(القراءة الثالثة/ سماحة السيد احمد الصافي/ تقرير الأستاذ صباح الصافي)// (تأملات جديدة في مشهد البكاء)
علي حسين الخباز
علي حسين الخباز
كانت في واقعة الطف انعكاسات في غاية الأهمية على شخصيات برزت في الواقعة، مثل شخصية زين العابدين عليه السلام، حياة حافلة بالعطاء
سعى بعض المؤرخين إلى تجاهل هذا الرمز المعصوم استجابة لأوامر السلطتين الأموية والعباسية والابتعاد عن ذكر مناقب أهل البيت عليهم السلام، غيبوا سيرتهم ومكانتهم العلمية، إلا أن هذا التجاهل لم يحجب الحقيقة والمكانة التي يتمتعون بها.
التراث الذي تركه لنا مولانا زين العابدين عليه السلام (الصحيفة السجادية) فيها الكثير من المعارف المبثوثة بالدعاء، استوقفتهم مسألة استذكار الواقعة، ارتبك بعض المؤرخين في تفسير دور الإمام السجاد عليه السلام في ريادة مشروع المعارضة للسلطة الأموية واخفقوا في تفسير ظاهرة البكاء، وراحوا يشرقون حولها ويغربون، اتجه بعضهم إلى البكاء هو تعبير عن فجيعة ولد بابيه وإخوته، وبالتالي لا تعدو كونها عاطفة جياشة لا يمكن التحكم بتدفقها في لحظات الانفعال الوجداني، فيما اعتبرها آخرون أسلوبا سياسيا ذكيا لاستنهاض الناس وتذكيرهم بالظلامة الكبيرة التي لحقت بأهل البيت عليهم السلام، يرى سماحة السيد أحمد الصافي في موضوع البكاء وكشف الحقائق، إن الأنبياء والرسل والأوصياء كانوا يبكون بكاء مرا، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبكي والأمام علي عليه السلام كان يبكي مع إنهما من أشجع الناس.
دلالة البكاء الأهم إنه علامة مهمة تدل على خشية الله والخضوع له تبارك وتعالى، واستشهد بمقولة للإمام الصادق عليه السلام تبين فلسفة اجتماع البكاء مع الشجاعة والقوة (إن المؤمن يخشع له كل شيء ويهابه كل شيء) ويرى أهميته هذا البكاء في نتيجته، وتأثير بكاء الإمام زين العابدين عليه السلام في زعزعة عروش الطغاة، عروش الظالمين، لأنه نابع من خوف وخشية الله.
ونرى الكثير ممن كتب أو بحث في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام ركز على جانب البكاء مع الإشارة إلى فلسفة هذا العمل، استنهاض الضمير النابض في الأمة، أي مخاطبة الفطرة السليمة من خلال دموعه الساخنة والنشيج الصادق لا يمكن تفسيره على أنه مجرد عواطف فائرة.
الإمام عليه السلام يعرف أكثر من غيره القضاء والقدر، وحتمية الموت وطوارق السنن، البكاء عبارة عن استثمار جميع المواقف والمناسبات التي تذكر الناس بالجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق سبط النبي صلى الله عليه وآله وسيد شباب أهل الجنة، تكامل لوحه الرفض المقدس عبر العاطفة والفكر، وعبر العقل والقلب، فيصبح الهدف من البكاء أكثر تجليا وسطوعا.
إن البكاء على الإمام الحسين عليه السلام له دلالة خاصة وهذه حقيقة يمكن أن نستنطقها من أحاديث المعصومين عليهم السلام، إن تأكيد الروايات الواردة في إقامة مجالس العزاء والبكاء على مصاب الإمام الحسين عليه السلام لم ترد في أي من الأئمة المعصومين عليهم سلام الله حتى رسول الله يقول (إن لقتل الحسين عليه السلام حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا)
السؤال الذي اعتمدت عليه المحاضرة: ـ هل البكاء يمثل حالة من حالات الضعف؟
إن عملية البكاء ليست عملية ضعف لمن تكامل لديه الوعي، عليه عملية رفض سلطة القتلة، وعملية حزن على مقام الإمامة المذبوحة، وعلى شيء سواء كان الإمام الحسين أو على الموقع الذي يتميز به الإمام الحسين عليه السلام (بقتلك قتل التكبير والتهليل)
كيف تستباح الإمامة بهذه الطريقة؟ والإمامة حق من حقوق الله تعالى.
الإمامة كالنبوة، الاعتداء على سيد الشهداء عليه السلام هو التجاوز على مقام الإمامة، ومن انتهك حرمة الإمامة يدعي الإسلام وتلك والله فاجعة، لذلك وقفت السيدة زينب سلام الله عليها بوجهه قائلة (بدين الله ودين أخي وأبي وجدي اهتديت أنت وجدك وأبوك إن كنت مسلما)
الإمام المعصوم في الزيارة الشريفة يقول لقد عظمت المصيبة وجلت الرزية بك علينا وعلى جميع أهل السماوات والأرض، كم هائل من الروايات عن طريق الزيارات لولاها لضاعت علينا مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام
فلسفة العزاء على الحسين نوع من التعظيم والتكريم ورعاية لموقعه وشخصيته العظيمة، الإمام الحسين عليه السلام تعامل مع الله بكل كيانه ليقدم القرابين في سبيل الله سبحانه وتعالى.
من أعظم شعائر الله وحفظ مدرسة أهل البيت عليهم السلام مجالس العزاء على الحسين عليه السلام، أعظم قوه تقف وراء يقظة الناس، وما للدمعة والبكاء من تزكية وتهذيب واقتداء
الناس يعتقدون بالبكاء على مظلومية الإمام الحسين عليه السلام، جهد بذله الأئمة عليهم السلام ليعلموا العالم كيفية التعامل مع قضية الإمام الحسين عليه السلام، لم يزل خاتم الأنبياء صلوات الله وعليه وآله وسلم يبكيه، وكان الأئمة يحثون شيعتهم على البكاء، وأكثر زين العابدين عليه السلام البكاء على مصاب الحسين طيلة حياته، لأن فيه غاية سامية تعرف الأجيال المتعاقبة بهذا الخطب الجليل،
يقول الإمام المعصوم (مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض)
من هم سكان السماء؟ بشر، ملائكة؟
أي حالة تمر بهم وهم يحزنون في السماء، أراد الأئمة عليهم السلام أن نقرأ المصيبة التي تفاعل معها سكان السماوات ويتفاعل معها سكان الأرض، مرجعيات كثيرة تخبرنا إن الله تعالى توكل بهذا القبر الشريف، الملائكة تنزل غبرا شعثا يبكون الإمام الحسين عليه السلام ما حدث في يوم عاشوراء هو شيء مهول
إن البكاء العاشورائي جزء من فهم عاشوراء، ومن هنا كان للبكاء العاشوري منهجية خاصة لدى الأئمة عليهم السلام، ومن خلالها يتبين عظم ما جرى في طف كربلاء.
البكاء معنى من معاني الرفض ضد الظلم والجور، الإمام السجاد عليه السلام تعامل مع قضية كربلاء كصانع حدث، لقد أسس الإمام السجاد مدرسة كبيرة لها علاقة بعاشوراء، بقضية واقعة الطف التي تحتاج إلى فهم، إلى فكر، إلى قادة يحملون هذه الواقعة في كل جيل ليعزز فينا المواقف العاشورائية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat