تأملات في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي) 44 ... (توفير النية)
علي حسين الخباز

 تمثل الصحيفة السجادية مشروعا فكريا إسلاميا لتأسيس ثقافة الدعاء، مشروع مقاومة بكل ما تحمله من مفاهيم، تسعى لإعادة بناء الإنسان بعدما تعرض المجتمع لعملية فقدان الوعي وانحراف بالدين إلى قيم دنيوية، شخص لنا كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي بعض الأمور المهمة، التي لا بد أن تستثمر لصالح الوعي والإصلاح، وعرف لنا وظيفة أهل العلم، تكمن وظيفتهم في معنيين (الأول) تربية النفس، قول نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام أن تربي النفس أولى بالتبجيل من أن تربي الناس 
والمعنى الثاني أن الله سبحانه أخذ عهدا، وأهل العلم تعاهدوا على أن يزكوا العلم، لو تأملنا في المعنيين ما بين تربية النفس وزكاة العلم، لوجدنا المعنى الحقيقي لاهتمام العالم بالصحيفة السجادية، وما أثارته من فكر خلاق عبر الأجيال بما تمتلك من خطاب فكري إنساني يوائم الطبيعة الإنسانية، من أولى مهامه تهذيب النفس الذي هو كمال الإنسان العاقل الباحث عن الكمال، والذي لا يتحقق إلا من خلال التمسك بعلم أهل البيت عليهم السلام. 
اشتغل سماحة السيد أحمد الصافي على بنية الدعاء في الصحيفة السجادية، بالبحث في عمق المعنى، وقدم قراءة تحليلية في موضوع العلاقة بين العلم والعمل، يصل بنا إلى معنى خطاب المعصوم عليه السلام.  
(1)  كل كلمات الأئمة عليهم السلام من منبع واحد.  
(2)  تمتاز بدقة التشخيص وبعظم الهدف، الذي يسعى من أجله الداعي ويحققه من خلال وقوفه بين يدي الله سبحانه.  
(3) فهم كلمات الأئمة لغاية الاستيعاب الشمولي العام.  
 التأمل في معانيها ومحتواها استثمارا لاحتواء علم أهل البيت عليهم السلام وخلق عوالم التأثير الروحي. 
(4)  مرحلة العمل، لابد أن نعلم ثم نعمل  
هناك الكثير من المجسات المعرفية لبناء قوة المعنى، سماحة السيد الصافي يرى أن الجهل ليس عيبا في الإنسان لكن العيب الاستكانة على الجهل والبقاء فيه، لأن الجهل يفقدنا لمعنى الدنيا ثمر الآخرة فيها النعيم، ومن العار أن نذهب إلى غير الجنة، ونجد من كان يغرينا يتبرأ منا، الشهوات، الانفس، الشياطين، كلها تتبرأ منا ولا ينفع الندم، قوة المعنى الإنساني في قوة البصيرة المدركة لوجود الله سبحانه، وجود الموعظة لتحرير الإنسان من الفساد ومن الانحطاط ومن فقدان الإنسان لمعناه 
الإيمان بان الأجل مصير، الإيمان بالقاعدة وهذا الإيمان هو قمة الوعي والفهم، القاعدة تقول كل شيء هالك، كل شيء يفنى إلا الله تبارك وتعالى، هذا التبصير في عوالم الغيب هو اليقظة، معالجة التحصين الروحي لإدراك حقيقة وجودنا (الله تعالى خلقنا أوجدنا في هذا الزمن كلفنا وهو الذي يحاسبنا) هذه القاعدة هي هوية الإنسانية، المفهوم واضح ولا لبس فيه لا بد أن تكون لكل منا رجعة ولحظة تأمل، شوق لله تبارك وتعالى وللعالم النقي. 
ونحتاج إلى شفاعة عمل دؤوب، تحت قيادة روحية، تأخذنا إلى المعالم الحقيقية، ولهذا نحتاج وجود الأئمة عليهم السلام، ونحتاج الصحيفة السجادية لرسم المنهج الحي، مكارم الأخلاق. 
كثير من الأشياء المهمة في حياتنا الفكرية تمر دون أن تستوقفنا تحت عنوان (مفتاح الإجابة)، دراسة معنى المفتاح، نجد فيها روح الوعظ الهادئة التي لا تحتاج إلى النغمة الخطابية، ولا للأوامر والنواهي المباشرة، وإنما استخدام الشعوب توسيع أفق الفهم وتحريك الفكر.  
أعطى سماحة السيد الصافي لوجود رباعية جوهرية في دعاء مكارم الاخلاق، مبنية على أفعال أمريه بصيغة الدعاء  
(صل / بلغ / أجعل / انته)  
1ـ (اللهم صل على محمد وآل محمد)  
هناك حديث للإمام عليه السلام والأئمة المعصومين ومعناه (ليس من المحبب أن يفاجئ الإنسان ربه بمسألة وإنما لا بد أن يقدم مقدمة، والمقدمة هي الصلاة على محمد وآل محمد. 
 وبين الإمام سلام الله عليه (إذا كانت لك إلى الله حاجة فأبتدئ بالصلاة على النبي وآله) وبين أهمية هذا المفتاح (فان الله سبحانه تعالى أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي أحداهما ويمنع الأخرى، باعتبار أن الصلاة على محمد وآل محمد هو دعاء وحاجة (طلب الحاجة) هذه عملية تربوية نحتاجها لاستجابة الدعاء والتقرب إلى الله تعالى   
***  
2ـ (وبلغ بإيماني أكمل الإيمان) 
التركيز على القوى الفاعلة في حيثيات الدعاء تمنحنا الفكرة التي أطلق عليها سماحة السيد الصافي سمة (النكتة).. إن الله سبحانه تعالى له يد في تصرفاتنا ويطلب الإمام من الله سبحانه، أن يوصل إيمانه إلى أكمل الإيمان  
****  
3ـ (وأجعل يقيني أفضل اليقين) 
هذا التشخيص يقربنا لمفهوم الإيمان مراتب، والطلب أن يبلغه حالة الإيمان الكاملة، والوصول إلى التكامل مرتبة عالية، لا يرى شيئا إلا الله تعالى، وهذا هو اليقين الذي عبر عنه الإمام علي عليه السلام (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا).
الإيمان الكامل يرسخ عقيدة الإنسان، ومراتب الإيمان تحتاج إلى جهد وبصيرة وتعب وأن يلح على الله تعالى في تحصيله، نعود إلى مفهوم الرباعية هي حقيقة تدعم فاعلية الدعاء وتقوي القناعة للتوجه الحياتي نحو أهمية الدعاء. 
***  
4ـ (وانته بنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال) 
نجد أن هذا البحث عمل لاكتشاف البنى العميقة، مستندا على قراءة المعنى معرفيا. 
التركيز على المبنى الروحي، كثير من النيات جمع (نية) تبدأ لله تعالى وتنتهي لغير الله سبحانه، من أجمل الأشياء أن تبقى نية الإنسان خالصة لوجه الله سبحانه تعالى. 
 يطلب الإمام السجاد عليه السلام من الله تعالى أن يكون عمله أحسن الأعمال، إذا اجتمعت النية والعمل ومن قبله إيمان كامل يبقى الإنسان على هذا الحال العمر كله. 
قراءة واعية لإرث الامام السجاد عليه السلام.

الموضوع السابق القراءة الثالثة/ كتاب عاشوراء منبع الفضائل لسماحة السيد أحمد الصافي / تقرير الأستاذ صباح الصافي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat