صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح36
حيدر الحد راوي

 سورة آل عمران

بسم الله الرحمن الرحيم 
 
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{26} تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ{27}
توجه الايتين الكريمتين المؤمنين بما يجب ان يقولوا ويؤمنوا به , حيث تذكران من جملة ذلك : 
1- (  قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ) : ينبغي للمؤمن ان يعترف قلبا وقالبا ان الله تعالى المالك المطلق لكل الموجودات . 
2- (  تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء ) : بما ان الله عز وجل المالك المطلق , فله وحده الحق ان يعطي لمن يشاء . 
3- (  وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء ) : كما ان له ان  يسلب و ينزع أي شيئا ممن يشاء جل وعلا . 
4- (  وَتُعِزُّ مَن تَشَاء ) : العزة له وحده جل وعلا , فله ان يعزّ من يشاء من عباده . 
5- (  وَتُذِلُّ مَن تَشَاء ) : وله جل وعلا ان يذل من يشاء من خلقه . 
6- (  بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) : حيث لا يأتي من الله عز وجل غير الخير , وما ينفع الموجودات , اما الشر فيصدر من المخلوق . 
7- (  إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) : كما ويجب ان يعترف المؤمن بقدرته عز وجل على كل شيء , فلا يعجزه شيء سبحانه وتعالى . 
8- (  تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ ) : يدخل الليل في النهار , فيطول الليل , ويقصر النهار , حيث لا يستطيع احد فعل ذلك , سوى الله جل وعلا . 
9- (  وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) : ويدخل النهار في الليل , فيطول النهار , ويقصر الليل , وحده جل وعلا القادر على ذلك . 
10- ( وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) : كخروج الطائر الحي من البيضة , او ولادة الانسان من النطفة , فلا يتمكن من ذلك احد سوى الله تعالى . 
11- (  وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ) : والعكس بالعكس , وقد تندرج الكثير من المضامين العلمية والفلسفية في هذا النص , حيث لا يستطيع فعل ذلك والقيام به سوى الله جل وعلا . 
12- (  وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ) : وحده عز وجل القادر على فتح ابواب الرزق على مصراعيها لمن يشاء , وهنا تختتم الايتين الكريمتين .                                     
 
لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ{28}
تنهى الاية الكريمة ان يتخذ المؤمن وليا بالمحبة والنصرة وتولي الامور من غير المؤمنين , فتوجب ان يكون وليّ المؤمن مؤمن اخر لا غير ذلك . 
كما وتعرج الاية الكريمة على موضوع التقية , فتوجب على المؤمن ان يحفظ نفسه وماله وعرضه من التلف و الاخطار , فلا يكون اثما عند ذلك .  
يلتفت المتامل الى  تحذير من نوع خاص , ورد  في هذه سورة المباركة مرتين , ولم يرد في غيرها من سور القران الكريم , (  وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) , ومن ثم تختتم  الاية الكريمة  بـ (  وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) , حيث ان مصير كل الموجودات عائد اليه جل جلاله . 
 
قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{29}
الاية الكريمة في محل تنبيه وتذكير للمؤمنين , فتثبت علمه عز وجل بما في الضمائر , ومنها تبرير موضع التقية , وهو شأن خفي , وتثبت علمه بالظواهر ( وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ) , ثم تعرج لتختتم ببيان قدرته عز وجل على كل شيء .           
 
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ{30}
تذكر الاية الكريمة جانبا من جوانب يوم القيامة , حيث ان كل نفس ستجد امرين : 
1- كل عمل خير قام به , فتناله الفرحة , ويغمره السرور . 
2- كل عمل سوء فعله , فيحزن وتفارقه علامات السرور , ويود لو ان بينه وبين عمله زمن بعيد , الجدير بالذكر ان الذنب ذنب مهما طالت المدة , فيبدو ان الـ (  لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) اشارة الى كثرة الحسنات والاستغفار بعد حصول الذنب , فمما يبعد المسافة بين العبد وذنبه كثرة الحسنات والاستغفار .   
                      *************************** 
مما يلفت النظر , قوله عز من قائل (  وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) , ويأتي بعدها مباشرة ختام الاية الكريمة بـ (  وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ) , هذا موضوع واسع  للتأمل !! . 
 
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{31}
قيل ان المشركين قالوا للرسول الكريم محمد (ص) , نحن نعبد الاصنام ليقربونا بمحبتهم الى الله , فتخاطب الاية الكريمة الرسول الكريم (ص) ان يبطل حجتهم بأتباعه . 
يلتفت المتأمل الى امر طريف , ان كل من اتبع ما جاء به النبي الكريم (ص) , يكون مستحقا لامرين :  
1- محبته عز وجل . 
2- المغفرة لكافة الذنوب .  
 
قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ{32}
اكدت الاية الكريمة السابقة , ان من يتبع الرسول الكريم سيكون محلا لمحبة الله عز وجل , فأتت هذه الاية الكريمة تؤكد ان محبته عز وجل للذين يطيعونه ويطيعون الرسول , واما من يعرض عن ذلك فلا ينالون الا العكس ! . 
 
إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ{33}
تذكر الاية الكريمة ان الله عز وجل اختار (  آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ ) , من الثقلين ( الجن والانس ) , وجعل نسل النبوة فيهم , وفضلهم على اهل زمانهم , واختار منهم الرسول الكريم (ص) وسلالته مفضلين الى يوم القيامة . 
 
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{34}   
الاية الكريمة في مورد المدح لهذه السلالة الطاهرة , فتأمل ان يكون المادح الله جل جلاله !. 
 
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{35}
الاية الكريمة في مورد ضرب المثل لتلك السلالة الطاهرة , وكانت امرأة عمران خير مثالا يحتذى , فتأمل ايمانها وتوكلها على الله عز وجل , حتى انها نذرت ما في بطنها خالصا لخدمته جل وعلا في بيت المقدس . 
 
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{36}
تذكر الاية الكريمة , ان المولود كان انثى , بينما كانت امرأة عمران تتمناه ان يكون ولدا , كي يقبل للخدمة في بيت المقدس , لكن الانثى سوف لن تقبل للخدمة فيه , وقد اطلقت عليها اسم ( مريم ) قربة الى الله تعالى , يستفاد من الاية الكريمة الكثير من المواعظ والعبر , نذكر منها : 
1- الايمان الخالص بالله تعالى . 
2- التوكل التام عليه جل وعلا . 
3- كل حركة او كلمة او سكون يجب ان تكون لوجه عز وجل . 
4- عدم التراجع عن النذر , مهما كانت الظروف . 
5- حتى تسمية المولود يجب ان يكون فيه نوعا من التقرب لله تعالى . 
6- يجب تحصين المولود الجديد بالله تعالى من الشيطان الرجيم , لكن امرأة عمران زادت على ذلك , فحصنت المولود وذريته ! .   
7- ونستفاد ايضا , ان الشيطان الرجيم (لع) يتلقف المواليد الجدد , ليضع بصمة من بصماته عليهم , ترافقهم مدى الحياة , لذا تلفت الاية الكريمة الانتباه لذلك . 
 
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{37}
تلفت الاية الكريمة النظر الى ان كل شيء يقصد به وجه الله عز وجل لابد ان ينال القبول منه , وفي مثل حالة امرأة عمران فقد منّ الله عز وجل عليها بعدة امور , نذكر منها : 
1- (  فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ) : قبول العمل , وتلك نعمة قائمة بذاتها , وهذا الموضوع مترام الاطراف . 
2- (  وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً ) : ويحتمل عدة وجوه , نذكر منها : 
أ‌) ان الله جل وعلا هيأ لها بيئة مناسبة , ورعاية خاصة من رجل مناسب , يقوم بدوره تجاهها بأفضل ما يكون . 
ب‌) ان يكون المقصود البنية الجسدية والعقلية لمريم (ع) .  
3- (  وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ) : حيث وفر الباري عز وجل احد انبيائه (ع) برعايتها وحفظها .
4- (  كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) : وفر لها الباري عز وجل الرزق المناسب , تأتي به ملائكته عز وجل . 
5- (  قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ) : خالصا منه تعالى , لا يدّ لمخلوق في تهيئته واعداده . 
6- (  إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) : جعلها الله عز وجل من المشمولين بنص ختام الاية المباركة                      
                         ************************* 
هذا جزاء كل ما كان المقصود به وجهه عز وجل , فتأمل نعمته وفضله علا شأنه ! .  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/13



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح36
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net