فاطـمة بنظـرة السماء (1)
محمد قاسم الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد قاسم الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشخصيات العظيمة منجمٌ وفير للبحث والاكتشاف المعرفي بخصوص الغور في زوايا الإنسان الغامضة والمجهولة.يتنوع هرم العظمة على ألوان شتى تتخلص ثمارها ومفادها في محطات إبداعية وروحية وعقلية وتجريبية بالنظر لمجهود البشر المعتاد والطبيعي بحسب قدراتهم المحدودة .في الوقت ذاته ليس من السهل كشف سر عظمة بعض البشر من جميع الأبعاد والتفاصيل المحيطة بحياتهم وكمالاتهم سواء كانت تلك الكسبية أو الوهبية، بل الكشف العلمي بكامل حيثياته متعذّرٌ بحق بعضهم ونعني بهم أولئك الذين اصطفاهم الله بعلمه، وأفاض عليهم من مكنونات فضله وسرِّه، وخصهم الله بكراماته وآياته المخزونة :( ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ)١، وبخصوص ذلك فإنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي أم العظمة كلها، وسيدة الحجج والبراهين والباب الذي شرّعه الله تعالى لتوحيده وسبل معرفته، كما أن دراسة حياتها (سلام الله عليها) يضعنا بصورة جلية وجهاً لوجه أمام خانة الإنقلابات والتحولات التاريخية التي حدثت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، في الوقت ذاته ذلك يقودنا لفتح شهية الأسئلة والتساؤلات العديدة بخصوص محورية الإمامة الإلهية، ودور الخليفة الشرعي الذي كان عليه أن يقود مسيرة الإسلام بعد انقطاع وحي النبوة، ودراسة العوائق التي حالت في طريقه، وفهم سبب إصرار الشيعة الإمامية على مسألة جوهرية الإِمامة في بقاء الإسلام وحفظه، وعلاقة ذلك كله بسلسلة دور الزهراء الرسالي، وبهذا الصدد سنريك بعونه تعالى كيف زلت أقدام بعضهم وشاطت أقلامهم عن الصواب وانحرفت بعيداً عن منهج الاستقامة لما خلطوا بين الموهوم المتخيل وبين الحق الحقيق، الذي عليه معول أهل التحقيق والصناعة، وذلك الشطط جاء إثر تتبعات واهية تبعيضية وزائغة عن خارطة الحق سنعرض تفاصيلها لاحقاً .مشكلة بعض القضايا الواضحة أن وضوحها يربكها أو يزيدها شيء من الرتابة والخمول بدلاً من داعمية القوة والنشاط المعرفي الجاد .
وبهذا المعنى ثمّة تساؤل مشروع هل نستطيع أن نتعامل من خلال حكم واحد فارد بنفس النسق في طريقة آلية الفهم لشخص النبي أو الإمام أم لا بد من التفريق بين البعد الروحي الشخصي وبين الموقع الاجتماعي الذي مرت به تلك الشخصية من حيث التعاطي والتفاعل، بحسب منظور أفقها الزماني والمكاني والبيئة التي عاشت فيها، ومقصودنا من التفريق لا على نحو الانفصال والتقاطع وإنما بلحاظ الجهة والحيثية، يظهر من الخطابات القرآنية أنها مع المعنى الثاني، فالقرآن الكريم لما أخبر أن الأنبياء كانوا يمشون في الأسواق ويختلطون بالناس ويبلغون رسالاتهم إليهم، لم ينف عنهم خصوصية المقام الروحي الذي كانوا عليه في درجة القرب والإصطفاء، ولذا القرآن أكد صريحاً حول شخصية خاتم النبيين صلى الله عليه وآله :( إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ .عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ .ذُو مِرَّةٖ فَٱسۡتَوَىٰ .وَهُوَ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡأَعۡلَىٰ .ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ .فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ)٢، وفي آية أخرى قال عنه :(إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ ..)٣
وقال تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا )٤
وهذه المقدمة يمكن تعميقها أكثر بشواهد قرآنية وروائية وتاريخية وتطبيقها في الرد على من توهم أن البعد الإجتماعي للسيدة الزهراء المتحصل من بعض المرويات يقاطع مقولات العصمة والأدوار الإصطفائية المعتقد بها - والكلام يكون طبعاً بعد عرض هذه المرويات والإنتهاء من تحليلها ومدى قيمتها في التنافي المدعى .
ومن خلال هذه النافذة يمكن القول أن المداليل والمضامين القرآنية والروائية محتفظةٌ بالخصوصيات والمميزات الغيبية لمقام الخليفة الإلهي سواء كان نبياً إو إماماً أو ولياً - بأعلى درجات الحفظ والصيانة ولا يهدرها المسار الاجتماعي وتفاعلاته بل هي واقعة ضمن دائرة مسؤولياته الرسالية ومشروعه الإلهي المنسجم مع كمالاته الروحية الإصطفائية التي وهبتها عين السماء وفق قوانين الحكمة والمشيئة الإلهية الربانية .ولذا أن حديث الإمام الرضا (عليه السلام) في مجلس المأمون العباسي ماهو إلا إفصاح كاشف عن بعض تلك الخصوصيات لموقع الخليفة الإلهي الذي هو حجة الله في الأرض .
قال ( عليه السلام) « إن الامامة زمامُ الدّين ونظامُ المسلمين وصلاحُ الدُّنيا وعز المؤمنين، الامامة أُسُّ الاسلام النامي، وفرعهُ السامي، بالإِمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفيرُ الفييءِ والصّدقات وإمضاء الحُــدود والأحكام ...إلى أن قال : الامام أمينُ الله في أرضه وخلقه، وحُجّته على عباده وخليفته في بلاده والدّاعي إلى الله والذاب عن حرم الله ...»٥
والعجيب من بعضهم يذهب منقباً في دراسة عظماء أهل العصمة والطهارة من خلال حفريات وتراكمات مبتسرة ومتقطعة وربما مستنقصة من حقهم، وناسياً خلفه كم هائل من آيات القرآن المجيد والتراث الروائي الثابت والمترجم من خلال قنوات الطرق والأسانيد الصحيحة الاعلائية، والواردة بأعلى درجات الوثاقة والمتانة الناصة حول وجود الحجج الإلهية، ومزايا فضلهم وفضائلهم وموقعهم من أصل الدين. فعن الإمام الصادق (عليه السلام) :« لولا أنّ الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة، ما كان لها كفو على ظهر الأرض من آدم ومن دونه»٦
يُتبع .....
_______________________
١- سورة الأنعام :آية ١٢٤
٢- سورة النجم : آية ٤-٩
٣- سورة الكهف : آية ١١٠
٤- سورة الفرقان : آية ٧
٥- تحف العقول ص٤٣٨-٤٣٩، وأصول الكافي ج١-ص١٩٨
٦- أصول الكافي ج١-ص٤٦١
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat