اشارات قرآنية من كتاب بن عباس للسيد الخرسان (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

تنشر كل مجموعة حلقات من هذه السلسة في موقع.
جاء في کتاب موسوعة عبد الله بن عبّاس للسيد محمد مهدي الخرسان: انّ الخوارزمي نسب إليه في مناقبه الابيات المشهورة في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين بويع أبو بكر بالخلافة منها: ماذا الذي ردكم عنه فنعرفه * ها إن بيعتكم من أول الفتن. نسبت هذه الأبيات إلى جماعة منهم : عتبة بن أبي لهب بتفاوت في الالفاظ يسيرة كما في تاريخ اليعقوبي، ومنهم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب كما في الفصول المختارة للشريف المرتضى، ومنهم حسان ابن ثابت كما عن القاضي البيضاوي والنيسابوري في تفسيريهما في تفسير قوله تعالى "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ" (البقرة 34)، ومنهم: بعض ولد أبي لهب كما عن الزبير ابن بكار.
وعن وصية العباس للإمام يقول المحقق السيد محمد مهدي الخرسان: منها (لا توتر قوسك إلّا بعد الثقة بها، واذا أعجبتك فانظر إلى سيتها، ثم لا تفوّق إلّا بعد العلم، ولا تغرق في النزع إلّا لتصيب، وانظر لا تطرف يمينك عينَك، ولا تجنِ شمالك شينك، ودّعني بآيات من آخر سورة الكهف وقم إذا بدا لك). قال الله سبحانه وتعالى "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا * قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" (الكهف 107-110).
وعن أحاديث العباس يقول آية الله السيد محمد مهدي الخرسان: وقد روى الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، إلّا أنّه لم يكن مكثراً من الرواية، فلم يخرّج له أصحاب الصحاح والسنن كثيراً وأحاديثه لا تبلغ العشرين، وقد ذكر ابن النديم في الفهرست في مؤلفات إبراهيم الحربي المتوفى سنة 285 (مسند العباس) ولمّا لم يصل إلينا لنعرف ما فيه فنكتفي بذكر ما روي عنه في كتب الحديث. لقد ورد له في المسند الجامع المؤلف حديثاً بينها أحاديث موضوعة على لسانه كما في حديث أبي طالب في ضحضاح من نار المروي في صحيح مسلم، ويكفي في سقوطه سنداً وجود عبد الملك بن عمير اللخمي الذي عاش فترة من حكم معاوية ثم ابنه يزيد ثم بني مروان، وولي القضاء بالكوفة لهم، وهو الذي ذبح عبد الله بن يقطر رسول الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة فقبض عليه وأمر به ابن زياد أن يلقى من أعلى القصر فرمي وتكسرت عظامه وبقي به رمق، فأتاه عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه ولما عيب عليه قال أردت أن أريحه ، ثم صار بعد ذلك يروي الحادثة ويكني عن نفسه فيقول ذبحه رجل. وأخيراً فقد ساء حفظه فكان أبو حاتم وابن معين وأحمد يضعفونه ميزان الاعتدال وفيه كان شعبة لا يرضاه هذا من ناحية سقوط السند. وأما من جهة المتن فهو مخالف للكتاب حيث يقول عز من قائل: "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" إلى قوله تعالى "فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ" (المدثر 38-48). فلو قلنا بصحة الحديث لأن مسلماً رواه في صحيحه ، فلا شفاعة للنبيّ بحق عمه لأنه مات مشركاً كما يزعم الزاعمون ـ ولو صدقت الأحلام للزمنا تزييف الحديث لمناقضته لحديث آخر رواه مسلم أيضاً في نفس الموضع عن أبي سعيد الخدري حيث روى (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة) بينما في حديث العباس ان النبيّ صلى الله عليه وسلم نفع عمه فأنقذه بشفاعته (هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) فالحديث كسائر الأحاديث المكذوبة على لسان العباس وغيره الموضوعة في العهد الأموي إيغالاً في بغض الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام ، وإلّا أبو طالب ما كان مشركاً بل كان موحداً حنيفاً مسلماً على ملة إبراهيم ولما أتى الإسلام آمن به وصار يكتم إيمانه حفاظاً على سلامة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ودفاعاً عنه ، وشعره الطافح بإيمانه في سره وإعلانه ، يغني المرء عن بيانه فهو كمؤمن آل فرعون كما ورد في جملة من أحاديثنا عن أهل البيت عليهم السلام ، وهم أعرف به من الأرجاس الذين وضعوا الحديث على لسان العباس.
وعن اُمه لبابة بنت الحارث يقول السيد الخرسان رحمه الله: هي لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهُزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، وامها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرش بن حمير. المعروفة بالعجوز الجرشية اكرم الناس أصهاراً وأكرم عجوز في الأرض أصهاراً. فقد كان لها ثمان أو تسع بنات تزوجهن الأشراف من الناس. ولبابة الكبرى من السابقات إلى الإسلام، وقالوا: إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة أم المؤمنين كما ذكر ذلك جماعة من المؤرخين، وقد روى سفيان بن عينية عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: (سمعت ابن عباس يقول: كنت أنا وأمّي من المستضعفين، كانت أمي من النساء وكنت أنا من الصبيان). والحديث أخرجه ابن جرير في تفسيره الآية "إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ" (النساء 98) ورواه البخاري في صحيحه في عدة مواضع والبيهقي في سننه، والطبري في معجمه، ولكن ابن حزم في المحلى حاول مكابراً أن يجعل اسلام ابن عباس بعد فتح مكة قبل موت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعامين ونصف فقط، وهذا محض هراء بلا امتراء، كيف يصدق على ذلك، والعباس هاجر قبل الفتح ومعه اهله وبنوه ومنهم عبد الله فالتقى الركب النبوي في الطريق كما مر.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat