صفحة الكاتب : بوقفة رؤوف

عملية الفيل: محاولة اغتيال مشروع رسالة
بوقفة رؤوف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مقدمة:

           يعتقد الكثير منا أن أول محاولة لاغتيال الرسول صل الله عليه واله وسلم كانت من اليهود قبل البعثة ولا يعلم ان سورة الفيل التي نحفظها جميعنا كلنا ظهرا على قلب لم يكن المستهدف منها البيت الحرام كما جاء في التفاسير بل كانت عملية لأجل اغتيال مشروع رسالة وسنشرح ذلك بالتفصيل في هذه الورقات وسنبدأ بكلام أهل الكتاب على نبوة النبي وبعض صفاته ثم ظهور نجم أحمد فى السماء بعدها سنتكلم عن قصة سلمان الفارسي لنستعرض محاولات اغتيال ثم نسلط الضوء على حادثة الفيل كما جاءت في التفاسير لنتكلم اخرا على عملية الفيل 
مع الإشارة ان هذا الكلام هو سبق لم يتكلم عليه أحد من الكتاب ولا من الباحثين من قبل لك فضل من الله ومنة فله الحمد ابتداء وله الحمد انتهاء وله الحمد بينهما والثناء
كلام أهل الكتاب على نبوة النبي وبعض صفاته:
                                                           من الدلائل والبشائر على نبوته صلى الله عليه واله وسلم قبل بعثته، حديث بعض علماء أهل الكتاب من الأحبار والرهبان بقرب بعثة النبي الخاتم المنتظر، وقد ذكروا بعض صفاته والتي تتطابق مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بما علموه من كتبهم قبل تحريفها. ومن ذلك ما ذكره ابن هشام في السيرة النبوية وصححه الألباني، عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا: "إن مما دعانا إلى الإسلام ـ مع رحمة الله تعالى وهداه لنا ـ لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم. فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزلت هذه الآية:﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الكَافِرِينَ ﴾البقرة:89
وفي كلام هرقل ملك الروم والنجاشي ملك الحبشة (اللذان كانا يدينان بالنصرانية) دليل على علمهما ببعض علامات وبشارات وصفات النبي صلى الله عليه واله وسلم من أحبارهم وعلمائهم، وكتبهم الصحيحة قبل تحريفها، فقد قال هرقل لأبي سفيان: إن كان ما تقول حقاً (في ِذْكر أبي سفيان بعض صفات النبي) فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه (تكلفت الوصول إليه)، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه " رواه البخاري، وفي رواية مسلم: "لأحببت لقاءه". 
أما النجاشي ملك الحبشة، فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية قوله لجعفر رضي الله عنه: "ما يقول صاحبكم (محمد) في ابن مريم؟ قال جعفر: يقول بقول الله فيه: "هو روح الله وكلمته، أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر، ولم يفرضها ولد، فتناول النجاشي عوداً من الأرض ورفعه وقال: يا معشر القسيسين والرهبان، ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ولا وزن هذه .. مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى، امكثوا في أرضي ما شئتم".
وإن مما يؤكد أن اليهود كانوا على علم ومعرفة بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو تصرفهم أبان السبي البابلي، فقد روى أبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بلغني أن بني إسرائيل لما أصابهم ما أصابهم من ظهور بختنصر وفرقتهم وذلتهم تفرقوا، وكانوا يجدون محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبعوثاً في كتبهم، وأنه سيظهر في بعض القرى العربية في أرض ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام جعلوا يتقرَّوْن كل قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب، فنزل بها طائفة منهم، ويرجون أن يلقوا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم فيتبعونه، حتى نزل من بني هارون بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه جاءٍ، ويحثون أبناءهم على اتباعه إذا جاء فأدركه من أدركه من أبنائهم
فكفروا به وهم يعرفونه."
ظهور نجم أحمد فى السماء:
                                   هاجر اليهود والنصارى إلى مكة والمدينة ينتظرون ولادة النبى الخاتم "أحمد" صلى الله عليه وسلم الموجودة أوصافه فى توراة النبى موسى وإنجيل النبى عيسى، عليهما وعلى نبينا محمد السلام، وقد كان يذكر النبى محمد قبل مبعثه باسم "أحمد"، وفى هذا قال تعالى فى سورة الصف: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَى مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِنْ بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ".
وفى شرحه لهذه الآية، قال الإمام ابن كثير: "تعنى أن التوراة قد بشرت بى، وأنا مصداق ما أخبرت عنه، وأنا مبشر بمن بعدى، وهو الرسول النبى الأمى العربى المكى أحمد، فـ عيسى عليه السلام، وهو خاتم أنبياء بنى إسرائيل، قد قام فى ملأ بنى إسرائيل مبشراً بـ "محمد"، وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي لا رسالة بعده ولا نبوة".
وذكرت كتب السيرة والتاريخ أن نجم أحمد هو نجم لامع في السماء، له خصائص تختلف عن غيره من النجوم، وقد عرف به اليهود أن أحمد خاتم الأنبياء قد وُلِدَ، حيث روى ابن إسحاق عن حسان بن ثابت رضى الله عنه قال: "والله، إنى لغلام ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كلَّ ما سمعت، إذ سمعت يهوديًّا يصرخ بأعلى صوته على حصن بيثرب: يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك ما لك؟، قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي وُلِدَ به" رواه الإمام البيهقى وصححه الإمام الألبانى.
قصة سلمان الفارسي: 
                         عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ قَالَ:
كُنْتُ رَجُلا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا جَيٌّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ (أي رئيسها)، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، أَيْ مُلازِمَ النَّارِ، كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَأَجْهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ (أي خادمها) الَّذِي يُوقِدُهَا لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً 
 قَالَ وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ ( أي بستان ) عَظِيمَةٌ ، قَالَ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا فَقَالَ لِي : يَا بُنَيَّ ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا ، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى ، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَكُنْتُ لا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ ، قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ ، وَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا ، فَقُلْتُ لَهُمْ : أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ.
 قَالَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، قَالَ فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ قُلْتُ: يَا أَبَتِ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فَوَاللَّهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ قُلْتُ: كَلا وَاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا. 
قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، قَالَ وَبَعثَتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ. 
قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى، قَالَ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ، قَالَ فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: الأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ. 
قَالَ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ، قَالَ: فَادْخُلْ. 
فَدَخَلْتُ مَعَهُ ، قَالَ فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ ، قَالَ وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ ، فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ ، يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا . قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ 
قَالَ قُلْتُ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ، قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ. 
قَالَ فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، قَالَ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَالَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللَّهِ لا نَدْفِنُهُ أَبَدًا. فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ، قَالَ يَقُولُ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلا لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ وَلا أَدْأَبُ لَيْلا وَنَهَارًا مِنْهُ. قَالَ فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ! إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ، وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ 
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ.
قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ. 
قَالَ فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ اللَّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ 
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلا بِنِصِّيبِينَ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ. وَقَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نِصِّيبِينَ، فَجِئْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي، قَالَ: فَأَقِمْ عِنْدِي. 
فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ! إِنَّ فُلانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلا رَجُلا بِعَمُّورِيَّةَ، فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا.
 قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، قَالَ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ، قَالَ ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ! إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلانٍ، فَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ 
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ ، هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ ( الحرة : الأرض ذات الحجارة السود ) ، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ ، بِهِ عَلامَاتٌ لا تَخْفَى : يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ، فَإِنْ استَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ . 
قَالَ ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ، فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ؟
 قَالُوا: نَعَمْ. فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي ، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي ، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي ، فَأَقَمْتُ بِهَا 
 وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ ، لا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ فُلانُ : قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ ، وَاللَّهِ إِنَّهُمْ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ 
 قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ (برد الحمى) حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي، قَالَ: وَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ: مَاذَا تَقُولُ مَاذَا تَقُولُ؟ 
قَالَ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا ؟! أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ. 
قَالَ قُلْتُ: لا شَيْءَ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا قَالَ. وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ، قَالَ فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ 
 قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ، فَقُلْتُ إِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا
 قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ ، قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ اثْنَتَانِ ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، قَالَ : وَقَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي ، قَالَ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تَحَوَّلْ . فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ وَأُحُدٌ، قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ. فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ (حفرة الفسيلة التي تغرس فيها) وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: أَعِينُوا أَخَاكُمْ. فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ ، الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ وَدِيَّةً ( أي صغار النخل ) ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ ، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ ، يَعْنِي الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا ( أي احفر لها موضع غرسها ) ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ ، فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعِي إِلَيْهَا : فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ ، وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ ، فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ ، مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِي ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ ؟ قَالَ فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ. فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ. قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ. قَالَ فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا، وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ، وَعُتِقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ
رواه أحمد / إسناده حسن. 


محاولات اغتيال:
                      وهي كثيرة وسنذكر منها ما كان في صغره وعند البعثة في مكة وفي المدينة كالتالي:
1 -ما كان في صغره:
              روى ابن سعد في الطبقات بالسند إلى إسحاق بن عبد الله عن أن أم النبي لما دفعته إلى حليمة السعدية لترضعه، أخبرتها بما رأته ساعة ولادته، من أن نوراً عظيماً خرج منها ليضيء قصور الشام، فلما أخذت حليمة النبي ورجعت به إلى قومها، وجدت بعضاً من أحبار اليهود، وكانت تعرف أنهم من أصحاب العلم والتأويل، وأنهم قادرون على تفسير تلك الرؤيا الغريبة، فحدثتهم بها وقالت إنها أم هذا الطفل الرضيع، وإنها حلمت بكذا وكذا، فلما سمعوا كلامها "قال بعضهم لبعض: اقتلوه"، ثم سألوها إذا كان هذا الطفل يتيماً، فكذبت عليهم، وقالت: "لا. هذا أبوه -وأشارت إلى زوجها-وأنا أمّه. فقالوا: لو كان يتيماً لقتلناه". وتضيف الرواية أن حليمة السعدية ابتعدت عن هؤلاء اليهود، وقالت: "كدت أخرّب أمانتي".   

2-المحاولة الحمقاء:
                            يذكر الطبري رحمه الله أنَّ قريشًا حين عرفوا أنَّ أبا طالب قد أَبَى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسليمه لهم مشوا إليه بفتى منهم هو عمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له فيما بلغني: يا أبا طالب! هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدًا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك، هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرَّق جماعة قومك، وسفَّه أحلامنا فنقتله؛ فإنما هو رجل برجل. قال: والله لبئس ما تسومونني، أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني فتقتلونه، هذا والله ما لا يكون أبدًا.
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي: «والله يا أبا طالب! لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلُّص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا». فقال أبو طالب للمطعم: «والله ما أنصفوني».

3- محاولة عقبة بن أبي معيط:
                              يحكي عروة بن الزبير رضي الله عنهما ويقول: سألت عبد الله بن عمرو عن أشدِّ ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «رأيتُ عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُصلِّي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، وقال: أتقتلون رجلًا أن يقول ربِّي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟!» 

4- محاولة أبي جهل لعنه الله:
                               يقول أبو هريرة رضي الله عنه: «قال أبو جهل: يُعفِّر محمدٌ وجهه بين أظهركم؟ -يقصد: يُصلِّي ويسجد-فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته لأطأنَّ على رقبته ولأُعفرنَّ وجهه، فأتى رسول الله وهو يُصلي -زعم ليطأ رقبته-فما فجأهم إلَّا وهو ينكص على عقبيه، ويتَّقي بيديه، فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: إنَّ بيني وبينه لخندقًا من نار وهوْلًا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا»
ويقول أنس رضي الله عنه: «لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّةً حتى غُشي عليه، فقام أبو بكرٍ رضي الله عنه فجعل يُنادي: ويلكم أتقتلون رجلًا أن يقول ربِّي الله؟ فتركوه وأقبلوا على أبي بكر».
وتحكي أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما هذا المشهد فقالت: «جاء الصريخ إلى أبي بكر، فقيل له: أَدْرِك صاحبك. فخرج من عندنا وإنَّ له غدائر، فدخل المسجد وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟!، قال: فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلوا إلى أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئًا من غدائره إلَّا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام!»، فكان أبو بكر من شدَّة الضرب لا يكاد تُعْرَف ملامح وجهه من كثرة الدماء، ولم تكن له جريمةٌ هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا أنَّهما قالا: ربُّنا الله.

 5- محاولة دار الندوى:
                             يقول المؤرِّخ ابن كثير رحمه الله: «... فاجتمعوا له في دار الندوة، وهي دار قصيِّ بن كلاب، التي كانت قريش لا تقضي أمرًا إلَّا فيها، يتشاورون فيما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه، فلمَّا اجتمعوا لذلك -وقد اجتمع فيها أشراف قريش- قال بعضهم لبعض: إنَّ هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، فأجمعوا فيه رأيًا. قال: فتشاوروا ثم قال قائلٌ منهم: إنَّ لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعدُ. قالوا: وما هو؟

قال: أرى أن نأخذ من كلِّ قبيلةٍ فتًى شابًّا جليدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نُعطي كلَّ فتًى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجلٍ واحدٍ فيقتلوه، فنستريح منه؛ فإنَّهم إذا فعلوا ذلك تفرَّق دمه في القبائل جميعها فتفرَّق القوم على ذلك وهم مُجمِعون له...
فلما كانت عتمةٌ من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيَثِبُون عليه، فلمَّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم، قال لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «نَمْ عَلَى فِرَاشِي، وَتَسَجَّ بِبُرْدِي هَذَا الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ فَنَمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام [6]. ونجَّاه الله سبحانه من القتل هذه الليلة، وهاجر إلى المدينة.
 
6- محاولة سراقة بن مالك:
                                     روى سراقة بن مالك رضي الله عنه بنفسه هذا الموقف وقد أورده البخاري رحمه الله في (باب هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم)، فيقول سراقة رضي الله عنه: «جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس.
فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفًا أسودة (أشخاصًا) بالساحل أراها محمدًا وأصحابه، قال سراقة: فعرفتُ أنَّهم هم، فقلت له: إنَّهم ليسوا بهم ولكنَّك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيينا، ثم لبثتُ في المجلس ساعةً ثم قمت فدخلت، فأمرتُ جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة (مكان مرتفع عن الأرض) فتحبسها عليَّ، وأخذتُ رمحي فخرجت به من ظهر (من خلف) البيت، فحططت بزجه (الزج هو الحديدة التي تكون في أسفل الرمح) الأرض، وخفضت عاليه حتى أتيتُ فرسي فركبتها فرفعتها (أسرعت بها السير) تقرب بي (أي تسير سيرًا سريعًا ولكنه أقل من الجري)، حتى دنوت منهم فعَثَرَت بي فرسي فخررت عنها (أي وقعت)، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرُّهم أم لا؟ فخرج الذي أكره..
فركبتُ فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يُكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلمَّا استوت قائمةً إذا لأثر يديها عثان (الدخان من غير نار) ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا، فركبتُ فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقلت له: إنَّ قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يُريد الناس بهم، وعرضوا عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلَّا أن قال «أَخْفِ عَنَّا». فسألته أن يكتب لي كتاب أمن (كتاب موادعة وهدنة)، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعةٍ من أديم (هو الجلد المدبوغ) ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم».

7- محاولة عمير بن وهب الجمحي:
                                              جلس عمير بن وهب الجمحي يومًا في حِجْر الكعبة ومعه صفوان بن أمية، وتذاكرا أصحاب بدر من أهل مكة، واتَّفقوا أن يقوم عميرٌ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يعول صفوان أهله لو حدث له مكروه، ولمـَّا وصل عمير المدينة فدخل المسجد متوشِّحًا السيف، فقام عمر رضي الله عنه فاستأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: «فأَدْخِلْهُ عَلَيَّ»، فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذٌ بحمالة سيفه في عنقه، قال: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ! ادْنُ يَا عُمَيْرُ!». فدنا، ثم قال: أَنْعِمْ صباحًا! وكانت تحيَّة أهل الجاهليَّة بينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ! بِالسَّلَامِ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، قال: أَمَا والله يا محمد! إن كنت بها لحديث عهد، قال: «فَمَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَيْرُ؟» قال: جئتُ لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟» قال: قبَّحها الله من سيوف، وهل أغنت شيئًا.
قال صلى الله عليه وسلم: «اصْدُقْنِي مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟» قال: ما جئتُ إلَّا لذلك.
قال صلى الله عليه وسلم: «بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ القَلِيبِ مِنْ قُرَيْشَ (الذين قُتِلُوا في بدر)، ثُمَّ قُلْتَ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، فَتَحَمَّلَ لَكَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِيَ لَهُ، وَاللهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ». فقال عمير: أشهدُ أنَّك رسول الله، قد كنَّا يا رسول الله! نُكذِّبُك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمرٌ لم يحضره إلَّا أنا وصفوان؛ فوالله إنِّي لأعلمُ ما أتاك به إلَّا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ، وَعَلِّمُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا أَسِيرَهُ» ففعلوا

8- المحاولة الأولى التي قام بها يهود بني النضير
                                                           في العام الرابع من الهجرة، ذكرها محمد بن عمر الواقدي (ت. 204هـ)، في كتاب "المغازي"، إذ قال إن الرسول توجّه مع مجموعة من أصحابه إلى بني النضير ليطلب منهم المساعدة في دفع دية بعض القتلى، وذلك بحسب البنود الواردة في صحيفة المدينة، وإن اليهود أظهروا الموافقة، وقالوا للرسول "نفعل يا أبا القاسم ما أحببت، قد آن لك أن تزورنا وأن تأتينا، اجلس حتى نتشاور ونصلح أمرنا في ما جئتنا به"، فلما جلس الرسول مع أصحابه بجوار أحد المباني، اجتمع حيي بن أخطب، زعيم اليهود، مع كبار قادة قومه وحرّضهم على اغتنام الفرصة لقتل الرسول، وكان مما قاله لهم: "يا معشر يهود قد جاءكم محمد في نفر من أصحابه لا يبلغون عشرة... فاطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت الذي هو تحته فاقتلوه... فإنه إن قُتل تفرق عنه أصحابه، فلحق مَن كان معه من قريش بحرمهم، وبقي مَن كان ها هنا من الأوس والخزرج، فما كنتم تريدون أن تصنعوا يوماً من الدهر فمن الآن...". وبحسب الرواية، أخبر الوحي الرسول بتلك المؤامرة، فخرج ورجع إلى المدينة دون أن يعرف أحد، وبعدها وقعت غزوة بني النضير رداً على تلك المؤامرة، وأُجبر بني النضير على الخروج من المدينة، بينما قُتل حيي بن أخطب بين مَن قُتلوا من رجال اليهود.

9- المحاولة الثانية التي رُوي أن بني النضير قاموا بها لاغتيال الرسول
                                              يذكرها أبو الحسن الواحدي النيسابوري (ت. 468هـ)، في كتابه "أسباب النزول"، في سياق تناوله للآية الثانية من سورة الحشر {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر...}، وذلك عندما يذكر أن سادات قريش بعثوا إلى يهود بني النضير يستنهضونهم لقتال النبي، فلما اجتمع اليهود للتشاور في تلك المسألة، اتفقوا على الغدر بالرسول، وبعثوا إليه أن يخرج مع ثلاثين رجلاً من أصحابه ليجتمع بثلاثين رجلاً من أحبارهم وعلمائهم، ليتشاوروا جميعاً في أمور الدين لعلهم يتحولون إلى الإسلام، ولما تلاقى الجمعان، قال اليهود لبعضهم البعض "كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله؟"، واتفقوا أن يرسلوا إلى النبي ليطلبوا منه أن يخرج إليهم في ثلاثة فقط من أصحابه، على أن يخرج له ثلاثة من كبار علمائهم، "فخرج النبي في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها -وهو رجل مسلم من الأنصار- فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير الغدر برسول الله، فلما كان من الغد غدا –النبي- عليهم بالكتائب فحاصرهم وقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء".                      

10- محاولة تسميم رسول الله:

                                      أن زينب بنت الحارث اليهودية، وهي ابنة أحد زعماء اليهود الكبار الذين قُتلوا على يد المسلمين في خيبر، أرادت أن تنتقم من الرسول، فأحضرت شاة وسممتها "وأكثرت في الكتف والذراع، لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله"، ثم أرسلت بتلك الشاة إلى صفية بنت حيي بن أخطب، والتي تزوجها الرسول بعد غزوة خيبر، فلما دخل الرسول بيت صفية ومعه صاحبه بشر بن البراء بن معرور، قُدمت إليهم الشاة "فتناول رسول الله الكتف وانتهش منها، وتناول بشر عظماً فانتهش منه، فلما استرط (ابتلع) رسول الله لقمته، استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول الله: ارفعوا أيديكم، فإن كتف هذه الشاة يخبرني أني نُعيت فيها".
الكثير من الروايات ذكرت أن أثر السم الذي تناوله الرسول في هذا اليوم تسبب في وفاته، بعد ما يقرب من الأربع سنوات، إذ ينقل محمد بن إسماعيل البخاري (ت. 256هـ)، في صحيحه، عن عائشة بنت أبي بكر، أن النبي كان يقول لها في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري -شريان في الجسم- من ذلك السم". ولهذا، ذهب كثيرون من الصحابة إلى القول بأن الرسول توفي مقتولاً، وإن وفاته لم تكن وفاة طبيعية، وممّن يُحكى عنه ذلك الصحابي عبد الله بن مسعود، إذ ورد عنه قوله "لأن أحلف تسعاً أن رسول الله قُتل قتلاً أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يُقتل، وذلك أن الله عز وجل جعله نبياً واتخذه شهيداً"، وذلك بحسب ما يذكر أحمد بن حنبل (ت. 241هـ)، في مسنده.

11- محاولة المنافقين في غزوة تبوك:
                                                  وردت قصة مؤامرة العقبة في العديد من المصادر التاريخية الإسلامية، ومنها على سبيل المثال كل من صحيح مسلم بن الحجاج (ت. 261هـ)، وتاريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري (ت. 311هـ)، والكامل في التاريخ لابن الأثير (ت. 630هـ).
بحسب هذه المصادر، لمّا خرج الرسول لقتال الروم وحلفائهم في شمال شبه الجزيرة العربية، وجد أن جيش الروم وحلفائهم تفرّق ولم يثبت للقتال، فرجع الرسول بمَن معه إلى المدينة. ولمّا وصل المسلمون إلى مكان يسمى بالعقبة، وهو على طريق تبوك-المدينة، وجدوا أن أمامهم وادياً واسعاً، وبجواره ممر جبلي ضيق، لا يتسع إلا لعدد قليل من المسافرين، ولهذا أمر الرسول المسلمين جميعاً بالمرور من الوادي، بينما اتّخذ هو طريق العقبة، واصطحب معه كل من حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر.
بحسب المصادر، أرسل الرسول من قبله منادياً فنادى في الجيش "إن رسول الله يريد أن يسلك العقبة فلا يسلكها أحد واسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله العقبة"، وفي أثناء مرور الرسول بالعقبة، اجتمع 12 رجلاً ملثماً من أفراد الجيش، واتفقوا مع بعضهم البعض على قتل الرسول، وذلك من خلال صعود العقبة ورمي بعض الأحجار على دابته حتى تنفر وتسقط من فوق الجبل.
تُستكمل الرواية بأن جبريل أخبر الرسول بتفاصيل تلك المؤامرة، وأنه لما اقترب هؤلاء المتآمرون من دابة الرسول، بادر حذيفة بن اليمان بضرب دوابهم بعصاه، فهربوا بسرعة وقد خافوا من انكشاف أمرهم.
وتذكر المصادر أن الرسول أخبر حذيفة بأسماء هؤلاء الرجال، وأخبره بأنهم من المنافقين الذين يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فلما سأله حذيفة عن سبب عدم قتلهم، رد عليه الرسول "أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إنّ محمداً وضع يده في أصحابه".

حادثة الفيل:

             استولى أبرهة الأشرم على ملك اليمن، فانتقل الملك بذلك من حمير إلى الحبشة إذ استولت الحبشة على اليمن بقيادة أرياط وأبرهة بن الصباح، واستلبوا الملك من حمير، ثم اختلف الأميران، وتصاولا وتقاتلا إلى أن اتفقا على المبارزة فيما بينهما؛ ليستقل أحدهما بالملك (فتبارزا وخلف كل واحد منهما فتاه، فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه، وشق وجهه، وحمل عَتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله، ورجع أبرهة جريحاً، فداوى جرحه فبرئ واستقلّ بملك اليمن. فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ويتوعده وحلف ليطأنّ بلاده وليتجزَّنَّ ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترفّق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف وبجراب فيه تراب اليمن، وجزّ ناصيته وأرسلها معه ويقول في كتابه: ليطأ الملك على هذا التراب فيبرّ قسمه، وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك، وأنا عبد الملك، فلما وصل ذلك إليه أعجبه ورضي عنه وأقرّه، ثم إن أبرهة رأى الناس يتجهزون أيام
الموسم للحج إلى بيت الله الحرام فسأل: أين يذهب الناس؟ فقيل له: يحّجون إلى بيت الله بمكّة.
 قال: ما هو؟ قالوا من حجارة؟ قال: فما كسوته؟ قالوا: ما يأتي من هنا وهنا من الوصائل. قال: والمسيح لأبنيّن لكم خيراً منه
فبنى لهم كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء مزخرفة الأرجاء، فسمتها العرب القُلَيس لارتفاعها لأن الناظر إليها، يكاد تسقط قلنسوته عن رأسه لارتفاع بنائها
ثم كتب أبرهة إلى النجاشي: أنه بنى له كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك، وسأصرف إليها حج العرب. وتناها ذلك إلى مسامع العرب فغضب رجل من النّسأة (وهم الذين كانوا ينسؤون الشهور على العرب في الجاهلية، فيحلون الشهر من أشهر الحرم ويحرمون مكانه). فذهب إلى الكنيسة، فأحدث فيها، وعاد إلى بلده، فعلم بذلك أبرهة، وسأل عن الفاعل، فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت.
فغضب أبرهة وحلف أنه سيسير إلى البيت و يهدمه، وبعث رجلاً إلى قبيلة الرجل الذي أحدث في الكنيسة قبيلة بني كنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة، فقتلت بنو كنانة الرجل الذي بعثه أبرهة فزاده ذلك حنقاً وغضباً، وأمر الحبشة أن يجهزوا وسار ومعه الفيل متوجهًا صوب البيت الحرام، وسمعت بذلك العرب فرأوا قتاله حقّاً عليهم فقاتلوه بقيادة ذو نفر وهو من أشراف أهل اليمن وملوكهم، وانتصر أبرهة وأسر ذا نفر ثم مضى أبرهة لما عزم عليه في هدم الكعبة، فلما كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي خثعم: شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب، فهزمه أبرهة وأسره ثم خلى سبيله، وأخذه معه دليلاً للوصول إلى البيت.
وحين مرّ بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف فقالوا له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون، وليس لك عندنا خلاف وليس بيتنا البيت الذي تريد، أي بيت اللات، إنما تريد البيت الذي بمكة، ووعده بإرسال من يدله عليه، فبعثوا له أبا رغال حتى أنزله بالمغمّس، فمات أبو رغال، فرجمت العرب قبره، ومن المغمّس بعث أبرهة رجلاً من الحبشة إلى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرها، ومنها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم سيد مكة، ففكرت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتال أبرهة، فلما علموا بقوته عدلوا عن فكرة القتال، فبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ليسأل عن زعيمها، ويبلغه أن الملك يقول: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لي بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يرد الحرب فأتني به.
ولما دخل حناطة مكة وسأل عن شريفها وسيدها قريش، فقيل له: عبد المطلب بن هاشم، فجاءه وأبلغه بقول أبرهة، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك معه طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام، فإن يمنعه فإنه حرمه وبيته، وإن يحلّ بينه وبينه فما لنا والله دفع عنه. 
فقال له حناطة: فانطلق إليه، فإنه أمرني أن آتيه بك.
فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى المعسكر فسأل عن ذي نفر وكان صديقًا له، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له: هل عندك من عناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر: ما عناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوّاً أو عشياً، ما عندي عناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيس سائس الفيل صديق لي، فأرسل إليه، وأوصيه بك، وأعظّم عليه حقّك واسأله أن يستأذن لك على الملك، فكلّمه مما بدا لك ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك. فقال: حسبي، فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له: إن عبد المطلب سيد قريش، وصاحب عين مكة، ويطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن عليه، وانفعه عنده ما استطعت، فقال: أفعل، فكلّم أنيس أبرهة فقال له: أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عين مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فأذن له عليك فيكلمك في حاجته. قال: فأذن له أبرهة، وكان عبد المطلب أوسم الناس، وأعظمهم، وأجملهم، فلما رآه أبرهة أجلّه وأعظمه من أن يجلسه
تحته فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه.
ثم قال لترجمانه: قل له حاجتك؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال: حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟!.
قال له عبد المطلب: إني أنا ربّ الإبل وإن للبيت ربّاً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منيّ.
 قال: أنت وذاك، فرد عليه إبله، وانصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرّز في شَعَف الجبال والشّعاب خوفاً عليهم معّرة الجيش، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده.
قال ابن إسحاق: ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فيتحرّزوا فيها ينظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه، وكان اسم الفيل محمودًا، وأبرهة مجمع لهدم البيت ثم الإنصراف إلى اليمن فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه فقال: ابرك أو ارجع راشدًا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل، وخرج يقبل يشتدّ حتى أصعد في الجبل، و ضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا رأسه بالطبرزين (آله معقوفة من حديد) فأدخلوا محاجن له (المحجن: عصا معوجة قد جعل فيها حديد) في مراقّه (أسفل بطنه) فبزغوه (أدموه) بها فأبى، فوجّهوه راجعاً إلى اليمن فقام مهرولا،ً ووجّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف (الخطاف: طائر أسود) والبلسان (الزرازير) مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره  وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحداً إلا هلك وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا يتساقطون بكل طريق، و يهلكون بكل مهلك على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده فمات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم فتح مكّة: إن الله حبس عن مكّة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمته اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب.
 

عملية الفيل:
                  بعد ان قرأنا حادثة الفيل لنطرح بعض الأسئلة الموضوعية في سياق القصة وليس الهدف من هذه الأسئلة التشكيك في رواية بل لتسليط الضوء على نقاط غامضة منها ولنحاول الوصول الى باطن القصة وعدم الاكتفاء بظاهرها، لنعيد التأكيد الحادثة نعم وقعت ولا نشكك في وقوعها وهي حدثت زمن ولادة الرسول صلى الله عليه واله وسلم الذي ولد في عام الفيل. 
ولا نتفق مع بعض المؤرخين الذين نفوا حدوثها في مكة في ذلك التاريخ وقالوا ان الحادثة كما جاءت في سورة الفيل لم يحدد مكان ولا زمان لها وهي قد حدثت في زمان ومكان اخر. 
أولا:
       ابرهة الحبشي نصراني يدين بدين المسيح عليه السلام هناك احتمالين
الاحتمال الاول هو انه نصراني موحد معنى ذلك انه يؤمن برب عيسى ورب إبراهيم عليهما السلام وبالتالي من غير المعقول ان يحاول هدم الكعبة لأنها بيت إبراهيم ومعبد الرب.
الاحتمال الثاني ان ابرهة نصراني يؤمن بالثالوث وإذا اعترض على الناس انها تحج الى الكعبة فهو لا يشيد بناء ينافسها لتحج الناس اليه في اليمن فالحج عند المسيحية حتى المحرفة يجب ان يكون الى مكان مقدس مبارك ذكر في الاناجيل وفي فلسطين توجد كنائس في القدس وفي بيت لحم مقدسة وكذلك في مصر فالمفروض ان يعمل على ان يكون الحج اليها. 
ثانيا:
        كانت الكعبة وقتها تحيط بها الأصنام والتماثيل الحجرية ولكل فرع وبطن وقبيلة إله تعبده، معنى ذلك ان كان ابرهة الحبشي موحد بالله فهو سيأتي ليدمر التماثيل ويطهر الكعبة بيت الرب
وان كان يؤمن بالثالوث فلا يهم امر شرك العرب فهو يؤمن بان لله ابن وهم يؤمنون بان لله مساعدين يقربونهم اليه اذن فكلاهما في الكفر سواء
    ثالثا:
         فيل ابرهة، الفيل الأول في المعركة أو فيل القائد اسمه محمود، اليس هذا الاسم غريب كثيرا وليس قليلا؟
الفيل بيئته ليست عربية، لو كانت بيئته عربية لقلنا انه يمكن ان يسمى باسم عربي
الفيل ليس في جيش عربي بل جيش حبشي فكيف يكون اسمه محمود؟
اسم محمود حتى عند العرب نادرا جدا قبل البعثة وان كان هناك ذكر لهذا الاسم فسيكون يتداول كنبوءة عن نبي اخر الزمان اسمه مشتق من الحمد: محمد، أحمد، محمود
رابعا:
       ابرهة لم يقم بهذا الفعل من تلقاء نفسه نحن كمسلمين نؤمن بان الشيطان يوسوس للإنسان ليقوم بالأعمال الشريرة، الشيطان يوسوس لأجل أفعال تعود بالنفع على الشر وتعود بالضرر على الخير، وقتها كانت الكعبة معبد وثني وليس رمز للتوحيد معنى ذلك انه لا يشكل خطر على الشيطان ولا على الشر.
الشيطان يدافع عن التحريف أكثر مما يدافع عن الحرام فالحرام بيّن يستطيع الانسان التوبة عنه لكن تحريف دين إبراهيم بشعائره وتقوم بطقوس وثنية باسم الدين معنى ذلك أنك تعطي للحرام شرعية دينية وتأمن ان يحارب ومهمة أي شيطان انسي او جني ان يدافع عن الوثنية ويحميها وليس العكس فيوسوس لملك لأجل هدمها وتدميرها لأن وقت الخطر قد يلجأ أهل مكة لله الواحد الأحد ويبرؤون من اصنامهم التي لا تنفع ولا تضر ولم تسطع الدفاع عن نفسها فما بالك عمن يعبدها.

خامسا:
         المعجزة الإلهية، هي ان ينتصر الله عز وجل لدينه ولرسوله ولعباده الصالحين، هنا مجتمع وثني يعبد اصنام تحيط بالكعبة مجتمع يشرك بالله، فكيف ينصره الله ويدافع عنه ويهلك العدو الذي قدم لأجل سحقه؟
ولنفرض ان هذا حصل اليس من المفروض ان اهل مكة بعد ان شاهدوا اصنامهم وحجارتهم عجزت عن حماية نفسها وحمايتهم وان الله عز وجل تدخل لأجل حمايتهم وأرسل جنده فأبدوا عدوهم وهم يتفرجون 
ألم يحرك ذلك فطرتهم ويجعلهم يتوبون لله عز وجل ويتحولون من الشرك الى التوحيد خصوصا ان فيهم بعض الحنفية والحنفاء؟

سادسا:
         أكبر خطر يهدد معسكر الشر وحزب الشيطان هو الرسول الخاتم سيد الأنبياء والمرسلين لأن اسمه مقرون في التشهد باسم المولى عز وجل فلا يقبل اسلام حتى تعترف وتقر برسالة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم فتقول: أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله 
ولأن اسمه نقش على العرش فقد ورد في الأخبار بألفاظ مختلفة عند الطبراني والحاكم وغيرهما: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه قال: يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليّ ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك. 
سابعا:
          سعي ابليس بالتحريض العلني وليس الوسوسة فقط لأجل قتله صلى الله عليه وسلم لأنه يعرف ويعلم انه شفيع الامة وانه نور الله ورحمة الله لعباده فعن عبد الله بن عباس، قال: لما اجتمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة، فاعترضهم إبليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفًا على بابها قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد، سمع
بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يعدمكم منه رأياً ونصحاً، قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم.
ثامنا:
﴿ وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم، وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم. فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه، وقال: إني بريء منكم، إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب. ﴾ 
روى مالك في الموطأ: أن رسول الله صلى الله عليه وسمل قال ما رئي إبليس يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة، وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب، إلا ما رأى يوم بدر «! قالوا: يا رسول الله وما رأى يوم بدر ? قال: " أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة «. 
وروى الطبري: عن ابن عباس قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه راية، في صورة رجل من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم. فقال الشيطان للمشركين: " لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم «. فلما اصطف الناس أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين، فولوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه، وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده فولى مدبراً هو وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة، تزعم أنك لنا جار ؟ قال: اني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب وذلك حين رأى الملائكة. 
تاسعا:
          في الحروب الكبرى وفي المعارك المصيرية و في الاستراتيجية الحربية وفي إدارة الصراع هناك مبدأ يتفق عليه الجميع وهو القضاء على أي تهديد محتمل قبل أن يشكل خطورة، قبل ان ينموا ويتضخم ويسهل سحقه معنى ذلك بدل ان تنتظر بيضة التنين تفقس ويخرج التنين وينموا ويصبح قوي وخطره يصيب الجميع وضرره يعم على الكل ولا تستطيع الرماح اختراق جلده ولا السيوف اصابته والنار التي يقذفها من فمه تحرق وتدمر كل شيء 
حتى تتجنب كل هذه الاضرار والخسائر يجب عليك ان تسحق التنين وهو مازال في البيضة لم يخرج بعد.
هذه الاستراتيجية ليست جديدة فقد طبقها فرعون من قبل حين كان يقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل لأجل القضاء على تهديد محتمل من رسول لم يظهر بعد يطيح بملكه
ان علامات وامارات ونبوءات عام ميلاد سيد البشر والقاضي على الشر كانت محددة ومعروفة لشياطين الانس وشياطين الجن لذلك كان الاتفاق على القيام بعملية لأجل قتله وهو رضيع أو قتل امه وهي حامل به أو قتل امه قبل ان تنجبه وبذلك تنجح محاولة التخلص منه ومن خطره على الشر في العالم
هذه العملية الحربية ما دام لا يملك معسكر الشر اسم عائلته بالتالي لن تكون مجرد عملية اغتيال سرية سيتم الهجوم على البلدة وقتلهم لكن لا يجب ان يعلن الهدف فالعملية علنية لكن القصد سري حتى لا يتدخل الصالحون ويتم تهريب العائلة عائلة سيد وخاتم الأنبياء والمرسلين
سيعلن ان العملية لأجل تهديم بيت الله وبيت الله لا يحتاج لجيش لان مكة لم يكن لها جيش نظامي، الجيش النظامي جاء لأجل احتلال مكة وسحق كل من فيها خاصة النساء والأطفال الرضع لأنهم هم مصدر الخطر الذي سيظهر منه الرسول الخاتم
عاشرا:
مجتمع مكة هل كان مجتمع مؤمن صالح يعظم الكعبة عبادة أم انه كان يعظمها لأجل اعتبارها موردا اقتصاديا حين نرى حالتهم كما وصفها جعفر بن ابي طالب في كلمته حين قال للنجاشي:
أيها الملك! كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، يأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل إلينا نبيا ورسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم ، والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام والحج من استطاع إليه سبيلا قالت : فعدد عليه أمور الإسلام ، فصدقناه ، وآمنا به واتبعناه على ما جاء به ، فعبدنا الله وحده .
معنى ذلك ان اهل مكة كمجتمع لم يكن لهم رابط بالحنفية ولا بدين إبراهيم عليه السلام ولا بالتوحيد بل كانوا اهل شرك وصفات جاهلية لخصها جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه
فلم يكونوا يشكلون خطر على ملك ابرهة ولا على دين ابرهة لا هم ولا الكعبة التي كانت تحيط بها الاصنام ويطوفون بها عراة
الذي يشكل خطر وتهديد هو مولد خاتم الأنبياء والرسل وسيدهم لذلك يجب ان يتم تصفيته والقضاء عليه
الإشكالية هنا انه لا يعرف ولا تعرف عائلته وبالتالي يجب القضاء على اهل البلدة في وقت ظهوره حتى يتم القضاء عليه
وقت ظهوره باليوم والشهر غير معروف، المعلوم فقط هو العام الذي سيلد فيه وبالتالي فعملية القضاء عليه تكون في العام الذي يلد فيه
العملية يجب ان يكون لها اسم رمزي وكل عملية عسكرية او حملة حربية لها اسم، اذن لنسميها الفيل لأن الفيل يسحق أي شيء يعترضه لأن الفيل يسحق عدونا 
ترجمة اسم الهدف من اللغات القديمة مشتق من الحمد أسهل اسم اشتقاقي هو محمود اذن لنسميها عملية الفيل محمود
لنرجع الان لسورة الكريمة سورة الفيل 
أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ (1) أَلَمۡ يَجۡعَلۡ كَيۡدَهُمۡ فِي تَضۡلِيلٖ (2) وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ (3) تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ (4) فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۭ (5)

معسكر الشر، حزب الشيطان، هذا الجيش الذي أراد الزحف على بلدة مكة بحجة انه يريد تهديم الكعبة وأسمى العملية باسم عملية الفيل او عملية الفيل محمود
لا يشترط ان يكون هناك في الحقيقة فيل، بعض المؤرخين ذكروا انه استحالة ان يكون هناك خط سير للفيل من اليمن الى الكعبة في منطقة صحراوية قاحلة جرداء خصوصا ان الفيلة لا تستطيع تحمل المناخ الصحراوي وهي لا تعيش فيه
السورة الكريمة واضحة تكلمت على أصحاب الفيل ولم تتكلم على الفيل غياب الفيل عن الواقع لا يؤثر في المشهد فقد جاء في القران:
أصحاب الجنة: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٨٢ البقرة﴾
أصحاب النار:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٣٩ البقرة﴾
أصحاب الجحيم:
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴿١١٩ البقرة﴾
أصحاب السبت:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴿٤٧ النساء﴾

أصحاب الأعراف: 
  وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا    كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴿٤٨ الأعراف﴾
فأصحاب الفيل هنا لا يعني بالضرورة اصطحابهم للفيل في معركتهم
لقد جاءت العملية لأجل اغتيال النبوة في مهدها قبل ان ينتشر نورها ويملأ الأرض وتدخل الله عز وجل بجنده لأجل حماية سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم
وأرسل طيرا أبابيل ترمي هذا الجيش الشيطاني بحجارة من سجيل، ترجمهم رجما حتى جعلتهم اثرا بعد ان كان عين، حتى سحقتهم سحقا 
هو درس لمعسكر الشر، لحزب الشيطان، ان الله كاف عبده وناصره وهو في عين رعايته ورحمته حتى قبل ميلاده
هو في حفظ الله وألطافه وهو بين الصلب والترائب الى ان تقوم الساعة
لم يتكلم الله عز وجل في سورة الفيل عن المقصود من الهجوم عن المستهدف من العملية لقد تكلم عن الجيش المعتدي أصحاب الفيل، الفيل كرمز للقوة كيف أصبح مصير أصحاب القوة؟
الفيل رمز لسحق كل من يعترضه أصحابه أصبحوا هم المسحوقين 
خطتهم فشلت، خطتهم السرية وهي سحق النبوة قبل بزوغ نورها وليست العلنية بتدمير الكعبة، فالكعبة بيت من الحجارة ضرب بالمنجانيق وحطمه السيل كم من مرة وسرق الحجر الأسود منه لسنوات ولم تحدث أي معجزة تحميه او تنتصر له 
فالناصر والحامي والحافظ ينصر عبده ورسوله ويحميه ويحفظه قبل ولادته وفي مختلف أطوار حياته وحتى بعد أن يقبض روحه يحفظ روضته الشريفة في المدينة.


الخاتمة:
           ان حادثة الفيل معجزة ربانية بكل المقياس جاءت حماية وانتصارا لسيد البشر وخاتم الأنبياء والمرسلين لأجل حمايته وحماية اهله قبل ولادته حتى يلد في امن وامان وينمو ويكبر في ضل الرعاية الربانية.
الطير الأبابيل جاءت لتحمي الرسالة الخالدة بحمايتها لأبوي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسحقها للقوة الضاربة التي جاءت مكة لتنفذ عملية الفيل 
فأصبحت عبرة. 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بوقفة رؤوف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/03/04



كتابة تعليق لموضوع : عملية الفيل: محاولة اغتيال مشروع رسالة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net