صفحة الكاتب : عبد الرضا حمد جاسم

رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط/ سأخون بلدي (9) الحديقة قرب الغابة
عبد الرضا حمد جاسم

أجمل شعارات هذه الامة و أعرقها...بل ثوب زفافها الأبيض...ماذا حل بها؟ ماذا بقي منها غير الازرار الصدئة و الاكمام المتهدله و الجيوب الفارغة؟

شعارات نقية يطلقها أناس انقياء و بلمح البصر تصبح كثياب عمال الدباغة مع ان الكل يدعي النظافة و تعقيم اليدين...

معاهد جامعات مخابر تكنولوجيا، و مع ذلك حكمة قيلت قبل أربعين قرناً على ظهر بعير تحكمنا و تسيطر على افعالنا و نحن على متن الجامبو و الكارافيل و على ارتفاع أربعين الف قدم عن سطح الأرض...ما اذرب السنتنا في اطلاق الشعارات و ما ارشق أيدينا في التصفيق و ما اعظم جلدنا في انتظار ثمارها و مع ذلك فان منظر ثائر عربي يتحدث عن ألام شعبه للصحفيين و هو يداعب كلبه الخارج لتوه من الحمام او منظر طفل مقنزع في صدر سيارة بمفرده امام مدرسة خاصة او حضانة اطفل و على مسافة امتار من ظل السيارة يقف المئات تحت الشمس المحرقة بانتظار باص، يلغي مفعول عشرين دراسة و مئة محاضرة و الف اغنية و اهزوجة عن العدالة و الاشتراكية،

كأن هناك من اختص في تحريف الشعارات العربية و تفريغها كالخلد من أي محتوى و لا يقر له قرار ما لم يتركها لمن سيجئ من بعده وهي كالطبخة المنهوشة بالأسنان حتى القشرة البيضاء، كأني بهؤلاء و امثالهم منذ اول مظاهرة عام 1948 اصطفوا على طريق النضال العربي و كل منهم وضع شعار من الشعارات في "حله" و وقف وراءها و بيده مغرفة و راح يفرغ ما بها كبائع السحلب و عندما تصبح هذه الشعارات ضجة بلا محتوى يعودون الى الصف مرة ثانية و يقفون رتلا احاديا وراء بعضهم كما في النظام المنّضم و كل منهم يحمل فرشاة في يمينه و سطل دهان في يساره و يبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي امامه بينما تكون فرشاة الذي وراؤه تعمل في ظهره و تلصق عليه الف تهمة مماثلة حتى اصبح ظهر المواطن العربي مع مرور الأيام و العهود و المراحل كواجهة السينما او لوحة الإعلانات

و في المقابل هناك فريق ثالث يتألم و يخبط كف بكف لهذه الحالة و يدعو الى الشفقة و الرحمة بهذه الامة ثم يتلفت يمنة و يسرى و ينهش منها ثمن سيارة و يمضي

و يأتي اخر ينهش منها ثمن كنبات

و اخر ثمن مزرعة دواجن

و اخر ثمن كباريه

و اخر ثمن شاليه

و اخر محضر بناء

و اخر تعهد قمامات

و هذه خاتم سوليتير

و تلك فستان سواريه للصيف

و تلك معطف فرو للشتاء

و هذه الامة ترتجف كالنعجة في موسم القصاص بعد ان جُردت من كل ما يسترها و لم يبقى منها الا الانسجة و الاعصاب.

و لكن حذار:

يحكى ان نمراً في سيرك هندي بعد ان تقدم به العمر و احيل على التقاعد كأي دركي عجوز، دفن رأسه بين قائمتيه و انزوى بعيداً عن الأعين، لكن الحيوانات الأخرى لم تتركه و شأنه فراح كل ما في السيرك من قطط صغيرات وقردة و ثعالب و سحالي و ببغاوات و سعادين يتحرش به ذهاباً و اياباً و هو صامت لا يروم تعففاً و سأماً و لكن في يوم من الأيام عندما زادوا من تحرشهم لم يطق صبراً على ذلك فانتظرهم حتى مروا قافلة واحدة و رفع يده و هوى بها عليهم فقضى على الجميع بضربة واحدة.

.........................

التالية(10) الجاحظ


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الرضا حمد جاسم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/10/29



كتابة تعليق لموضوع : رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط/ سأخون بلدي (9) الحديقة قرب الغابة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net