صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

حكمة الحاكم في القرآن الكريم (ح 3)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كل حلقة من هذه السلسلة تنشر في أحد المواقع.

ورد في الخبر عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: (جئتكم بالشريعة السهلة السمحة). وورد في الكتاب الكريم: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة " (البقرة 184)، وفسرت الآية بالطاقة مع الشدة والقسوة في التحمل. فإنَّ مثل هذه الشدة قد تكون مؤخرةً عن الهدف بدلاً عن أن تكون ميسرةً له، فيتعلق الأذى الشرعيّ، وتكون الرحمة والحكمة في الترك، وبذلك لا يكون الترك معصيةً، بل هو طاعة. ومن هنا كانت له فديةٌ قليلةٌ نسبياً. وجاء عن علاقة الحكمة في التأمل بالمناظر والبساتين وترويح النفس في السنة والروايات كما قال الامام علي عليه السلام (أَجِمُّوا هَذِهِ الْقُلُوبَ، وَاطْلُبُوا لَهَا طُرَفَ الْحِكْمَةِ، فَإِنَّهَا تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ)، و (إذا دخلت البساتين فأطل تأملها، فإن فيها جلاء للبصر، وارتياحا للهمّ والفكرة، وتكرمة للطبائع، وتسكينا للصداع). وكما قال الشاعر: الجو طلق والنسيم عليل والزهر زاه والغصون تميل. فالحكمة لا تأتي من نفس متعبة.
وقد بشر نبي الله ابراهيم عليه السلام ببعث النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم كما قال الله عز من قائل"رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة 129). ومبعث الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم منة ربانية كما قال الله سبحانه"لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة " (ال عمران 164). ان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم بعث للعالمين بعد ان الغى الله تعالى جميع الشرائع السابقة وابقى دين الاسلام حيث يوم البعثة هي الولادة الحقيقية التي فيها خلود الرسالة. و حقيقة البعث حصلت قبل ولادة ادم عليه السلام كما جاء في اية ميثاق النبيين"وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ" (ال عمران 81).
وذكر"وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة " (البقرة 129)، و (ال عمران 164)، و (الجمعة 2). وذكر"الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة " (البقرة 151)، و (البقرة 231)، و (ال عمران 48)، و (النساء 54)، و (النساء 113)، و (المائدة 110). كان الرسل خطباء يدعون اقوامهم إلى الله عز وجل، وخاتمهم النبي صلى الله عليه واله وسلم"فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ (الحجر 94). أن كل نبي في خطبه عنده الحجة والبرهان من الكتاب المنزل عليه ويعلمهم ما لم يعلموا"كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ" (البقرة 151). ترك النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم لليهود في المدينة عند دخوله اليها بعد هجرته من المدينة حرية ممارسة شعائرهم، ولم يتعرض أبداً لشعائرهم، بل كان يدعوهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة. وهي من أسباب نزول قوله تعالى "لا إكراه في الدين" (البقرة 256) بل استخدام الموعظة بدل الاكراه. والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة و المودة هي اساس دعوة الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم فلم يعادي الناس ويقهرهم ويطردهم انما عاملهم بالإقناع والترغيب نتيجة بصيرته.
قصرت معرفتنا عن جميع جهات الحكمة في أفعاله جلَّ شأنه: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" (البقرة 30). فسبحان من لا يسأل عن فعله لكمال حكمته وهم يسألون. قال الله تعالى "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (يوسف 22) ضرب الله سبحانه مثلا للفتيان والشباب هو النبي يوسف عليه السلام الذي اتاه العلم والحكمة عندما بلغ اشده حيث صمد امام الاغراءات صابرا محتسبا، وصبر امام الاضطهاد والقمع والمطاردة والتهديد بالسجن والنفي، وكافح امام المجتمع الفاسد.
العاقل لا يقول او يأمر الناس بالبر وهو يفعل عكسه"أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" (البقرة 44). وجاء في الحكمة (وفي النقاش يقاس العقل) لذلك عليك ان تحذر من زلل اللسان عند النقاش فان ذلك يدل على ميزان العقل. قال عيسى عليه السلام بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل. استخدم النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم الموعظة في خطبه بدل الاكراه. والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة و المودة هي اساس دعوة الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم فلم يعادي الناس ويقهرهم ويطردهم انما خاطبهم بالإقناع والترغيب نتيجة بصيرته. وان الله جل جلاله اعطى كل من النبيين داود وسليمان عليهما السلام الحكمة والعلم.
قال الراغب الأصفهاني: الجدال هو المفاوضة على سبيل المُنازعة والمُغالبة، وأصله من جدلت الحبل أي: أحكمت فتله ومنه: الجَدِيل، وجدلت البناء: أحكمته، ودرع مَجْدُولَة. هناك أكثر من آية في القرآن الكريم تشير الى المُجادلة ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: "ولَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (العنكبوت 46)، فالآية لا تنهى عن المُجادلة بل تدعوا إلى المُجادلة بالتي هي أحسن كما جاء في الاية "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل 125). وجادل نبي الله نوح عليه السلام قومه لهدايتهم كما جاء في الاية "قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين" (هود 32).
من وصية الإمام الكاظم عليه السلام الى هشام بن الحكم التي يذكر فيها الحكمة: يا هِشَامُ ثُمَّ ذَكَرَ أُولِي الْأَلْبَابِ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ وَ حَلَّاهُمْ بِأَحْسَنِ الْحِلْيَةِ فَقَالَ‏ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ‏. يا هِشَامُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ‏ يَعْنِي الْعَقْلَ. وَ قَالَ‏ وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَة قَالَ الْفَهْمَ وَ الْعَقْلَ. يا هِشَامُ كَمَا تَرَكُوا لَكُمُ الْحِكْمَةَ فَاتْرُكُوا لَهُمُ الدُّنْيَا. يا هِشَامُ إِنَّ الْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ وَ لَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا فَلِذَلِكَ‏ رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ‏. يَا هِشَامُ لَا تَمْنَحُوا الْجُهَّالَ الْحِكْمَةَ فَتَظْلِمُوهَا وَ لَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ. يا هِشَامُ إِنَّ كُلَّ النَّاسِ يُبْصِرُ النُّجُومَ وَ لَكِنْ لَا يَهْتَدِي بِهَا إِلَّا مَنْ يَعْرِفُ مَجَارِيَهَا وَ مَنَازِلَهَا وَ كَذَلِكَ أَنْتُمْ تَدْرُسُونَ الْحِكْمَةَ وَ لَكِنْ لَا يَهْتَدِي بِهَا مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ عَمِلَ بِهَا. وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْكَلِمَةَ مِنَ الْحِكْمَةِ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَ رَفْعُهُ غَيْبَةُ عَالِمِكُمْ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/02/11



كتابة تعليق لموضوع : حكمة الحاكم في القرآن الكريم (ح 3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net