ماهي العبادة ؟ كيفيتها ، حقيقتها ؟
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
العبادة أساس وجود الإنسان على البسيطة ، فهي محور مدار الحياة ، والرابطة المتصلة بين الخالق والمخلوق ، وبها تَتَميّز نوعية الإتصال والإختبار العملي لمستوى تلك العبادة ، ليكتسب بموجبها - الإنسان – الكمالات الروحية في هذه النشأة – الدنيا – وصولاً إلى الحياة الأبدية .
وبها – العبادة – كمال سلامة الإنسان العابد ، فإن هو أداها بصورها الصحيحة ؛ أكمل الخصال الفاضلة ، ووظف عدالته الحقّة ، ورفع مكانته الساميّة ، وتوهج فكره النيّر ، وازداد عزاً وكرامة .
أما إذا أعرضَ الإنسان عن العبادة وأنكرها ، تباعد عن خالقه ، واضطربت حياته ، والتبست عليه أموره ، وعَسْعَسَ طريقه ، فيتيه في دروب الشر ضالاً سبيله ، ويوظف في عداء الخلق طاقاته ، لايهتدي إلى الخير أبدا ، ولا إلى الإصلاح وسيلة .
تعريف العبادة
وهي الخضوع للإله على وجْه التعظيم ، والطاعة له سبحانه وتعالى ، وهي تذلل العبد إلى سيده وخالقه ومولاه الذي أوجده في هذه الحياة الدنيا.
كيفيتها
والعبادة على قسمين : عبادة تتعلق بالروح والجسد معاً كالصلاة والصيام والحج وباقي الواجبات ، فلابد من أن يكونا متلازمان - الروح والجسد – لإدراك جوهر تلك العبادة .
وأخرى تتعلق بالروح فقط كمعرفة الخالق والتفكر في خلق الله حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( أَفْضَلُ اَلْعِبَادَةِ إِدْمَانُ اَلتَّفَكُّرِ فِي اَللَّهِ وَفِي قُدْرَتِهِ ).
ولايمكن أبداً أن تكون هناك عبادة من جانب الجسد لوحده دون تعلق الروح بجوهر تلك العبادة ، إذ أن لكل عبادة حتى وإن كانت مختصة بالجسد فهي تحتاج إلى حضور قلبي ونيّة ، والنيّة تكون قلبية .
قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : لاَ يُقْبَلُ قَوْلٌ وَلاَ عَمَلٌ إِلاَّ بِنِيَّةٍ .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : لاَ عَمَلَ لِمَنْ لاَ نِيَّةَ لَهُ .
فالروح ترتوي بالعبادة المعنوية ، وهي بحاجة دائمة بأن ترتبط في عالم الربوبية بالمحبة الخالصة له تعالى ، لتطمئن أنها عالقة عند الوجود القدسي في الملأ الأعلى ، حتى لايصيّرها الهوى نحو الظلال ، لأن مع الإيمان بالخالق هدىً واستقامة .
فإذا كانت العلاقة بين المخلوق والخالق عز وجل مبنيّة على هذا الأساس ستصل إلى المحبة القلبية والإرتباط الروحي العميق ، حينها تكون العبادة ممتزَجة بين مهجة الروح مع حركات الجسد ، فإذا تمازجت هاتين الحالتين ؛ أصبحت العبادة وجوديّة خالصة تستجيب لما أمرها الله تعالى بكل يسرٍ وثقةٍ وطمأنينةٍ عالية ومحبة خالصة .
فتكون العبادة هنا عبادة نقيّة ، عبادة حب وتُعلّق قلب المعبود بخالقة ، تصيّره إلى صراطٍ مستقيم .
قال أمير المؤمنين عليه السلام ( زَيْنُ اَلْعِبَادَةِ اَلْخُشُوعُ ). غرر الحكم ص۳۹۱ . أي خشوع القلب ، ولايمكن للقلب أن يخشع دون معرفة الخالق .
قَالَ الإمامُ اَلْحُسَيْن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرُهُ مَا خَلَقَ اَلْعِبَادَ إِلاَّ لِيَعْرِفُوهُ ، فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ ، فَإِذَا عَبَدُوهُ اِسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ .
وإذا تباعدت الروح لاسمح الله ، فستكون العبادة من جانب واحد وهي حركة الجسد دون شعور وجداني للخالق ، وهذه العبادة عبادة فارغة - أي من الروح – ليس لها أي تأثير نفسي ، تضمحل تلك الحركات شيئا فشيئا فتصيّر الإنسان إلى طريق الهوى والإنحراف فيما بعد ؛ لأنها لاتمتلك القيمة الحقيقية للعبادة وفي معرفة الخالق جل وعلا .
كمن صلى بغير توجهٍ معنويٍ ولمْ يخشع قلبه في الصلاة ؛ فليس له من صلاته إلاّ القيام والقعود ، قال تعالى ( وَٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِیرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَـٰشِعِینَ ) البقرة ٤٥.
وقال تعالى : ( ... وَیَدۡعُونَنَا رَغَبࣰا وَرَهَبࣰاۖ وَكَانُوا۟ لَنَا خَـٰشِعِینَ ) الأنبياء21 . بما أن هذه الآية كانت في النبي زكريا ويحيى عليها السلام لكنها عَمَّمَت الخاص في أن الدعاء أي – الصلاة أوعموم العبادة – يُفترض أن تكون في حالة من الخشوع .
قال صاحب تفسير الأمثل في تفسير هذه الآية : ( الخشوع هو الخضوع المقرون بالاحترام والأدب ، وكذلك الخوف المشفوع بالإحساس بالمسؤولية ) .
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : إِنَّمَا لَكَ مِنْ صَلاَتِكَ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ مِنْهَا . وسائل الشیعة ج5 ص476 .
أي أن صلاتك تُقبَل بمقدار ما أقبل عليه قلبك من الخشوع والخضوع لله تعالى .
أو كالذي صام شهر رمضان وليس من صيامه إلا الجوع والعطش ، غير متأثرٍ بأهدافِ الصّيام ، وهكذا الحج وغيره من الواجبات العبادية . قال الله سبحانه وتعالى : یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ .
فالتقوى هي أساس فريضة الصيام ، وهي إتيان الواجبات والخصال الحميدة ، وترك المحرمات والخصال الذميمة .
( للصوم أبعاد متعددة وآثار غزيرة مادية ومعنوية في وجود الإنسان ، وأهمها البعد الأخلاقي ، التربوي ، ومن فوائد الصوم الهامة تلطيف روح الإنسان ، وتقوية إرادته ، وتعديل غرائزه ) تفسير الأمثل - ج ١ – الصفحة ٥٢١ .
( إن حقيقة العبادة تتمثل في أمرين رئيسيين:
الأول: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس ، أي استقرار الشعور على أن هناك عبداً ورباً ، عَبْداً يَعْبُدُ ، ورَباً يُعْبَد .
وأن ليس وراء ذلك شيء ، وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار ، ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود، وإلاّ ربٌ واحدٌ والكل له عبيد.
والثاني: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير ، وكل حركة في الجوارح ، وكل حركة في الحياة ، التوجه بها إلى الله خالصة ، والتجرد من كل شعور آخر ، ومن كل معنى غير معنى التعبد لله ، والعبادة ليست طاعة القهر والسخط ، ولكنها طاعة الرضا والحب ). شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام ص 23.
قال الإمام اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : لَيْسَ اَلْعِبَادَةُ كَثْرَةَ اَلصَّلاَةِ وَاَلصَّوْمِ إِنَّمَا اَلْعِبَادَةُ اَلتَّفَكُّرُ فِي أَمْرِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وسائل الشیعة ج۱۵ ص۱۹6
عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ( الصادق ) عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: اَلْعِبَادَةُ ثَلاَثَةٌ : قَوْمٌ عَبَدُوا اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَوْفاً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ ، وَقَوْمٌ عَبَدُوا اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طَلَباً لِلثَّوَابِ فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأُجَرَاءُ ، وَ قَوْمٌ عَبَدُوا اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حُبّاً لَهُ فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأَحْرَارِ ، وَهِيَ أَفْضَلُ اَلْعِبَادَةِ . بحار الأنوار ج67 ص255 .
والحب في الله هي معرفته ، ولا يكون هناك حب مالم تكن هناك معرفة حقيقية تسيّرالإنسان نحو خالقه والتعلق به ، فإذا وُجِدَ الحب الواقعي انقادت الروح للطاعة الخالصة .
عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ( الصادق ) عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : أَفْضَلُ اَلْعِبَادَةِ إِدْمَانُ اَلتَّفَكُّرِ فِي اَللَّهِ وَفِي قُدْرَتِهِ . بحار الأنوار ج۶۸ ص۳۲۱
الخلاصة : إن جوهر العبادة هي معرفة الله سبحانه وتعالى أولاً ؛ فإذا أصابَ العبدُ تلك المعرفة انْصَهَرَ في عبادته ، وكانت العبادة واقعيّة لها أثرٌ معنويٌ عميق ، استشعرَ بها وجودَ الخالق جلّ وعلا ، فإذا كان كذلك ؛ استجابَ لتعاليمهِ وأوامره ، وانزجرَ عن نواهيه ، ( وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا ) ، عندها يكون عبداً صالحاً سوياً ، يظفر برضاه تعالى ، وهي غاية المريدين من الأنبياء والأولياء والصالحين ، ( وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة: 72.
وإن العبادة أياً كان نوعها لابد أن تكون باستحضار الخالق في حال أدائها ؛ روحياً وبدنياً .
٢٣- ربيع الأول -1446 هـ
٢٧-9-2024 م
صيّر الله تعالى قلوبنا لمعرفته وحبه وطاعته ورضاه والحمد لله تعالى رب العالمين .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat