المغايرة الشعرية والادائية لقصيدة ( طر الفجر ) للشاعر عبد الخالق المحنة والرادود محمد الجنامي
عدي المختار
عدي المختار
استمد الشعر الشعبي الحسيني والردة الحسينية ديمومتهما من خصائص متعددة رسمت ملامحهما وسر شيوعهما وانتشارهما وتحولهما إلى ظاهرة أدبية إبداعية وثقافية, لعل في مقدمة تلك الخصائص التصاقهما بالقضية الحسينية ومن ثم تعبيرهما عن الميثولوجيا العزائية الشعبية المتوارثة عقب واقعة الطف لدى العامة بكل مفرداتها وأجوائها وتقاليدها ومروياتها، ذلك الالتصاق العقائدي والشعبي كان المعين الذي نهلت منه القصيدة الشعبية الحسينية ( كتابة / اداء صوتي )، عوامل ومبررات وجودها واستمرارها وانتشارها وشيوعها، كفعل إبداعي خلاق، عبّر بصدق وحساسية عالية عن مكامن الحزن والالم لواقعة كربلاء المقدسة.
كان الشعر الشعبي الحسيني والردة الحسينية وما يزالان هما الأكثر تعبيراً عن تجليات الوجدان الشيعي الجمعي والفردي , وهما الأكثر قرباً وتمثلاً لتلك المحنة المأساوية التي عاشها الامام الحسين عليه السلام وشيعته من بعده على مدى القرون، ولأن الردة الحسينية تبدأ من الشعر فأن جميع اشكال الشعر الشعبي الحسيني ميال دوما لتجسيد فجائعية المأساة ، وإعادة إنتاجها من جديد شعرياً وإبداعيا، وبأقسى تعبيراتها الإنسانية فبات سيمفونية الندب الازلي الذي لا يكف عن النواح، مثيراً في الوجدان الشيعي لوعة الفقد وحسرة الانكسار والخسران، أو بعبارة أدق هو التاريخ الشفاهي الدامي لواقعة الطف .
على الرغم من كل ماتقدم وحضورهما الطاغي كذاكرة حزن تتجدد مع ايام عاشوراء إلا انه عاش ردحا من الزمن محل جدل وانقسام ونقد لدى المختصين والادباء وحتى لدى العامة سواء من الشارع الشيعي نفسه او المخالف حتى , وذلك نتاج ما يكتبه الشعراء من قصائد يرى منتقدوهم انهم لا ينتصرون فيها للفكر والبطولة والايثار بل يستثيرون العاطفة لا غير , وموثقا للحدث غير باحثا في الواقعة واثرها على مسيرة التشيع او بعث روح الفخر بمواقف وبطولة رموزها بدلا من الانكسار والندب, وهذا بالطبع لا ينسحب على كل المنجز الشعري الشعبي الحسيني بل سجلت مدونته قصائد لازالت للان خالدة ومنها سيكتب لها الخلود تماما مثل القصيدة التي نحن بصدد تفكيكها.
إن الرمزية في القصيدة حسب قول ( الدكتور نعمه العبادي) تنقسم إلى نوعين رئيسيين: أولهما- الرمزية الجزئية / ثانيهما- الرمزية الكلية , ومن هنا جاءت قصيدة ( طر الفجر ) للشاعر عبد الخالق المحنة واداها بشكل مبهر الرادود محمد الجنامي العام الماضي , قصيدة مكتنزة بالكثير من الاشارات الرمزية الدلالية الجزئية والكلية والبواعث الحسية , والباعث حسب راي (الدكتور صباح عباس عنوز) " هو المصدر الذي يتأسّس عليه قيام الفعل الابداعي، وهو السبب المحرك لانطلاق عملياته، وهو جذوة الاضاءة الوجدانية التي تبنى عليها الصورة الحسية المهيمنةً على الشعر الحسيني.
ولان الاستهلال له علاقة وطيدة بالزمان والمكان معا لذا الشاعر بدا استهلاله بصورة استفهامية استفزازية وحسية حركية بصرية متخيلة واصفا القضية الحسينية بالبدء وخير البدايات هي خيوط الفجر في ايقاع امتزج فيه الايقاع الداخلي وايحاءات الالفاظ التي يحاول منها الاقتراب لمقامات قدسية عبر رمزية جزئية تدل بوضح للرمزية الكلية :
طر الفجر يافجر ؟ - گلب اليحب ماينام
شاعر يصير الدمع - لمن يموت الكلام
ما استحق صحبتك - يكفيني ردّ السلام
الاستهلال فتح الباب على مصراعيه للأسئلة التي كانت تجتاح القصيدة في صراع استجوابي ما بين اسئلة الروح واجاباتها اليقينية الخبيئة , فهو هنا يراهن على استفزاز الروح بالأسئلة مؤثثا لإجابات عميقة جاءت في غاية الوضوح لإنتاج موقف نفسي عقائدي عام وثابت , وهو يقارن ما بين التضحية وما انتجته من سلوكيات عقائدية سارت عليها الاجيال, مشيرا الى وجودية القضية الحسينية التي تخطط كل مفاهيم الحب والتضحية والايثار وعبرت كل الازمان بقوله:
اني اصغر من احبك - وانتَ اكبر من حبيب
وانتَ اكبر من قضية - تنتهي قبل المغيب
هيه كلها الدنيا ملكك - لكن انگـلك غريب
يلي ساترنا بثيابك - والثمن جسمك سليب
ولان القضية الحسينية عمق الوجدان الشيعي وجمال قضيته التي قالت عنه السيدة زينب عليها السلام ( لم ارى الا جميلا ) فجسد الشاعر جمال كل هذا الوجدان بصور شعرية اخذت من واقعة الطف موقف العشق ليصوخ جملا شعرية في غاية الترافة والجمال الصوري الشعري المليء بالوجع بقوله :
بالوزن ادري اظفرك - اثگل من الكائنات
من نقيسه ابماي وجهك - قطرة ميصير الفرات
وقوله:
چبير وكلشي يصغرلك .. كفالك
يضيع الكون من يمتد .. كفالك
قوله :
عجيبه اتمددت والطف .. كفالك
ورمش عينك غطه لهاي الوطيه
وقوله :
من مصرعك للنهر - تمتد جروح الخيام
وقوله :
انتَ يا اوسع سفينة - وچف ابوفاضل شراع
من جانب اخر وهو المهم في هذه القراءة هو برزت الملامح الابداعية لوجدان الشاعر وعقيدته الراسخة في مجموعة صور شعرية استفهامية استفزازية نثرت هنا وهناك في مفاصل القصيدة والتي جاءت من نمو الصورة الحسية على اديم الوجدان المعرفي، لتكون ممولا للمعنى وهدفا لها عبر الصور الحسية المنتقاة التي حملت مفارقات دلالالية لحجج إقناعيه قدم فيها الشاعر اضاءة عميقة المعنى لمساحات من الاجوبة الاكيدة التي كانت رهن سؤال ملح ( ماذا لو ) بقوله :
تظل عالي بأمر ربك .. تعالى
يساكن روحي واندهلك .. تعالى
لون مو راسك مو برمحك .. تعالى
فلا راسي اترتفع يبن الزچيه
او قوله :
لو نفترض ماتحب - مايبقى للحب مكان
لو ماصدر ينسحگ - مات بصدرنا الحنان
لوماتطيح الخيم - مايبقى مسجد حرام
وقوله :
والله لو ماتحني ظهرك - يم الكفيل
ماتظل الخوه خوه - والهجر هوَ البديل
وقوله :
لون مايرتوي من دمك .. ترابك
فلا تسجد عليه الرافضيه
وقوله :
لو ماحبال السبي - يبقى الحبل بالرگاب
والله لو مايحچي نحرك - يرتفع صوت الطغاة
وقوله :
ينزف رضيعك لجل - يبقى العطر بالورود
لو شفنا بيرغ يرف - صحنا الفخر للزنود
وقوله:
لوطحت چا كلشي طايح - بس طحت للارتفاع
وقوله:
خنصر ايدك كونه ضايع - يعني ضعنا وكلشي ضاع
والله لو ماتزئر انتَ - نخضع لحكم الضباع
وقوله:
لون ماراحن الخدر .. يساره- فلا صار الشرف عدنا هويه
لوما وجودك ابد - ما تنوجد كربلاء
صوب جبهتك حجر - صار ابگصصنه الحياء
گالو رجع للخيم - وانتَ ارجعت للأمام
لم يكن الشاعر ببعيد عن ابعاد ودلالات القضية الحسينة وما انتجته من نهج عقائدي وانساني عالمي اسس لجملة من الاخلاقيات والسلوكيات التي دلت على محبيه والحضور الابدي لفكر الإمام الحسين (عليه السلام) واستحضارها بسياق تداعي الافكار، والصور المتلاحقة وتقديم جوهر الحقيقة تقديماً منبثقاً انبثاقا روحيا من القضية الحسينية التي اعلنت القصيدة بأنها مصدر الخلق العظيم- الفكر المعتدل – مواجهة الظلم – الاستشهاد في سبيل الله – الجهاد – رفض الباطل ) بقوله :
علمتنا الباع دينه - يرخص وعايش ذليل
والتعيش براسه غيرة - مايساوم مستحيل
وقوله
علمتنا الينصر الحق - ينولد يوم الممات
كما وحفلت القصيدة بأبيات ابوذية من نوع الابوذية المدورة التي لا يكتمل معنى شطرها إلا في الشطر الذي يليه ولم تختلف عن ذلك الاكتناز الكبير في القصيدة والعمق الدلالي حيث حفلت بالكثير من معاني الفخر والاجوبة الكبيرة عن اسئلة وجودية بينت قيمة القضية الحسينية ورموزها ورمزيتها الجزئية والكلية ودلالاتها القيمية والفكرية والاخلاقية وقيمتهم السماوية والاسلامية والعقائدية واثر تضحياتهم على الصعيد الاسلامي والثوري في الاوساط الشيعية وحتى العالمية ومواقفهم البطولة التي بقيت خالدة حتى الان بقوله :
تظل عالي بأمر ربك .. تعالى
يساكن روحي واندهلك .. تعالى
لون مو راسك مو برمحك .. تعالى
فلا راسي اترتفع يبن الزچيه
وقوله :
وحگ الـ بالخيم چانت .. ترابك
عرفت عيوني من تعمى .. ترى بك
لون مايرتوي من دمك .. ترابك
فلا تسجد عليه الرافضيه
وقوله :
چبير وكلشي يصغرلك .. كفالك
يضيع الكون من يمتد .. كفالك
عجيبه اتمددت والطف .. كفالك
ورمش عينك غطه لهاي الوطيه
وقوله :
وحق الـ عالنهر طاحت .. يساره
ترى ابزودك كلايفنه .. يساره
لون ماراحن الخدر .. يساره
فلا صار الشرف عدنا هويه
شكلت قصيدة ( طر الفجر ) للشاعر عبد الخالق المحنة والرادود محمد الجنامي كتابة واداء مغايرة مهمة في مسيرة الردة الحسينية من جوانب مهمة اولها موضوعة القصيد الاستفهامية ومعنى ما طرح فيها اسئلة افتراضية واجوبة مغايرة وطريقة طرح الخطاب الشعري الذي ابدع فيها الشاعر عبد الخالق المحنة خلاف لكل ما كتب سابقاَ من قصائد ليأتي الجانب التسويقي الاهم للقصيدة وهو الرادود محمد الجنابي والمقام الذي اختير لها فضلا عن صوته الرجولي الجميل الذي عانق كلمات التفاخر بأداء صوتي جسدها معنى وكلمة وصورة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat