في منزل يسوده الهدوء إلا من صوت الحزن العالق في الأجواء، جلس الحاج علي الدر على سجادته بعد أن أنهى صلاته، يسبّح بهدوء، لم تغفل أذنه عن الأصوات القادمة من الخارج. رفع بصره قليلًا، فرأى زوجة ابنه، كوثر، جالسة عند الباب، حقيبتها بجانبها، وجهها يكسوه الحزن، بينما ابنه حسن ينقل بعض أغراضها إلى سيارته، ملامحه متجهمة، أعمى الغضب بصيرته.
زفر الحاج علي زفرة خفيفة، ثم ناداهما بصوته الهادئ:
تعالا إلى هنا يا أبنائي، اجلسا معي.
نظر حسن إلى كوثر، وضع الحقيبة جانبًا وجلسا أمام والده، الذي ظل في مكانه على سجادته، يُقلّب مسبحته بين أصابعه. نظر إليهما للحظات، قال بصوت دافئ:
ما الأمر؟ لماذا أرى بينكما هذا الجفاء؟
تنهدت كوثر، وقالت بصوت يملؤه الألم، وهي تحاول أن تكبح دموعها:
عمي، أشعر أنني مجرد شخص زائد في حياة حسن. لا يشاركني شيئًا، لا يحكي لي عن يومه، ولا عن مشاكله، لا أشعر أنه بحاجة لي. حياته كلها لأصدقائه وخروجاته، أما أنا، فلا مكان لي فيها إلا كزوجة في اسمه فقط.
نظر حسن إلى والده، ثم قال مدافعًا عن نفسه:
وأنا يا أبي؟ ألا يحق لي أن أكون لي حياتي الخاصة؟ كوثر تريد أن تعرف كل شيء، تتدخل في قراراتي، تسألني أين كنت، مع من خرجت، كأنني طفل! أشعر أنني محاصر!
ابتسم الحاج علي بهدوء، ثم قال:
أترون؟ كل واحد منكما يرى المشكلة من زاويته، لكنكما لم تحاولا أن تريا الأمور بعيون بعضكما.
ثم التفت إلى كوثر وقال:
يا ابنتي، هل تعلمين كيف كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع السيدة خديجة؟ يحدثها، يشاركها همه وفرحه، وعندما يعود من غار حراء مرتجفًا، هي اول من لجأ إليها، لم يخجل من ضعفه أمامها، لأنها سنده.
ثم التفت إلى حسن وقال:
وأنت يا بني، ألم تتعلم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كيف يتعامل مع السيدة فاطمة الزهراء؟ كانا شريكين، لم يبعد أحدهما بعيدًا عن الآخر، وفي الوقت نفسه لم يكن أحدهما عبئًا على الآخر. الحب يا بني لا يعني أن تفقد حريتك، لكنه يعني أن يكون لديك شخص يفهمك، يسندك، يشاركك دون أن يُقيّدك.
نظر إليهما بعين الأب الحكيم، ثم أضاف بصوت هادئ عميق المعنى:
الزواج مثل مركب، إن لم يجدف فيه كلاكما معًا، سيغرق. حسن، لا تترك كوثر على الشاطئ بينما تبحر وحدك، فهي ليست عقبة، بل رفيقة. وكوثر، لا تجعلي حبك لحسن قيدًا له، بل اجعليه سببًا لأن يعود إليك بشوق لا بتثاقل.
ساد الصمت، ثم نظر حسن إلى كوثر وقال بصوت أكثر هدوءًا:
لم أدرك أنك تشعرين بكل هذا، لم أقصد أن أجعلك تحزين.
أطرقت كوثر رأسها، وقالت بخفوت:
وأنا لم أقصد أن أضغط عليك، فقط أردت أن أشعر أنني جزء من حياتك.
ابتسم الحاج علي برضا، ومدّ يده إليهما، فانحنى كل منهما ليقبل رأسه شاكرين حكمته واحتوائه. نهض حسن، وأعاد الحقائب إلى مكانها، بينما دخلت كوثر إلى المنزل معه، يحملان في قلبيهما درسًا جديدًا في الحب، مستمدًا من أسمى قصص الحب في الإسلام.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat