صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح33 سورة آل عمران
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الم{1}
هذه الحروف من اغرب غرائب القرآن الكريم , اختلفت فيها آراء المفسرين , حتى احتملت وجوها عديدة , هذا من جهة ومن جهة اخرى , فأن علماء الحروف والاعداد يقسمون الحروف الى قسمين : 
1- حروف نورانية : وهي جميع الحروف التي وردت في بدايات سور القرآن الكريم , ولتسهيل حفظها , جمعت في عدة جمل منها ((ن ص) (ح ك ي م) (ق ا ط ع) (ل ه) (س ر) أي ( نص حكيم قاطع له سر ) , او ( طرق سمعك النصيحه ) , على حد قول الباحثين في هذا المجال , كيفما جمعت في جملة , سيكون مضمونها جميلا وذو معنى ! , كما ويروى لها خواص عجيبة في قضاء الحوائج , وتيسير الامور , وحتى في شفاء المرضى .
2- حروف ظلمانية : وهي ( ب – ج – د – و – ز – ف – ش – ت – ث -  ذ – خ –  ض – ظ - غ ) .   
كذلك صنف هؤلاء العلماء الحروف الى اربع اصناف يبينها الجدول التالي : 
 
نارية ترابية هوائية مائية
ا ب ج د
ه و ز ح
ط ي ك ل
م ن س ع
ف ص ق ر
ش ت ث خ
ذ ض ظ غ
 
اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{2} 
تقدم مثلها في آية الكرسي المباركة . 
 
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ{3}
يلاحظ المتأمل في هذه الاية الكريمة كلمة ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ  ) , و (  وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) , هناك العديد من الاراء حول ذلك : 
1- ان القرآن الكريم لم ينزل دفعة واحدة , بل وفقا لاحداث معينة , و مقتضيات خاصة , وقد عبر القران الكريم عن نزوله دفعه واحدة في ليلة القدر كما في سورة القدر }  إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} , حيث وردت ( انزلناه ) بمعنى دفعة واحدة  . 
2- اما التوراة والانجيل ويلحق بهما الكتب السماوية الاخرى ( الزبور – صحف ابراهيم (ع) ) , فقد نزلت بدفعة واحدة , وفقا لاهداف ومصالح معينة , حسب مشيئته عز وجل .             
 
مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ{4}
الفرقان هو الفارق بين الحق والباطل , و يحتمل عدة معاني نذكر منها : 
1- جميع الكتب السماوية فيها هداية للناس , وتفرق بين الحق والباطل , وهي على نوعين : 
أ‌) كتب سماوية تفرق بين الحق والباطل في زمان معين وموقف خاص . 
ب‌) كتب سماوية تفرق بين الحق والباطل لا تختص بزمان ولا مكان , بل يسري مفعولها الى يوم القيامة , وهي : 
ب-1- القران الكريم : حيث يبقى هاديا ومرشدا وفارقا بين الحق والباطل , وبين عالمي النور والظلام , الى يوم القيامة . 
ب-2- الانجيل : عند مجيء عيسى (ع) يظهر الانجيل الحقيقي , ويوقف العمل به , ويعتمد القران الكريم بديلا عنه , لذا فالانجيل يعد من الكتب السماوية التي لم يتوقف العمل بها , طالما وان الانجيل الحقيقي مختف , والشخص القائم عليه (عيسى"ع") لم يأت بعد , لكنه موعود القدوم . 
ب-3- التوراة : كما ان للانجيل شخصا موعودا سيأتي في زمن معين , لابد ان يكون هناك شخصا ( كنبي او رجل صالح ) , سيظهر التوراة الحقيقية , ويوقف العمل بها رسميا ويعتمد القران الكريم البديل الوحيد عنها , طالما وان هذا الشخص لم يأت , فالعمل بالتوراة لا زال جاريا .   
2- ان الاية الكريمة السابقة ذكرت اهم الكتب السماوية ( القران – التوراة – الانجيل ) , وهي جميعها كتب مقدسة , اما افراد ذكر الفرقان  في هذه الاية الكريمة يحتمل عدة وجوه نذكر منها : 
أ‌) ان يكون كتابا سماويا اختص بفترة وتوقف العمل به بعد نزول كتاب غيره , فذكرته الاية الكريمة لترسل الانظار اليه بالاهتمام والتقدير . 
ب‌) كون جميع الكتب السماوية تفرق بين الحق والباطل , فقد يحتمل ان الفرقان ليس كتابا , بل شيء اخر , كأن يكون نبي او رجل صالح , او برهان او اية ذات مدلول خاص من اياته عز وجل , كدابة الارض مثلا {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ }النمل82 , ونظرا لاهميته وخطورة امره , افرد في هذه الاية الكريمة .     
 
يلاحظ المتأمل , ان الاية الكريمة اختتمت بــ (  وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) ! .       
 
إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء{5}
تؤكد الاية الكريمة ان علمه واحاطته عز وجل قد خبرت وشملت كل الموجودات , سواء كانت في الارض , او في السماء . 
 
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{6}
الاية الكريمة في محل ضرب مثلا لقدرته عز وجل , حيث انه جل وعلا وحده القادر على تصوير الجنين في بطن امه , وهذا ما لا سبـيل اليه , مهما تطورت إمكانيات العلم والتكنولوجية . 
 
هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ{7}
الاية الكريمة توجه الخطاب للرسول الكريم محمد (ص) بشكل مباشر , والمعني بالخطاب كافة الناس , من باب اياك اعني واسمعي يا جارة , , فيعرّف الباري عز وجل نفسه بأنه هو الذي انزل الكتاب ( القران الكريم ) , هذا الكتاب فيه نوعين من الايات الكريمة : 
1- (  آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) : ايات كريمة واضحات الدلالة والمعنى من حيث الظاهر والباطن , وقد لا يختلف فيها المفسرون , ولا يمكن التلاعب بمعانيها من قبل اصحاب القلوب المريضة . 
2- (  وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) : هي مجموعة من الايات الكريمة التي تحتمل عدة معاني , او يفهم منها مجموعة من المضامين , لذا تختلف اراء المفسرون فيها , ومن اهمها 
أ‌) اوائل السور ( الم , كهيعص .... الخ ) . 
ب‌) {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }الحجر99 , فيجد ذوي الاغراض الخاصة مطمعا في ان يعتمدوها كمصدر يدعم مذهبهم او مسلكهم , فيؤولونها ( ان العبد يستمر في عبادته عز وجل , حتى اذا ما وصل مرحلة اليقين فيتوقف عن العبادة وينتهي العمل ) , وعند تلك المرحلة يتوقف عن اداء الفرائض , واجتناب المحرمات , بدعوى انه قد وصل مرحلة اليقين ! . 
ت‌) (  فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} سورة الماعون المباركة , فيقول الخبيث "  قف على دكة الخمار واسقينا ما قال ربك ويل للذين شربوا بل قال ويل للمصلينا " .                 
وهناك امثلة كثيرة حول ذلك لدى المفسرين . 
بعد ان عرفت الاية الكريمة الله عز وجل , وبينت نوعي ايات الكتاب , انعطفت لتؤكد ان لا احد يستطيع تأويلها الا الله جل وعلا , والراسخون في العلم (  وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) , وهؤلاء الراسخون ذوي ثبات ومراس في العلم , فمن همّ ؟ ! : 
1- ان كل العلوم مهما اختلفت مسمياتها تؤدي في النهاية الى الله عز وجل , وبأمكان أي عالم في علم ما , ان يثبت وجود الخالق المصور جل وعلا في مجال اختصاصه , فهل هو من الراسخين في العلم ؟ , طبعا لا ! بدلالة نص الاية و الايات الكريمة اللاحقة . 
2- لابد ان يكون ( الراسخون في العلم ) من ذوي الامتيازات الخاصة , واصحاب مسئوليات تثقل كاهل الناس العاديين , وذلك لعدة اسباب : 
أ‌) كون الله عز وجل مدحهم في كتابه العزيز , ووضعهم في موضع قريب من اسمه تعالى , لا يفصل بينهم وبينه سوى حرف العطف ! , وكل من مدحه القران الكريم من ذوي الامكانات والمؤهلات الخاصة كالانبياء (ع) والصالحين . 
ب‌) هؤلاء ( الراسخون في العلم ) ليسوا اصحاب علم فقط , بل لديهم علما مصحوبا بإيمان خالص بالله تعالى , لذا هم ليسوا من اصحاب الفقرة اعلاه ( رقم ( 1 ) ) , بدلالة : 
ب- 1- (  يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) : حيث آمنوا بالله تعالى ايمانا لا شائبة معه .
ب – 2- (  كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) : كما وانهم فوضوا كل امورهم له وحده عز وجل , لا يصل الى هذه الدرجة الا ما ندر من المؤمنين .         
    ب-3- الايات الكريمة اللاحقة . 
 
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ{8}
تصف الاية الكريمة جانبا من جوانب هؤلاء الراسخون في العلم , وهو كثرة دعائهم وتوسلهم به عز وجل , فعلى الرغم من انهم على هدى , يسألونه عز وجل المزيد , حيث انهم لا يحتملون الزيغ والانحراف عن طريق الحق , فذلك مستحيل لمثلهم , لكنهم يسألون الله عز وجل ان يوفقهم خشية ان يقعوا في جانب ترك العمل بالأولى . 
وهؤلاء يكثرون من طلب رحمته عز وجل , بالرغم من انها وسعت كل شيء , وشملتهم من جانبين :
1- العام : حيث ان رحمته عز وجل وسعت كل شيء . 
2- الخاص : ما شملهم من رحمته عز وجل الخاصة بعلمهم وايمانهم .   
لكنهم يطلبون المزيد من الرحمة , ولذلك عدة احتمالات , نذكر منها : 
1- درجات رفيعة : الرحمة التي يطلبوها هي مزيدا من الدرجات الرفيعة . 
2- او انهم يطلبون الرحمة لمحبيهم وانصارهم , كونهم في امس الحاجة اليها ! . 
3- او كون الراسخون في العلم يتعرضون للكثير من الابتلاءات في حياتهم الدنيا , وكما يقول الشاعر ( على قدر اهل العزم , تأتي العزائم ) .
4- او كل ذلك مجتمعا .  
اللافت لنظر المتأمل , ان الراسخون في العلم سألوا الله تعالى الرحمة بنص الاية الكريمة (  وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) , أي انهم طلبوا الرحمة من اسمه تعالى ( الوهاب ) , فلماذا لم يطلبوها من اسمائه تعالى الشريفة ( الرحمن او الرحيم ) ؟ , أي كان بأمكانهم ان يقولوا ( وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الرحمن الرحيم ) , في ذلك بحث واف في فلسفة اسمائه عز وجل الشريفة , نتركها للمختصين اصحاب الشأن ! . 
 
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ{9}
وهذه الاية الكريمة ايضا تستمر في وصف حال ( الراسخون في العلم ) , فتروي من ابرز واكثر ادعيتهم وجلّ اهتمامهم منصب في يوم القيامة , فيقرون ويعترفون له عز وجل بأنه سيجمعهم في ذلك اليوم الموعود , حيث لا شك فيه ولا ريب . 
الملاحظ ان نص اختتام الاية الكريمة (  إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) من كلامه جل وعلا , اوردته الاية الكريمة بلسان ( الراسخون في العلم ) , وهذا مما يرفع في شأنهم ! .       
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/27



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح33 سورة آل عمران
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net