكذا وهذه الولايات كلها تلازم مبدأ الطاعة فمن دون هذا المبدأ لا يمكن تصور كيفية تصريف شؤون الحياة , إلا ان البحث عن هذا المبدأ لابد أن  يتأتى من حيثيته الموضوعية وإستراتيجيته كضرورة تتداخل فيها الأخلاق مع الفكر السياسي مع الأصول الاعتقادية  وهي الحيثية التي لها تأثيرا مهما في إحكام الثوابت العامة للفكر الشيعي , فان هذا المبدأ يعد جزءا مهما في مركب المنظومة المفاهيمية للفكر الشيعي خصوصا بعد تجسيد حقيقي للدولة الإسلامية في تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران.
قد يقال أن مبدأ إطاعة الحاكم الشرعي هو أيضا مما تبانت عليه المنظومات الفكرية للمذاهب الأخرى وهذا صحيح إلا أن المباني هناك مختلفة تماما ويتدخل فيها النمط الذاتي في التوجه الفكري والتشريعي المسيّس على عكسه في الفكر الشيعي فان هذا المبدأ يرتكز على مبادئ واضحة الثبوت وجلية من حيث الممارسة التاريخية , أضف إلى ذلك فان تكثر النظريات التي تناولت تجسيد مفهوم الحاكم الشرعي وشكل حكومته على ارض الواقع كان لها أيضا أثرا كبيرا في إثراء الفكر الشيعي وهي نظريات متعددة وضاربة في العمق من حيث الدلالات والأفكار منها نظرية ولاية الفقيه ,المطلقة-للإمام الخميني- أو العامة أو المقيدة الحسبية ومنها نظرية شورى الفقهاء ومنها نظرية السيد الشهيد محمد باقر الصدر وغيرها من النظريات التي تؤكد مدى ثراء هذا الفكر في معطياته الاجتماعية والسياسية .
وفي اعتقادي ان الحجج المسوقة في تثبيت هذا الأصل-طاعة الحاكم الشرعي- كممارسة اجتماعية دينية -والتي تبرع علم أصول الفقه في تنميطها وتحييثها وتنقيحها- إنما نقحت بهذه الطريقة في الفقه الشيعي لتكون قادرة على الحفاظ على المنجز الديني ولو على حساب المنجز العرفي الوضعي والذي توغلت فيه كثيرا منظومات الفقه السني خصوصا في حجج معينة كالمصالح المرسلة وسد الذرائع وما شابه ذلك وبذلك يتجه مفهوم ومصطلح "المخطئة" الذي تميز به الفكر الشيعي, والفقه الشيعي في هذا المجال بقدر ما أنجزه من مكتسبات إلا انه لدواعي تاريخية معينة كانت مكتسباته تفتقر إلى العنصر الكمي بعكس ما هو موجود في الفقه السني فكان تعاطي الفقه السني مع الواقع الحكومي قد اكسبه كثرة واستفاضة في مسائل الدولة والحكومة والسبب في ذلك واضح وهو اعتزال الفقه الشيعي عن هذا الواقع لفترات متطاولة بسبب الاضطهاد الحكومي المتوالي لهذا الفكر الشريف وهو الامر الذي تنبه اليه جملة من فقهائنا المجددين ومنهم السيد الامام والشهيد الصدر...و.و.. فحاولوا تحقيق إسهامات جديدة قادرة على ملأ الفراغ الذي تسبب به الواقع التاريخي المجحف فخرجت إلينا نظريات وكتب من أمثال الحكومة الإسلامية ودراسات في ولاية الفقيه وغيرها كثير ولكي نكون فكرة مناسبه عن الفقه الحكومي عند الشيعة لاباس بالتعرض الى بعض اراء احد اعلام هذه المدرسة في العصر الحاضر اقصد العلامة المتبحر الشيخ عبد الهادي الفضلي في كتابه الدولة الإسلامية .
يعرف العلامة الفضلي الدولة بانها:وحدة سياسية ذات شخصية معنوية تتكون من شعب معين يقطن وطنا معينا ويعيش في ظل نظام معين تقوم على تنفيذه سلطة او حكومة تم تشكيلها وفق نظام.([4])
وينقل لنا استنتاج السيد البروجردي في هذا الشأن بعد ان مشى-أي الشيخ الفضلي- في جمع النصوص والادلة على ضرورة تنصيب الفقيه كنائب عام في امور الدين والدينا يستنتج قضية عامة هي خلاصة ما وصل اليه الفقهاء بعد تحرير محل النزاع وتنقيح المناطات المناسبة في هذا المجال حيث يقول السيد البروجردي :نحن نقطع بان صحابة الائمة u سألوهم – أي الائمة –عمن يرجع اليه الشيعة في تلك الامور مع عدم التمكن منهم u اشخاصا يتمكنون منهم اذا احتاجوا,غاية الامر سقوط تلك الاسئلة والاجوبة من الجوامع التي بايدينا ولم يصل الينا الا مارواه عمر بن حنظلة وابوخديجة.
واذا ثبت بهذا البيان النصب من قبلهم u وانهم لم يهملوا هذه الامور المهمة التي لا يرضى الشارع باهمالها – ولاسيما مع احاطتهم بحوائج شيعتهم في عصر الغيبة – فلا محالة يتعين الفقيه لذلك ,اذا لم يقل احد بنصب غيره فالأمر يدور بين عدم النصب وبين نصب الفقيه العادل وإذا ثبت بطلان الأول –بما ذكرنا – صار نصب الفقيه مقطوعا به ويصير مقبولة بن حنظلة من شواهد ذلك .([5])
هذا فيما يخص الاستدلال للمسألة أمّا فيما يخص حدود الدولة وشكلها وحدود ولاية الفقيه فان الفقه الشيعي يتعاطى مع هذه الشؤون بكثير من الحذر والتفصي على الرغم بما تتميز به مدرسة أهل البيتu من حماسة واندفاع في تثبيت أركان الحكم الإلهي فنجد أن الشروط التي وضعها الفقه الشيعي والتي يجب أن يتحلى بها الحاكم الشرعي كانت صارمة إلى ابعد الحدود ولا داعي لذكر الشروط بعد أن باتت من مسلمات الثقافة الاجتماعية العامة إلا أنني اذكر إضافة العلامة الفضلي على ذلك حيث يقول:الذي اذهب إليه في هدي ما وقفت عليه من نصوص وأدلة أخرى في هذا المجال هو أن رئاسة الدولة هي للفقيه العادل شريطة توافر شرطين آخرين هما:
أ-الأعلمية:بان يكون اعلم من سواه من الفقهاء في أحكام الشريعة المقدسة.
ب- الكفاءة : بان يكون لديه الأهلية لتحمل أعباء مسؤولية رئاسة الدولة ,والنصوص الدالة على هذا هي:
1- قول الإمام أمير المؤمنين( ع )"إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به"
2- قولهu "أيها الناس: إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه" إلى آخر كلامه اعزه الله([6])
من هنا نفهم مدى قدرة الفقه الشيعي على تكريس مبدأ حق الطاعة وفق إطار حكومي وترسيخه في ثقافة المجتمع من دون اللجوء إلى أساليب فيها الكثير من بخس الحقوق إن لم نقل أن فيها الكثير من عناصر القهر الاجتماعي كالذي موجود في بقية المذاهب والأفكار .
 
 
)نهج البلاغة,3 :51[1](
)بحار الأنوار,العلامة المجلسي,74 :400[2](
)الإلهيات, الشيخ السبحاني,423 [3](
)الدولة الإسلامية,عبد الهادي الفضلي:21[4](
)المصدر السابق[5](
)المصدر السابق:35[6](

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عدنان الحساني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/15



كتابة تعليق لموضوع : مبدأ طاعة الحاكم الشرعي في الفكر الشيعي ((حدوده وفلسفته))
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net