صفحة الكاتب : باسل قس نصر الله

"تاريخي؟ إنها قبور أهلي المسيحيين في حلب"
باسل قس نصر الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يقول نزار قباني:

"تاريخـي! ما ليَ تاريـخٌ إنـي نسيـانُ النسيـانِ"
 
ولكن قبور الأحبة تُعيدُ إليَّ تاريخي.

شيءٌ خفيٌ يربطني بهذا التراب.

يربطني بحجارةِ وصخورِ وأزقّةِ ومزاريبِ "حلب".

بباعتها المتجولة، بعربات خضرَتها، بأسواقها وأرصفتها وحتى بالحفرِ في شوارعها.

تشدّني هذه المدينة بمآذن مساجِدها وقبَبِ كنائِسها، وبأمهاتها اللواتي يركضنَ خلف أطفالهنَّ.

بحقائب أطفال مدارِسها.

بمطاعمها الشعبية.

هذا التراب نعشقه آباء عن جدود .. ولكل واحد منا أقرباء وأهالي رحلوا وبقيت أجسادهم مدفونة في هذه الأرض.

كيف لنا أن نتركهم يعانون تحت التراب لوحدهم؟

كيف طاوع ضمير أولئك الذين هاجروا؟

عندما كنت يافعاً، وعندما يصدف أن أزور المقابر، فأقرأ أسماء الموتى وأربطها بذاكرتي مع الأحياء، فأعرف أن خالة وعمة فلان، أو والد ووالدة وأقرباء فلان، مدفونين هنا.

هل ما زلنا نذكر أنه في بداية الأحداث، وفي حلب، أصبحتِ المقابر المسيحية خارج سيطرة الدولة، فكنتُ غالباً أفكر أن ووالدي ووالدتي وخالتي التي ربّتني، وأقربائي جميعاً، أضحوا وحيدين.

كم أنّبَني ضميري، بأني تركتهم لوحدهم وَهُم الذين كانوا معي في خطواتي الأولى ومنحوني الحب والحياة حتى أستطيع مجابهة الحياة.

كانت تتساقط القذائف عليهم، فهل شَعَروا بالخوف كما شَعرنا نحنُ؟

وبعد عودة سيطرة الدولة على  منطقة المقابر، وفي أولى زياراتي لهذه القبور، عادت نفس الأسماء على نفس القبور تتراقص في ذاكرتي.

من سيزورهم بعد أن رحل أولادهم، وهاجروا؟

من سيتذكرهم.

من سيحمل الورود ليضعها على قبورهم؟

من سيقف كطفلٍ صغيرٍ أمام والديه؟

كيف تطاوعنا ضمائرنا أن نتركهم؟

عندما أقف أمام قبور أهلي، أعود إلى أيام طفولتي، فأتخيّلهم وأنا طفل أمامهم.

أتخيل أمي عندما كانت تأخذني معها إلى الزيارات.

أتخيل والدي وانا واخي سامر نتنزه على كورنيش اللاذقية، ونأكل الكعك او نشرب "الكازوز" في مقاهي الكورنيش.

أتخيل خالتي تُدرِّسني اللغة الفرنسية، واتذكر قولها "اريدك ان تقرا ككرج المي وليس تكسير الحطب".

أنا لم أترك آبائي، ولكن هل سيزورني أبنائي في المستقبل؟

أيها الموتى أيها الآباء والجدود، الذين تركهم الأبناء.

أنا وغيري من الذين بقوا "إلى أن يقضي الله أمراً كان مقضيا"، سنكون أبناء لكم.

سورية بالكامل هي ابنة لكم ونحن أبناء لها.

اللهم اشهد اني بلغت"تاريخي؟ إنها قبور أهلي المسيحيين في حلب" بقلم المهندس باسل قس نصر الله


يقول نزار قباني:

"تاريخـي! ما ليَ تاريـخٌ إنـي نسيـانُ النسيـانِ"
 
ولكن قبور الأحبة تُعيدُ إليَّ تاريخي.

شيءٌ خفيٌ يربطني بهذا التراب.

يربطني بحجارةِ وصخورِ وأزقّةِ ومزاريبِ "حلب".

بباعتها المتجولة، بعربات خضرَتها، بأسواقها وأرصفتها وحتى بالحفرِ في شوارعها.

تشدّني هذه المدينة بمآذن مساجِدها وقبَبِ كنائِسها، وبأمهاتها اللواتي يركضنَ خلف أطفالهنَّ.

بحقائب أطفال مدارِسها.

بمطاعمها الشعبية.

هذا التراب نعشقه آباء عن جدود .. ولكل واحد منا أقرباء وأهالي رحلوا وبقيت أجسادهم مدفونة في هذه الأرض.

كيف لنا أن نتركهم يعانون تحت التراب لوحدهم؟

كيف طاوع ضمير أولئك الذين هاجروا؟

عندما كنت يافعاً، وعندما يصدف أن أزور المقابر، فأقرأ أسماء الموتى وأربطها بذاكرتي مع الأحياء، فأعرف أن خالة وعمة فلان، أو والد ووالدة وأقرباء فلان، مدفونين هنا.

هل ما زلنا نذكر أنه في بداية الأحداث، وفي حلب، أصبحتِ المقابر المسيحية خارج سيطرة الدولة، فكنتُ غالباً أفكر أن ووالدي ووالدتي وخالتي التي ربّتني، وأقربائي جميعاً، أضحوا وحيدين.

كم أنّبَني ضميري، بأني تركتهم لوحدهم وَهُم الذين كانوا معي في خطواتي الأولى ومنحوني الحب والحياة حتى أستطيع مجابهة الحياة.

كانت تتساقط القذائف عليهم، فهل شَعَروا بالخوف كما شَعرنا نحنُ؟

وبعد عودة سيطرة الدولة على  منطقة المقابر، وفي أولى زياراتي لهذه القبور، عادت نفس الأسماء على نفس القبور تتراقص في ذاكرتي.

من سيزورهم بعد أن رحل أولادهم، وهاجروا؟

من سيتذكرهم.

من سيحمل الورود ليضعها على قبورهم؟

من سيقف كطفلٍ صغيرٍ أمام والديه؟

كيف تطاوعنا ضمائرنا أن نتركهم؟

عندما أقف أمام قبور أهلي، أعود إلى أيام طفولتي، فأتخيّلهم وأنا طفل أمامهم.

أتخيل أمي عندما كانت تأخذني معها إلى الزيارات.

أتخيل والدي وانا واخي سامر نتنزه على كورنيش اللاذقية، ونأكل الكعك او نشرب "الكازوز" في مقاهي الكورنيش.

أتخيل خالتي تُدرِّسني اللغة الفرنسية، واتذكر قولها "اريدك ان تقرا ككرج المي وليس تكسير الحطب".

أنا لم أترك آبائي، ولكن هل سيزورني أبنائي في المستقبل؟

أيها الموتى أيها الآباء والجدود، الذين تركهم الأبناء.

أنا وغيري من الذين بقوا "إلى أن يقضي الله أمراً كان مقضيا"، سنكون أبناء لكم.

سورية بالكامل هي ابنة لكم ونحن أبناء لها.

اللهم اشهد اني بلغت

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


باسل قس نصر الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/10/12



كتابة تعليق لموضوع : "تاريخي؟ إنها قبور أهلي المسيحيين في حلب"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net