بعض الحوارات لا تبدأ بالكلمات بقدر ما تكون نهرًا يغسل أقدام القلوب، في ميدان الصلاة كُلنا عاشقون، نرغب بالمزيد من الخشوع، والتارك لها يذوق أنواعا من الحرمان.
في حضرة الصلاة تخلع الصحراء ثوبها القاسي لترتدي ثياب الرحمة وتنسى الذاكرة كل أنواع العذابات، لا تتذكر إلا الخشوع
-كُنت أتأمل عند كل صلاة بالكثير من الأمور التي تحضرني؛ مثل:
لماذا نصلي؟
قد يكون لهذا السؤال لون أسود يود أن يخرجني من بياض الخشوع، لكنهُ يراودني.. يبحث عن الجواب..
بالرغم من سعادتي للانتماء إلى عالمها العظيم، وافتراش سجادتي.. واحوك روحي على خيوطها لتحل عليها البركات..
قمت عازمة على ارتداء ثوب الصلاة وفي ذلك الحين هبت نسمات تسألني ماذا لو حاورتني الصلاة وتبادلنا أطراف الحديث؟
نسيت خصلة من شعري خارج الحجاب فإذا بي أسمع صوتًا من خلفي يقول:
-ارتدي المشاعر أولاً وتوضئي بروحكِ..
حجبيها لتكون خطواتكِ ثابتة فأنتِ تستعدين للوقف بين يدي الله
هل تتساءلين لماذا تصلي؟
إذًا تذكري الهدف من وجودكِ في هذه الحياة، تذكري النهاية أيضا وأنتِ ذاهبة إلى الدار الآخرة، إلى المأوى، هل تساءلتِ بأي طريقة تصلين؟
أنا السبيل الذي تسلكينه للوصول إلى الله، الهدف الأسمى من خلقكِ وبث الروح فيكِ.
للحظة شعرت بأن عينها تخرجاني من انطفاء الكون في سطوع الموت، في حضرتها يصبح حتى الموت مشرق بقبس من نورها.
استحمت جفوني بماء كلماتها فسألتها:
-لماذا المشاعر أولاً أليست الملابس الطريق الأول الذي يجب أن يكون الأصح في رحابكِ؟
-بالرغم من أن الوضوء والملابس شيء مهم ولكن طهارة القلب الخطوة ألأولى التي تسبق ما دونها، طهارة القلب من الدنيا وهمها.
ذلك قولُه - صلى الله عليه وآله وسلم -: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهَه، خرجت من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه، خرجت من يديه كل خطيئة كان بطشتْها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئة مشتْها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب)).
فإذا كانت طهارةُ الظاهرِ من البدن بهذه المنزلةِ والفضلِ، طهارةُ القلبِ أولى بذلك؛ لأنَّ مدارَ الأعمالِ، والثوابَ والعقابَ، والقبولَ والردَّ عليها، فلا تُدخَل الجنةُ دخولاً ابتدائيا من غير عقاب، إلا بطهارة القلب ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88، 89].
-وضعت عباءة الصمت لوهلة على ثغري، فقلت لها: كم أنتِ محظوظة وعظيمة، فقد كنتِ الوصية الأخيرة لرسول الله صل الله عليه وآله.
فقد رُوي عن علي بن أبي طالب -عليه السلام- أنه قال: (كانَ آخرُ كلامِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: الصَّلاةَ الصَّلاةَ، اتَّقوا اللَّهَ فيما ملَكَت أيمانُكُم)
أنتِ البوصلة التي تقودنا إلى الجنة، هل تعلمين ماذا يعني أن يجاهد المرء نفسه حتى يتوجه إليكِ؟
هل تعلمين كم حرب يخوضها ضد رغباته وشهواته حتى يقبل إليكِ طاهرًا مخلصًا؟
-اليقين الحق أن يؤمن الإنسان أنهُ خُلق للعبادة، وما دونها ليس إلا احتياجات دنيوية تتوفر حين يخلص ويقبل لله.
الجزء المهم الذي يجب أن تعرفيه كإنسانة؛ أن الصلاة نقطة حاسمة لا عذر في تركها وتجاهلها، ولا أدائها لراحة منها..
إنما يجب مصاحبة خشوعها بالقلب..
-الحرب مع الشيطان ليست سهلة أبداً!
-الله يعلم ذلك، لذلك جعل جزاء المنتصرين في هذه الحرب الشرسة الجنة.
وحربك مع نفسك أقوى من الحرب مع الشيطان فما أن تغلبيها وتقومين إلى الصلاة فقد أهلكت كيد الشيطان وهزمتيه.
ولتكن على علم بأني لست المحظوظة الوحيدة فأنتم البشر المحظوظون؛
قد أكون سببًا لدخولكم الجنة ولكنكم من تختارون الدخول فيّ أو تركي.
أنا طريقة التواصل مع الله ولكن أنتم من يمسك بهذه الوسيلة.
ولتعلموا بأن الدخول فيّ لا يعني دخولكم إلى ذروة العبادة بهذه السرعة، أنتم تحتاجون الخوض حتى تصلون لذروتي، يجب أن تقوموا بي على أكمل وجه
الصلاة من الفرائض الأحب إلى الله سبحانه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه).
تحتاجون أن تكون الصلاة في وقتها، وأن تصلوا كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكِ في أويس القرني أسوة ومثل يحتذى به
حين قال:
"لأعبدن الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء."
الصلاة ليست أن تصلي فقط
ولكن يعني أن تسجد كل جوارحك بخشوع وتنهض وأنت تعلم بأنكَ ما سجدت إلا لتسقط كل أثقالك..
الصلاة أن تصلي كما صلى أويس إذ كان إذا استقبل الليل قال: يا نفس هذه ليلة القيام فيصف قدميه حتى يصبح، ومن ثم يستقل الليلة الثانية فيقول هذه ليلة الركوع فلا يزال راكعًا حتى يصبح ويستقبل الليلة الثالثة فيقول: يا نفس هذه ليلة السجود فلا يزال ساجدًا حتى يصبح.
رفعت صوتها بعض الشيء وقالت
كونوا على علم بأن الصلاة ليست أن يُقول الناس فلان يصلي إذا لم تكن تصلي لله فلا تصلي.
-هل هُنالك فرق بين حياة المصلي وغيره؟
-كالفرق بين الماء الطاهر والماء الذي سقطت فيه جثة تغير لونها ورائحتها
المصلين حياتهم دائمًا طاهرة، يصبرون على الابتلاء يرضون بما أخذ منهم يعوضون بالجنة.
والذينَ لا يصلون يطمعون بالدنيا يتذمرون بالصبر، يلهثون خلف المزيد والمزيد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat