على ضفاف الانتظار(57)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السفير الأول: عثمانبن سعيد العمري الأسدي
السفيرُ الأولُ للإمامِ المهدي، وهو ثقةُ الإمامين العسكريين قبل ذلك، وفي حياتِه محطاتٌ كثيرةٌ، نُلخِّصُها في الآتي:
النقطة الأولى: كنيته وألقابه:
كُنيته أبو عمرو.
روى الشيخُ الطوسي عن أَحْمَدَ بْنِ إِسحَاقَ بْنِ سَعْدٍ القُمِّيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىٰ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَنَا أَغِيبُ وَأَشْهَدُ، وَلَا يَتَهَيَّأُ لِيَ الوُصُولُ إِلَيْكَ إِذَا شَهِدْتُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَقَوْلَ مَنْ نَقْبَلُ، وَأَمْرَ مَنْ نَمْتَثِلُ؟
فَقَالَ لِي (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ): «هَذَا أَبُو عَمْرٍو اَلثِّقَةُ الأَمِينُ، مَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَمَا أَدَّاهُ إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهِ».
فَلَمَّا مَضَىٰ أَبُو الحَسَنِ وَصَلْتُ إِلَىٰ أَبِي مُحَمَّدٍ اِبْنِهِ الحَسَنِ العَسْكَرِيِّ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِي لِأَبِيهِ.
فَقَالَ لِي: «هَذَا أَبُو عَمْرٍو اَلثِّقَةُ الأَمِينُ، ثِقَةُ اَلمَاضِي وَثِقَتِي فِي اَلمَحْيَا وَاَلمَمَاتِ، فَمَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَمَا أَدَّىٰ إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهُ» .
وأما ألقابه فهي:
1- الثقة المأمون:
وهو من أعلى مراتبِ التوثيقِ فيه، فقد وردَ أنّ الإمام الحسن العسكري قال له: «امضِ يا عثمان، فإنّك الوكيلُ والثقةُ المأمونُ على مالِ الله...» .
2- العمري:
إنَّما سُمِّي العمري... (نسبةً إلى جده)، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ: «لَا يُجْمَعُ عَلَىٰ اِمْرِئٍ عُثْمَانَ وَأَبُو عَمْرٍو»، وَأَمَرَ بِكَسْرِ كُنْيَتِهِ، فَقِيلَ: العَمْرِيُّ .
قال السيدُ الأمين: وكانَ أسديًا فنُسِبَ إلى جدِّه أبي أُمِّه جعفرٍ العمري... .
ويُطلَقُ هذا اللقبُ أيضًا على ولده السفير الثاني محمد بن عثمان، ففي روايةِ جعفرٍ بن محمدٍ بن متيل: دعاني أبو جعفرٍ محمدٍ بن عثمان السمان المعروف بالعمري (رضوان الله عليه) فأخرجَ إليَّ ثويبات معلمة وصُرّة فيها دراهم... .
3- العسكري:
قالَ الشيخُ الطوسي: وَيُقَالُ لَهُ: العَسْكَرِيُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَسْكَرِ سُرَّ مَنْ رَأَىٰ .
4- السمّان:
قالَ الشيخُ الطوسي: وَيُقَالُ لَهُ: اَلسَّمَّانُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي السَّمْنِ تَغْطِيَةً عَلَىٰ الأَمْرِ، وَكَانَ اَلشِّيعَةُ إِذَا حَمَلُوا إِلَىٰ أَبِي مُحَمَّدٍ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَمْلُهُ مِنَ الأَمْوَالِ أَنْفَذُوا إِلَىٰ أَبِي عَمْرٍو، فَيَجْعَلُهُ فِي جِرَابِ اَلسَّمْنِ وَزِقَاقِهِ وَيَحْمِلُهُ إِلَىٰ أَبِي مُحَمَّدٍ تَقِيَّةً وَخَوْفاً .
5- الأسدي:
قالَ الشيخُ الطوسي في الغيبة: وهو الشيخُ الموثوقُ به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وكانَ أسديًّا... .
6- خليفةُ الإمامِ المهدي:
وصفه به الإمامُ العسكري أمامَ جمعٍ من الشيعة، حينما سألوه عن الإمامِ من بعده، إذ جاءَ في روايةِ الشيخِ الطوسي: عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلشِّيعَةِ مِنْهُمْ: عَلِيٌّ بْنُ بِلَالٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، وَمُحَمَّدٌ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَكِيمٍ، وَالحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ، قَالُوا جَمِيعاً: اِجْتَمَعْنَا إِلَىٰ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنِ الحُجَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَفِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَقَامَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو العَمْرِيُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَمْرٍ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي.
فَقَالَ لَهُ: «اِجْلِسْ، يَا عُثْمَانُ»، فَقَامَ مُغْضَباً لِيَخْرُجَ، فَقَالَ: «لَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ»، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنَّا أَحَدٌ إِلَىٰ أَنْ كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، فَصَاحَ بِعُثْمَانَ، فَقَامَ عَلَىٰ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: «أُخْبِرُكُمْ بِمَا جِئْتُمْ؟».
قَالُوا: نَعَمْ، يَا بْنَ رَسُولِ اَلله.
قَالَ: «جِئْتُمْ تَسْأَلُونِّي عَنِ الحُجَّةِ مِنْ بَعْدِي؟».
قَالُوا: نَعَمْ.
فَإِذَا غُلَامٌ كَأَنَّهُ قِطَعُ قَمَرٍ أَشْبَهُ اَلنَّاسِ بِأَبِي مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: «هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، أَطِيعُوهُ وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ مِنْ بَعْدِ يَوْمِكُمْ هَذَا حَتَّىٰ يَتِمَّ لَهُ عُمُرٌ، فَاقْبَلُوا مِنْ عُثْمَانَ مَا يَقُولُهُ، وَاِنْتَهُوا إِلَىٰ أَمْرِهِ، وَاِقْبَلُوا قَوْلَهُ، فَهُوَ خَلِيفَةُ إِمَامِكُمْ، وَالأَمْرُ إِلَيْهِ» فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ .
7- الزيات:
لُقّبَ به؛ لأنه كانَ يتَّجرُ بالزيتِ تغطيةً على أمره، قالَ الشيخُ الطوسي عند ذكرِ أصحابِ الإمامِ الهادي: «عثمان بن سعيد العمري، يُكنّي أبا عمرو السمّان، ويقال له: الزيّات...» .
8- الأمين:
الأَمانةُ: ضدُّ الخِيانة ، فالأمينُ هو الذي لا يخون.
لُقِّبَ السفيرُ الأولُ بالأمين كما في حديثِ الإمامِ الهادي (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ): «هَذَا أَبُو عَمْرٍو اَلثِّقَةُ الأَمِينُ، مَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَمَا أَدَّاهُ إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهِ».
وكذا قولُ الإمامِ العسكري: «هَذَا أَبُو عَمْرٍو اَلثِّقَةُ الأَمِينُ، ثِقَةُ اَلمَاضِي وَثِقَتِي فِي اَلمَحْيَا وَاَلمَمَاتِ، فَمَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَمَا أَدَّىٰ إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهُ» .
9- العفيف:
العِفّة: الكَفُّ عمّا لا يَحِلّ ويَجْمُلُ.
أحدُ ألقابِ السفيرِ الأول، جاءَ هذا في توقيعٍ خرجَ لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد العسكري، حيث وردَ فيه: «فلا تخرجنَّ من البلدةِ حتى تلقي العمري (رضي الله عنه) برضاي عنه، وتسلمَ عليه وتعرفه ويعرفك؛ فإنّه الطاهرُ الأمينُ العفيفُ القريبُ منّا وإلينا، فكُلُّ ما يحملُ إلينا من شيءٍ من النواحي فإليه المسيرُ آخر عمره، ليوصلَ ذلك إلينا» .
النقطة الثانية: علاقتُه بالإمامين العسكريين.
لقد كانَ باب الإمام الهادي في حياته، ومن خواصه، ثم من خواصِّ الإمامِ العسكري، وقد وثّقاه بغايةِ ما يُمكِنُ أنْ يوثَّقَ به رجل، ففي روايةِ عبدِ اللهِ بن جعفرٍ الحميري، أنّ أبا علي أحمد بن إسحاق روى عَنْ أَبِي الحَسَنِ قَالَ: سَألتُه وقُلْتُ: مَنْ أُعَامِلُ أَوْ عَمَّنْ آخُذُ وقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ لَه: «العَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي ومَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ، فَاسْمَعْ لَه وأَطِعْ فَإِنَّه الثِّقَةُ المَأْمُونُ» وأَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّه سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ لَه: «العَمْرِيُّ وابْنُه ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ ومَا قَالا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وأَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ المَأْمُونَانِ...» .
هذا وقد وردَ في بعضِ النصوصِ أنّ عثمان بن سعيد قد بدأ يخدمُ الإمامَ الهادي إبانَ وصوله إلى سامراء سنة (234هـ)، وكانَ عمرُ عثمان آنذاك إحدى عشرة سنة فقط، قالَ الشيخُ الطوسي عندَ ذكرِ أصحابِ الإمامِ الهادي: عثمانُ بن سعيد العمري، يُكنّى أبا عمرو السمّان، ويُقالُ له: الزيّات، خدَمه وله إحدى عشره سنة، وله إليه عهدٌ معروف .
وبقيَ معه إلى أنْ استُشهد، أي ما يقربُ من عشرين سنة، حيثُ قالَ ابنُ شهر آشوب: «ومدةُ مقامه بسرّ من رأى عشرون سنة، وتوفيَ فيها، وقبره في داره» .
ثم خدمَ الإمامَ العسكري مدةَ إمامته وهي ستُ سنوات، ممّا يعني أنّ عمرَه في بدايةِ الغيبةِ الصغرى كان يقربُ من سبعٍ وثلاثين سنة.
بل في نقلِ العلامةِ أنَّ السفيرَ الأولَ كانَ قد خدمَ الإمامَ الجوادَ وكانَ عمره إحدى عشرة سنة، قالَ العلامة: «عثمان بن سعيد العَمري، يُكنّى أبا عمرو السمّان، يُقالُ له الزيّاتُ الأسدي، من أصحابِ أبي جعفرٍ محمدٍ بن علي الثاني، خدَمه وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهدٌ معروف، وهو ثقةٌ جليلُ القدر، وكيلُ أبي محمد».
النقطة الثالثة: تجهيزه للإمام العسكري ظاهراً.
تولّى تجهيزَ الإمامِ العسكري ظاهرًا؛ لأجلِ إبعادِ نظرِ السلطةِ عن الإمامِ المهدي، فقد رويَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله [بْنِ مُحَمَّدِ] بْنِ أَحْمَدَ اَلْكَاتِبِ اِبْنِ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُ وَأَرْضَاهُ)، عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّهُ لَـمَّا مَاتَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ حَضَرَ غُسْلَهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)، وَتَوَلَّىٰ جَمِيعَ أَمْرِهِ فِي تَكْفِينِهِ وَتَحْنِيطِهِ وَتَقْبِيرِهِ، مَأْمُوراً بِذَلِكَ لِلظَّاهِرِ مِنَ اَلْحَالِ اَلَّتِي لَا يُمْكِنُ جَحْدُهَا وَلاَ دَفْعُهَا إِلَّا بِدَفْعِ حَقَائِقِ اَلْأَشْيَاءِ فِي ظَوَاهِرِهَا.
النقطة الرابعة: عدالتُه عند الطائفة الحقّة.
كانتِ الطائفةُ الحقّةُ وما زالتْ مُقيمةً على عدالةِ عثمان بن سعيد، وولده محمد، ولا يُشكِّكُ في ذلك إلّا من في قلبه مرض.
قالَ الشيخُ الطوسي: وَكَانَتْ تَوْقِيعَاتُ صَاحِبِ اَلْأَمْرِ تَخْرُجُ عَلَىٰ يَدَيْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ وَاِبْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ إِلَىٰ شِيعَتِهِ وَخَوَاصِّ أَبِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ بِالْأَمْرِ وَاَلنَّهْيِ وَاَلْأَجْوِبَةِ عَمَّا يَسْأَلُ اَلشِّيعَةُ عَنْهُ إِذَا اِحْتَاجَتْ إِلَىٰ اَلسُّؤَالِ فِيهِ بِالْخَطِّ اَلَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ، فَلَمْ تَزَلِ اَلشِّيعَةُ مُقِيمَةً عَلَىٰ عَدَالَتِهِمَا إِلَىٰ أَنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ (رَحِمَهُ اَللهُ وَرَضِيَ عَنْهُ)، وَغَسَّلَهُ اِبْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَتَوَلَّىٰ اَلْقِيَامَ بِهِ، وَحَصَلَ اَلْأَمْرُ كُلُّهُ مَرْدُوداً إِلَيْهِ، وَاَلشِّيعَةُ مُجْتَمِعَةٌ عَلَىٰ عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ اَلنَّصِّ عَلَيْهِ بِالْأَمَانَةِ وَاَلْعَدَالَةِ، وَاَلْأَمْرِ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عُثْمَانَ (رَحْمَةُ اَلله عَلَيْهِ) .
وباختصار: فقد دلّتْ على سفارته العديدُ من الأدلة منها:
1 - النصوصُ الخاصة، من قبيلِ ما وراه الشيخُ الطوسي عنِ الإمامِ العسكري في الحديث السابق.
2 - إجماعُ الشيعةِ على ذلك، وعدمُ التشكيكِ في سفارته.
3 - وثاقته العاليةُ جدًا، التي يمتنعُ معها افتراضُ ادِّعائه منصبًا ليسَ من حقّه، وقد نقلنا توثيقَ الإمامين العسكريين له.
4 - صدورُ التوقيعاتِ على يديه، بالخطِّ الذي كانَ يظهرُ للشيعةِ أيامَ أبي محمدٍ العسكري كما تقدّمَ في كلامِ الشيخِ الطوسي.
وقد رويَ عنه العديدُ من التوقيعات، والأدعية، ومنها دعاءُ زمنِ الغيبة، فقد روى الشيخُ الصدوقُ بسنده عن أَبي عَلِيٍّ بْن هَمَّامٍ... وَذَكَرَ أَنَّ الشَّيْخَ الْعَمْرِيَّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) أَمْلَاهُ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ، وَهُوَ الدُّعَاءُ فِي غَيْبَةِ الْقَائِمِ: «اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَبِيَّكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَبِيَّكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي...» .
هذا وقد ظهرتْ على يديه العديدُ من الكرامات، ومنها الإخبارُ عن بعضِ المغيبات، من قبيل ما رواه الشيخُ الصدوقُ قال: وَحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسْوَدُ، قَالَ: دَفَعَتْ إِلَيَّ امْرَأَةٌ سَنَةً مِنَ السِّنِينَ ثَوْباً، وَقَالَتْ: احْمِلْهُ إِلَىٰ الْعَمْرِيِّ، فَحَمَلْتُهُ مَعَ ثِيَابٍ كَثِيرَةٍ، فَلَمَّا وَافَيْتُ بَغْدَادَ أَمَرَنِي بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَىٰ مُحَمَّدٍ بْنِ الْعَبَّاسِ الْقُمِّيِّ، فَسَلَّمْتُهُ ذَلِكَ كُلَّهُ مَا خَلَا ثَوْبَ المَرْأَةِ، فَوَجَّهَ إِلَيَّ الْعَمْرِيُّ وَقَالَ: ثَوْبُ المَرْأَةِ سَلِّمْهُ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ امْرَأَةً سَلَّمَتْ إِلَيَّ ثَوْباً، وَطَلَبْتُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَقَالَ لِي: لَا تَغْتَمَّ فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ، فَوَجَدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْعَمْرِيِّ نُسْخَةُ مَا كَانَ مَعِي .
النقطة الخامسة: إنه ممن رأى الإمام المهدي.
كانَ من جملةِ الأربعين رجلًا الذين عرضَ عليهم الإمامُ العسكري ولده المهدي، فقد روى الشيخُ الطوسي بسنده عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلشِّيعَةِ مِنْهُمْ: عَلِيٌّ بْنُ بِلَالٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، وَمُحَمَّدٌ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَكِيمٍ، وَالحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ، قَالُوا جَمِيعًا: اِجْتَمَعْنَا إِلَىٰ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنِ الحُجَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَفِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَقَامَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو العَمْرِيُّ... فَإِذَا غُلَامٌ كَأَنَّهُ قِطَعُ قَمَرٍ أَشْبَهُ اَلنَّاسِ بِأَبِي مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: «هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، أَطِيعُوهُ وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ مِنْ بَعْدِ يَوْمِكُمْ هَذَا حَتَّىٰ يَتِمَّ لَهُ عُمُرٌ، فَاقْبَلُوا مِنْ عُثْمَانَ مَا يَقُولُهُ، وَاِنْتَهُوا إِلَىٰ أَمْرِهِ، وَاِقْبَلُوا قَوْلَهُ، فَهُوَ خَلِيفَةُ إِمَامِكُمْ، وَالأَمْرُ إِلَيْهِ» فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ .
النقطة السادسة: تسلّمُه لأم الإمام المهدي.
بعد أنْ سعى جعفرٌ بجواري الإمامِ العسكري عند المُعتمد، «فأنفذَ المُعتمدُ إلى عثمان بن سعيد، وأمره أنْ ينقلهن إلى دارِ القاضي، أو بعضِ الشهود حتى يستبرئهن بالموضع، فسلّمهن إلى ذلك العدل، فأقمنَ عندَه سنة، ثم ردّهن إلى عثمان بن سعيد... فلمّا تسلّمَ عثمانُ بن سعيد الجواري وفيهم أمُّ صاحبِ الأمرِ، نقلهن إلى مدينةِ السلام» .
النقطة السابعة: تأبين الإمام المهدي له.
أبّنه الإمامُ المهدي عند وفاته بتأبينٍ غايةٍ في الإجلالِ والتكريم، فقد روى الشيخُ الصدوق قال: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُ: وَخَرَجَ التَّوْقِيعُ إِلَىٰ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ فِي التَّعْزِيَةِ بِأَبِيهِ فِي فَصْلٍ مِنَ الْكِتَابِ: «إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، تَسْلِيماً لِأَمْرِهِ وَرِضَاءً بِقَضَائِهِ، عَاشَ أَبُوكَ سَعِيداً وَمَاتَ حَمِيداً، فَرَحِمَهُ اللهُ وَأَلْحَقَهُ بِأَوْلِيَائِهِ وَمَوَالِيهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُجْتَهِداً فِي أَمْرِهِمْ، سَاعِياً فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَىٰ اللهِوَإِلَيْهِمْ، نَضَّرَ اللهُ وَجْهَهُ وَأَقَالَهُ عَثْرَتَهُ».
وَفِي فَصْلٍ آخَرَ: «أَجْزَلَ اللهُ لَكَ الثَّوَابَ وَأَحْسَنَ لَكَ الْعَزَاءَ، رُزِئْتَ وَرُزِئْنَا وَأَوْحَشَكَ فِرَاقُهُ وَأَوْحَشَنَا، فَسَرَّهُ اللهُ فِي مُنْقَلَبِهِ، وَكَانَ مِنْ كَمَالِ سَعَادَتِهِ أَنْ رَزَقَهُ اللهُوَلَداً مِثْلَكَ يَخْلُفُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ بِأَمْرِهِ، وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، وَأَقُولُ: الْحَمْدُ لِلهِ، فَإِنَّ الْأَنْفُسَ طَيِّبَةٌ بِمَكَانِكَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُفِيكَ وَعِنْدَكَ، أَعَانَكَ اللهُ وَقَوَّاكَ وَعَضَدَكَ وَوَفَّقَكَ، وَكَانَ اللهُ لَكَ وَلِيًّا وَحَافِظاً وَرَاعِياً وَكَافِياً وَمُعِيناً» .
ودُفِنَ في بغداد، في جانبِ الرصافة - القشلة - ساحة الميدان، قربَ سوقِ الشورجة، وقريبًا من شارعِ المُتنبي، وقبره اليومَ معروفٌ مشهور.
تنبيه: هل اسمه: حفصُبن عمرو العمري؟
ذكرَ الشيخُ الطوسي في (اختيار معرفة الرجال) أنَّ اسمَ السفيرِ الأولِ هو حفصٌ بن عمرو العمري، قال: وحفصٌ بن عمرو، كانَ وكيلُ أبي محمد، وأمّا أبو جعفرٍ محمدٍ بن حفص ابن عمرو فهو ابن العمري وكانَ وكيلَ الناحية، وكانَ الأمرُ يدورُ عليه .
وقد نوقشَ هذا الكلامُ بما حاصله:
1 - إنَّ ما ذكره الشيخُ الطوسي -في ما نقله عن رجال الكشي- هو خطأٌ وتصحيف، وأنّ الصحيحَ هو أنّ اسمه عثمان، ويشهدُ لذلك أنّ الشيخَ الطوسي في جميعِ رواياتِ كتابه: الغيبة ذكرَ أنّ اسمَ السفيرَ الأول هو عثمان وليس حفصًا.
2 - دعوى وجود شخصين: أحدهما السفير وهو عثمان، وثانيهما أحدُ الوكلاءِ واسمه حفص، بعيدةٌ، خصوصًا مع ذكرِ ولدٍ لحفصٍ اسمه محمد، وأنّ الأمرَ كانَ يدورُ عليه.
3 - إنّ من المُتسالمِ عليه هو أنّ اسمَ السفيرِ الأول هو عثمان.
قالَ السيدُ الخوئي: والمُتحصِّلُ ممّا ذكرنا: أنّه لم يعلمْ وجودٌ لحفصٍ بن عمرو العمري، ولا لابنه، فضلًا عن أنْ يكونا وكيلين.
وأمّا ما في الكشي، فلا بُدّ من حمله على غلطِ النسخةِ بعدَ مُخالفتهما؛ لما تسالمَ عليه الأصحاب، من أنّ الوكيلَ كانَ عثمانَ بن سعيد، وابنه محمد، وقد ذكرَ العلّامةُ نفسه في ترجمة محمدٍ بن عمر بن عبد العزيز الكشي، أنّ له كتابَ الرجالِ كثير العلمِ، إلّا أنّ فيه أغلاطًا كثيرةً، كما ذكرَ ذلك النجاشي أيضًا... .
وقال التفريشي في تعليقه على نقلِ العلامة لاسمِ حفصٍ بن عمرو على أنّه السفير الأول:
«ويخطرُ ببالي أنَّ النسخةَ التي كانتْ عندَ العلامة من الكشي كانَ غلطًا فاشتبهَ عليه، فذكره بهذا العنوان، واقتفى ابنُ داود أثرَ العلامةِ، والعجبُ أنّ العلّامةَ ذكره بعنوان: حفص أيضًا، حيث قال: حفصٌ بن عمرو، المعروفُ بالعمري، وكيلُ أبي محمدٍ، وكذا في رجالِ ابنِ داود أيضًا، وكأنّه نقلَ هذا عن رجالِ الشيخ"
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat