(تأملات في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي) 41
علي حسين الخباز
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حسين الخباز
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تعد مدرسة الإمام علي بن الحسين زين العابدين السجاد "عليه السلام" من المدارس التي اعتمدت على تحليل الأمور لإظهار تواشج العلاقات النفسية من أجل تهذيب الحالات الانفعالية عند الإنسان، وفي أدعية الصحيفة السجادية، يلاحظ إمكانية خلق التأثير المتميز في نفسية المتلقي وفكره.
مرتكزات هذه الأدعية الإيمانية تحوي الأدب والعقائد والأخلاق، وفضائل كثيرة تتصل بالأثر الشعوري المتفاعل من جوهر النفس الإنسانية، كالحذر والوقاية من السيئات والذنوب، وتتأمل في مساعي الدعاء والتي هي عبارة عن خطة نفسية تؤآزر الإنسان لضمان فعل الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وهذا الأمر يجعلنا أمام حقيقة عقلية مدركة.
معرفة العدو تعنني معرفة الأساليب التي ينتهجها الشيطان، إمكانيات تسليحه وأسلحته، أساليب عملها، الإصغاء الروحي لهذه المعاني يمنحنا لذة المتابعة الشعورية، الرغبة في تعلم مناطق القوة.
القرآن الكريم يحذر من سوء العاقبة وسوء العاقبة تعني اتباع الشيطان، الدعاء بمضمونه الوجداني يعرفنا بإمكانية الشيطان، وهذه المعرفة هي أفضل السبل للحذر من الشيطان، امتلاك الدعاء لمقدرة استمالة قلب الإنسان إلى الشعور بجوهر العلاقة بالله سبحانه وتعالى وإمكانية هذا التواشج الوجداني عبر حضور الخاطر الشعوري وإمكانية الطلب الواعي.
التأمل ببعض المفردات تمنحنا وعي في قراءة تلك المفاهيم (وأعذنا ـــ وأجرنا ـــ واسمع لنا ـــ واعطنا ـــ وصبرنا) أفعال أمر بصيغ الدعاء، الدعاء يلائم النفس ويحفز الخواطر، ويستنهض الهمم.
سماحة السيد الصافي يرى أن استنهاض النفس تكون بعدة محاور.
المحور الأول... تمجد الله سبحانه وتعالى قبل بدء الطلب وإعلان الحاجة، وهذا بحد ذاته أمر نفسي يدعم الصلة، صلة الإنسان مع ربه الكريم.
المحور الثاني... هو استفتاح الدعاء بالصلاة على محمد وآل محمد.
المحور الثالث... هو طلب الحاجة وفق الشرائط التي تذكر.
في هذه المحاور توجد مساحة تأملية قادرة على فهم التوافق النفسي العام، رغم اختلاف مراتب القوة والضعف واختلاف الطباع، لكن تتوحد النفس البشرية عند ظل، ومن يتخلف عن هذا الدعاء غير معنى بهذا الشمول، والاستعادة تعني الركون إلى الله تعالى والاطمئنان بما عنده، الأثر النفسي في الدعاء يظهر قوة الثقة بالله سبحانه تعالى، بقدرته، وبكرمه، وهذه كلها دعائم نفسية، وألذ تلك الأدعية ما تقرب الإنسان إلى الله سبحانه وإلى الناس، وهذا الأمر يجعل من غايات الدعاء أن يبعث عاطفة تجمع الإنسان بالناس دون التفكير بأي مغنم من مغانم المصلحة.
يعزز الدعاء تلك العلاقة بالأسرة وبالأرحام وبالجيران والمحلة والسوق، لذلك تجد الدعاء بصيغة الجمع (إعذنا) محاولة إشراك الآخرين بالدعاء للناس، حثت أئمتنا "عليهم السلام" على الدعاء للناس، ومن يدعو للناس عمل عملين صالحين، سيؤجر بمثل ما دعا.
قدم لنا سماحة السيد أحمد الصافي فقرة بعنوان بارز (الاهتمام بالآخرين مشروع أخروي) يرى أننا نحتاج إلى أن نصاغ صياغة جديدة وفق تربية أهل البيت "عليهم السلام"، العملية بوصفها ليست صعبة أو عسيرة لكن الأمر يحتاج إلى إرادة حرة، والمقصود معنى مفردة صياغة، كيفية رؤية الآخرين، وفق تربية أهل البيت "عليهم السلام"، الشعور بأن الإنسان ليس وحده، مشاركة وجدانية تعد الدعاء بظهر الغيب جزء من الحسنات، فيرى الأخر هو مشروع إلى الآخرة، إصلاح الذات، إصلاح العلاقة مع الآخر، حفظ كرامته، الإحسان.
نتحدث دائما عن الآخرة، والآخرة توقف على التعامل الإنساني مع الغير، كثير من المحرمات تتعلق بالغير، الغيبة تتعلق بالغير، الاعتداء، الكذب يتعلق بالغير، السرقة تتعلق بالغير، الاعتداء على أعراض الناس تتعلق بالغير، لماذا؟
لأن الغير مشروع من مشاريع الإنسان إلى الآخرة، الإخلاص للناس جزء من الإخلاص للعقيدة، وهذا دليل على أن الإيمان الحقيقي والصلاح الحقيقي يمد الجسور بين المؤمن والناس.
سماحة السيد أحمد الصافي يوجهنا إلى قضية مهمة، بأن عمل الخير للناس، والسعي لقضاء حاجة الناس، وإغاثة ملهوف، أفضل من العزلة، الوعي هو إدراك يجعل الإنسان جادا في استيعاب الموقف الرهيب، موقف القيامة، النتيجة الحقيقية لعملية البناء الروحي، تثير فينا العبرة لما ينتظرنا من العاقبة، لندرك أن لا أمان للشيطان، فهو قاسم آدم وحواء، حلف لهم (إني لكما من الناصحين) والنتيجة إذا فهمنا هذا الذي حصل مع آدم وحواء سنحصل على استقرار نفسي ومعنوي، والشيطان لعنه الله أقسم (لأغوينهم أجمعين) يقسم بالغواية.
يبقى أمامنا مشروع أهل البيت "عليهم السلام" التربوي، والذي يستلهم المواقف الفكرية، عرضوا لنا مشروعا تربويا، هو التفكير قبل النوم حين يضع المسلم رأسه على وسادته يفكر بالأعمال التي عملها، ليدرك وقع الإساءة التي وجهها، والاستهانة بالآخرين، والتخلص من تبعات هذا الأمر، إهانة إنسان قد يعجر عن أن يقتص من المعتدي، لكن كيف الوقوف أمام الله سبحانه ويسجل عنده كل شيء، الله سبحانه لا يمزح، وله موازين غير التي نتعامل بها، والاستعاذة بالله تعني الاستمالة إلى قوة الله، في محاربة عدو يحاول اصطيادنا.
من ضمن الدروس التربوية المتصلة بالمضمون الإنساني ومشاركة الناس بالدعاء يورث الإنسان ثقة بالنفس، ويغير الكثير من القضايا النفسية والشعورية، الإمام السجاد "عليه السلام" أحب الناس، ودعا بالنيابة عنهم، ومن حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يكثر له الدعاء، ومن أجمل ما تعارف عليه في الإسلام جملة (أسألك الدعاء)، ومن واجب الإنسان أن يستجيب لهذا الدعاء ويسأل الله حسن الاستجابة وقبول الدعاء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat