حين ينبع المنجز من حياة الناس ومن الام المحرومين والفقراء ويظهر الوجع الانساني بجميع تفاعلاته النفسية، تنفتح مدارك المتلقي الى كثير من الرؤى الفاعلة، ادركت لواعج الذات المبدعة قبل المنجز
من هو نذير معيوف؟
اب يعانق ابنه الصغير (يوسف) المصاب بالتوحد حمل صرخته الموجعة ليقول للناس ( المصاب بالتوحد يستحق الحب مثلنا) وانا اؤمن بان الوجع ينمي المقدرة والمشاعر حين تثار تصل بالإنسان الى ذروة معناه،
اب لطفل متوحد يعاني من فرط الحركة يبلغ من العمر ثمان سنوات ،اسس حملة باسم ( رحلة الاصرار والصبر ) وتبناها ليكون صوب جميع المصابين بالتوحد وعوائلهم، دارت معركة في راس المبدع لإيصال القصص الى الناس، جال بين المحافظات وقدم ندوات وكسب التأييد المجتمعي، كل الذي يريده من المجتمع ان يدعم المتوحد لا يطرده، حملة تطوعية انسانية يجمع تكاليفها بنفسه،
عمل المبدع نذير معيوف 15 سنة في سلك التدريس استاذا للتربية الفنية، ترك الوظيفة لرعاية ابنه وانتقل من بغداد الى الديوانية، عمل سائق تكسي يملكها صديق ،تبدأ جذر الحكاية ان يوسف الصغير تقرب من سيدة ليضحك ويلعب معها لكن رد فعل السيدة كان موجعا هذه الحكاية بحد ذاتها تعادل ألف مجموعة قصصية تعرش في الضمير الانساني،
بدأ الحملة من النجف وكربلاء وفي بغداد، يرى البعض ان الفكرة غير مجدية ، تذكير مبدع اراد ان يحول حبكة القص الى معنى حياتي مجرد الوقوف بالشارع وحث المجتمع لتقبل مصابي التوحد هي معركة قائمة يجب ان تنتهي بانتصاره،
طلب من دوائر التربية مساعدته ليصل الى التلاميذ عبر مدارسهم لكن التعاون كان ضعيفا هناك حدث مهم استوقفني كثيرا انه كان يتعامل مع ابنه يوسف كأي طفل طبيعي، الامر يحتاج الى فتح مراكز مساهمة لمساعدة الدولة المتوحدين
اعتمدت قصص نذير معيوف في مجموعة( حرب امي) على التكثيف وتقديم الشخصيات بما هو ضروري ومحزن وبلغة الغائب في معظم قصصه وقد غيب الاسماء وفي اغلب القصص يساهم خيال المتلقي في ترميم ما بعد الحزن، ويشارك في التفاعل ،نجده يستعمل اللغة الشعرية العالية ، تنطلق من الوضع المأزوم يفتح مساحة للتخيل في قصة ( خلف الزجاج)
(كعادته اشعل اصبعه ونفث الدخان من جانبه، قلب معطفه ليحرق الوقت بانتظارها)
اعتنى بوصف المشهد القصصي رغم كثافته ، يصف مشاهد نفسية اتسمت بالتكثيف والتناص مع عالم المتلقي، اي قصه من القصص تحيل القارئ الى عالم ذهني عاش الكثير من تفاصيلها ، ففي قصه (نافذة) ( القت تذكرتين في الحقيبة واختفت تاركة نافذتها مفتوحة للعصفورين)
جميع القصص تبحث في عوالم الحرمان ( دراما) تخلق الاحساس بحيوية هذا الحرمان تجربة شعورية فيها احاسيس ومشاعر تكشف عن مكونات الشخصية ومكونات المشهد، استطاع القاص نذير معيوف من سبر اغوار النفس ورسم من الحرمان اثر ادبي
قصة( مثل الرمل)( حواجز امرأة نبذت حرمانها على قطعة الرخام كانت متوهجة ، وألف امرأة تقفز داخلها، تحسست قطعة الرخام الباردة وامتدت يدها حيث كان يجلس فوجئت بسخونة المكان كأنما رغبته التي ركنها هنا استيقظت) والحرمان وسيلة لمعرفة مكونات النفس الشخصية، والتغلغل في اغوارها في قصة( ثلاث اقدام) تصل لنا معاناة شاب من معوقي الحرب تمتزج عواطف ومكنونات ومكبوتات حرمان تؤثر شعوريا او لا شعوريا في سلوكه، ومنه نصل الى جوهر الانسان (اعيدوا لي ما سلبتم وخذوا ترهاتكم واحشروها في ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠)
٠(حلم كثيرا احلاما غريبة وهرست تلك الاحلام مع اجزائه التي ظلت في ارض الحرام)
وهذا الشعور بالحرمان يعكس شخصية المبدع في تصوير الواقع ووعيه في خبايا النفس وفي قصة ( طرق ) يتحدث عن المعتقل الذي اربك حياته كشف مقتطف حياتي جرب اغلب الشعب معاناة المعتقل فقرب لذهن المتلقي عقدة نفسية سببت عوق انساني، والملاحظ ان شخصيات هذا الحرمان لا يشعرون بنقص بالذات و كل هذه الامور لا تنقص انسانيتهم وتلك هي رسالته حين وقف في الشارع ورفع اللافتات ليقول (ان اطفال التوحد منا)، بهذا السمو الاخلاقي تعامل مع الحرمان في السلم والحرب ،قدم لنا شخصيات حقيقية (في الحرب الكل يتشارك في الخوف ويتقاسم الموت بجرعات متقطعة)
(كان منظر الجسر حين وصلنا صراخ وقمصان ملونة تطير وتحلق في المكان مقسوما الى نصفين مثل المدينة شج راسه وسكرات الموت تنازعه يصرخ حديده ويستجير ليعلم الجميع ان ذاكرته احترقت)
قصص الحرمان نوهت الى وجود حرب وقتال و جراح وموت وقبور ومساحات من الحزن والايتام وحزن لقيط يبحث عن هوية وأب ، سيرة ذاتية للحرمان وحكمة مفادها ان الوجع كينونة الانسان
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat