صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

في ظلال طوفان الأقصى "58" مكاتبُ التحويل المالية تغتصبُ أموالَ أهل غزة
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الجريمة التي ترتكبها مكاتب التحويل المالية، العربية والفلسطينية، في قطاع غزة جريمةٌ كبيرةٌ، لا يمكن السكوت عنها أو القبول بها، ولا ينبغي الموافقة عليها أو تمريرها، فهي خيانةٌ وطنيةٌ، وجريمةٌ ضد الإنسانية، ولعلها كفرٌ وخروج من الملة، فليس مسلماً من يأكل أموال الأيتام، ويغتصب حقوق المحاصرين، وليس عربياً من يتآمر مع العدو ويشترك معه في جرائمه، ويتوافق معه في سياسته، وليس إنساناً ولا ينتمي إلى البشر، من يطمع في كسرة خبز طفلٍ، أو نزع ضمادة جريحٍ، أو حرمان رضيعٍ من الحليب، أو تجويع أسرةٍ وتجفيف قدورها وإطفاء نيرانها، لرغبةٍ منه في تكديس المزيد من الأموال، وجمع الكثير من المدخرات.

جريمة أصحاب مكاتب التحويل المالية، التي تبغي الربح الكبير وتتوخى الكسب الحرام الممنوع، وتمتص دم الفقراء وتنهب أموال المتبرعين، وتغتصب حقوق الغلابة والمساكين، المحرومين المحاصرين، الصائمين قبل الصيام، والجائعين كل الأيام، لا تقل خطورةً عما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي ضد أهلنا المحاصرين فيه، الذين يتعرضون لعمليات القتل اليومية الممنهجة، وسياسات التجويع المقصودة، فهذا العدو يريد قتلنا بالجملة بطائراته ودباباته، أو يعمل على تجويعنا ليمارس ضدنا القتل البطيء بلا رحمة، ولعله يعلم أن الجوع ذلٌ، وأن الحاجة تكسر، وأن الجوع لا يقرص البطون فقط، وإنما يذل الهامات ويحني الرؤوس.

ما تقوم به مكاتب التحويل المالية يشبه تماماً ما يقوم به العدو الإسرائيلي، بل لعلهم ينفذون سياسته، ويطبقون خطته، ويسهلون عليه مهمته، فهو إن لم يكن قادراً على سلب أموال الناس وسرق خيراتهم، ومنع العرب والمسلمين من التضامن مع إخوانهم الفلسطينيين، فهو يسلط عليهم شرذمة قليلة من التجار الجشعين، ورجال الأعمال الفاسدين، وأصحاب المكاتب المالية التي لا تعرف ديناً ولا تلتزم خلقاً، ولا يهمها سوى جمع المال وتكديس الثروات، ولو على حسابِ شعبٍ يموت، وأطفالٍ يتضورون، ونساءٍ قد أوهى الجوع أجسادهن وأذهب قواهن، ورجالٍ اسمرت سحناتهم، وتغضنت جلودهم، وقد ربطوا على بطونهم أكثر من حجرٍ علهم يسكتون به جوعهم، وينسون به ألمهم.

 

تعمد مكاتب التحويل المالية إلى اقتطاع نسبة كبيرة من أموال المتبرعين والأهل المغتربين، تحت مسمى "العمولة" أو "كلفة التحويل"، وهو أمرٌ متعارفٌ عليه ومقبول، ولا يعترض عليه المستفيدون ولا يجادل بشأنه المتبرعون، فهذه خدمة كبقية الخدمات يلزمها رسوم وتكاليف مقبولة، لكن أن تصل نسبة الخصم 15-20% من قيمة الحوالة المالية، فهذ جريمة كبيرة، وخيانة وطنية، وهي من الكبائر التي لا تغتفر، والجرائم التي لا يعفى عن فاعلها ولا يغفر لمرتكبها أبداً، أياً كانت نيته وجهده، ومهما بلغ عمله وخدماته.

 

لا تتوقف مكاتب التحويل عند جريمة الخصم غير المنطقي، والعمولة الكبيرة غير المبررة، التي ربما يشاركهم فيها تجارٌ إسرائيليون، بل تلجأ إلى تسليم المواطنين الفلسطينيين في غزة حوالاتهم التي يتعمدون تأخيرها، ويذلون أصحابها والمستفيدين منها في طوابير طويلة، بالشيكل الإسرائيلي، وليس بالعملة التي تم بها التحويل، بل بالعملة الإسرائيلية، وبسعر التصريف الذي يروق لهم ويناسبهم، رغم أن أسعار الصرف معروفة ومعلنٌ عنها.

 

إلا أن التجار الذين يتحكمون في الأسواق، يفرضون شروطهم، ويطبقون سياستهم، ولا يلتزمون بأسعار النشرة المالية، ولا يعيرون المعترضين اهتمامهم، بل يردون عليهم "يلي ما بدوش ما يلزموش"، و"يلي مش عاجبه ما يحول"، و"مش عاجبك شوف مكتب آخر"، وغيرها من العبارات الفوقية، والكلمات القاسية المؤذية، لعلمهم أنه لا يوجد غيرهم، ولا يستطيع أحدٌ أن يقوم مقامهم ويؤدي الخدمات المالية مثلهم.

 

تعلم مكاتب التحويل المالية، العربية والفلسطينية، أنه لا خيار أمام الفلسطينيين، ولا سبيل آخر أمامهم، بعد أن دمر العدو بيوتهم وسرق أموالهم، واستنزف مقدراتهم ومدخراتهم، ولا يوجد عندهم مصادر دخل غير ما يأتيهم من أهلهم المغتربين، أو من العرب والمسلمين المتبرعين، سوى أن يخضعوا لها ويدفعوا لها العمولة التي تحدد، ويقبلوا بالنسبة التي تفرض.

لهذا يجب على كل قادرٍ وصاحب سلطةٍ، العمل بكل السبل الممكنة لمحاربة هذه الظاهرة والحد منها، وعدم الخضوع لها والتسليم بها، وفضح العاملين فيها والمخططين لها، ومعاقبة المخالفين والمتجاوزين بأشد العقوبات الممكنة، الذين يتعمدون ارتكاب هذه الجرائم التي تخدم الكيان الصهيوني وتصب في أهدافه، وتحقق غاياته وتلبي رغباته، وتلحق أبلغ الضرر بالشعب الفلسطيني المحاصر المُعَنَّى المعذب.

فهولاء التجار الجشعون الشرهون المحتكرون الفاسدون المجرمون، الذين يفتقرون إلى الأخلاق والقيم، ولا يتميزون بالشهامة والنبل، يجب أن يحاربوا كما يحارب العدو، فهم لا يحاربون الشعب الفلسطيني فقط في قوته ولقمة عيشه، ولا يسرقون أموال المتبرعين ولا ينهبون أموال اليتامى والأرامل والجرحى والشهداء، إنما يأكلون الربا ويستحلون الحرام ويحاربون الله ورسوله، فعليهم أن ينتهوا عن جريمتهم، ويتوفقوا عن سرقاتهم، وأن يتوبوا ويعيدوا للناس أموالهم، ويحفظوا حقوقهم، وإلا فليأذنوا بحربٍ عليهم من الله ورسوله، " فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ".


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/03/31



كتابة تعليق لموضوع : في ظلال طوفان الأقصى "58" مكاتبُ التحويل المالية تغتصبُ أموالَ أهل غزة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net