العلامة الطباطبائي في رؤى عبد الجبار الرفاعي بين الأمس واليوم..*
حسن علي الاحسائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسن علي الاحسائي

تتميز حركة البحث العلمي ومواصفات الباحث النزيه في أنه لا يتموج في رؤاه بفعل العرض والطلب للسوق الثقافية والفكرية التجارية، وبحسب ما تمليه الرغبات للإتجاهات غير النزيهه كالمؤسسات ذات العناوين الفكرية ولكنها تجارية وسياسية في الباطن والمحتوى..
وعليه فإن الباحث العلمي النزيه الممتلئة ذاته بشوق المعرفة ورغبة الفكر في أسفار أهل العلم والتحقيق وعقول ذوي التحليق بالفلسفة والتدقيق، فإنه في الحد الأدنى خلووو من المطامع المادية والجشع الوجاهتي بإسم الثقافة، و لا ينزلق في مهاوي الموضة العارمة بإسم التنويرات والحداثات ورغبات التجديد وأن لا تأخذه نوازع النفسيات المأزومة الراغبة في إضفاء العناوين التي طالما حلم به ولم تتحقق له ، و لا يكون مندفعاً في البحوث من واقع الألم الدفين لماضيه الذي يرغب في تمزيقه فيجترح بمبضع الألم الحقيقة والإنصاف..
بعد هذه الإطلالة أقول:
ماذا كان العلامة الطباطبائي ونتاجه الفلسفي ومنهجه العلمي في أطاريح ورؤى الدكتور عبد الجبار الرفاعي بالأمس وما هي رؤيته اليوم، والحكم للمشاهد في قراءة النتيجة وتحليل البواعث والدوافع.
* كان للعلامة الطباطبائي وتلميذه النجيب المبرز الرصين الشهيد مرتضى مطهري.قدس سرهما، حضوراً بارزاً وعناية خاصة من قبل الدكتور الرفاعي دراسةً وتأليفاً وترجمة وتحليلاً وتوصيفا.
حيث قد درس الدكتور الرفاعي كتاب بداية الحكمة للعلامة الطباطبائي وخرج توضيحه وشرحه في كتاب، وقام بترجمة كتاب شرح المنظومة الموسع للشهيد مطهري مع تقديمه بمقدمة قيمة مهمة تحليلية للفكر الفلسفي للشهيد مطهري..
وهكذا كتب بعناية خاصة كتاب بعنوان( تطور الدرس الفلسفي في الحوزة العلمية)... وكتب مقالات وترجم كثيراً...
وإليك أخ القارئ الكريم نماذج من رؤية الدكتور عبد الجبار الرفاعي للعلامة الطباطبائي في منهجه ونتاجه الفلسفي ثم قارنها بما صدر له مؤخراً، وأحكم بنفسك على الرؤيتين وقيم بنظرة الفاحص الموقفين :.
* النموذج الأول:*
في كتاب ( تطور الدرس الفلسفي).للدكتور الرفاعي الصادر في طبعته الأولى.عام 1999 م طبع ونشر مؤسسة الأعراف ، ككتاب لمجلة قضايا إسلامية معاصرة يترأسها الرفاعي نفسه ، توقف الرفاعي عند عتبة الدرس و المنجز الفلسفي للعلامة الطباطبائي قائلاً في الفصل الثالث ص 57:
[ 4 ـ عدم الوقوف على الفلسفة والعلوم الإنسانيةالغربية المعاصرة :
عمل العلاّمة الطباطبائي ، وتلميذه الشهيد الشيخ المطهري ، في الحوزة العلمية في قم ، والسيد الشهيد الصدر في الحوزة العلمية في النجف الأشرف ، على الاهتمام بالاتجاهات الحديثة في الفلسفة الاوروبية ودراستها ، والوقوف على ما انتهت إليه من أقوال جديدة في نظرية المعرفة ، وما تفرع عنها من رؤى كونية ، فنقدوها ، وقارنوا بينها وبين نظريات الفلاسفة المسلمين ، وقرروا الموقف المبرهن الصحيح منها.]
* تعقيب/*
لاحظ أيها القارئ ودقق في صياغة الرفاعي للرؤية، حيث يقول أن الفلاسفة الثلاثة(الطباطبائي،المطهري،الصدر)، *درسوا الفلسفة الأوروبية ولم يقرأوها ولم يطالعوها مطالعة صحف وجرائد، بل ووقفوا على ما إنتهت إليه من أقوال جديدة في نظرية المعرفة، ثم تأمل عبارته الأخيرة. *( وقرروا الموقف المبرهن الصحيح منها..)..*
ثم في الفصل الرابع المخصص للعلامة الطباطبائي يقول في هامش الفصل:
( أنا مدين بكتابة هذا الفصل لصديق يدرس الفلسفة في احدى الجامعات العربية، استشارني في عنوان موضوع يقدمه في الدراسات العليا، فاقترحت عليه أن يكتب عن الابداع الفلسفي لفيلسوف مسلم مثل محمد اقبال أو العلامة الطباطبائي أو الشهيد المطهري أو الشهيد الصدر، غير انه لم يعبأ بقولي بل أبدى عدم اهتمامه بهؤلاء، وأظهر حماساً للكتابة عن أحد الفلاسفة الأوربيين، وربما اتهمني بالماضوية والسلفية، فإليه والى كل أبناء الاسلام المهتمين بالدراسات الفلسفية أهدي هذه الصفحات التي التقطت فيها شذرات من الحكمة العملية والنظرية للحكيم الالهي العلامة محمد حسين الطباطبائي.)...
ثم بعد رحلة مع حياة العلامة الطباطبائي وبناءاته الفلسفية والروحية، وصلنا الى الحلقة التي تحدث فيها الدكتور الرفاعي بعنوان( تجسير العلاقة بين الفلسفة الغربية والشرقية)، وبعد أن ذكر المحاولات الأولى لذلك التجسير مع حكيم طهران الزنوي وصولاً إلى إقبال اللاهوري، وصل الحديث إلى العلامة الطباطبائي فإنظر وتأمل نص عبارته أخي القارئ المتدبر لتقارنها بما سيأتي:
[ *غير ان الانجاز الأهم الذي عبر عن محاولة متكاملة وناضجة في التعرف على الفلسفة الاوربية الحديثة وتحليل مقولاتها وتصنيف أفكارها، واكتشاف مواطن لقائها وافتراقها مع الفلسفة الشرقية، هو انجاز العلامة الطباطبائي الذي تجلى بوضوح في كتابه «أصول الفلسفة»* وانبث في مواضع عديدة من مؤلفاته الاخرى، من قبيل تفسيره «الميزان» وغيره.] ..
ثم عاد الرفاعي ليؤكد على التالي في فكر ونتاج العلامة الطباطبائي:
( ان تفحص (أصول الفلسفة) وما حفلت به آثار الطباطبائي الأخرى من اشارات للفلسفة الاوربية يؤكد لنا على أن الطباطبائي لا يهدف الى نقد الفلسفة الأوربية المادية فحسب، وإنما يعمل على بناء نظام فلسفي متين عبر توظيف معطيات الفلسفة الاسلامية *واعادة انتاجها بمزاوجتها بالعناصر الصحيحة في الفلسفة الأوربية*..)..
هذا كله في كتاب الدكتور الرفاعي( تطور الدرس الفلسفي في الحوزة العلمية)، الصادر عام 1999 م، ثم أعاد طبع الكتاب عام 2005 م، طبع دار الهادي..
والأفكار والرؤى تجاه العلامة الطباطبائي التي مر ذكرها أعلاه، هي ذاتها لم يجري عليها أي تبدل في الطبعة الحديثة..
*النموذج الثاني:*
في العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م من صحيفة الوسط ، كتب الدكتور عبد الجبار الرفاعي مقالة بعنوان( العلامة الطباطبائي مؤسسة حلقة قم الفلسفية)، حاول فيها الحديث عن محورية ومركزية العلامة الطباطبائي في الجهد الفلسفي وعطاءاته المتينة العميقة المحكمة بشهادة الخصوم الفلسفيين آنذاك، بعدما قدم بمقدمة حول( جماعة فيينا) ،( ثم مدرسة فرانكفورت)...
♻ وإليك ما يقوله الرفاعي :
*عن أهم منجز فلسفي مقارن وهو كتاب أصول الفلسفة والمنهج الواقعي:*
( ويعتبر صدور الجزء الأول من (أصول الفلسفة) في مطلع العقد السادس من القرن العشرين أعمق تحد فلسفي واجهته المادية الديالكتيكية، *لذلك عكف المعنيون بالشأن الفلسفي من الماركسيين الايرانيين على مراجعة هذا الكتاب، فأدهشتهم البراهين الدامغة التي ساقها الطباطبائي في نقض الأسس الفلسفية للمادية الديالكتيكية، وبهرتهم الأمانة والدقة العلمية في بيان هذه الأسس، ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ أحد منهم على منازلة الطباطبائي.*.. )...
وبعد هذه الوقفات مع الدكتور الرفاعي حول العلامة الطباطبائي وفكره ومنجزه الفلسفي الذي وصفه الرفاعي ب:
*( أعمق تحدي فلسفي واجهته المادية، أبهرتهم الأمانة والدقة العلمية، ... إلخ ..) ..*
هل هذا كله ينسجم ويتلائم ولا يرتسم عليه أي تناقض وتهافت مع ما طرحه مؤخراً في مقالته ( الفلسفة لا عقيدة لها)، :
( *كان معظمُ مدرسي وتلامذةِ الفلسفة في حواضر العلم التقليدية في القرن الماضي يفتقرون إلى تكوين لغوي يمكّنهم من مطالعة نصوص الفلسفة الغربية بلغاتها الناطقة بها، ما اضطرهم لمطالعة نصوصها المترجمة.*
ولم تتوافر للنصوص الفلسفية قبل منتصف القرن الماضي ترجماتٌ دقيقة، فقد اعتمد العلامة محمدحسين الطباطبائي بشكل أساسي في فهمِ الفلسفة الغربية ومناقشة آراءِ الفلاسفة، وقت تدوينه لكتاب أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، كتابَ: "تطور الحکمة في أوروبا لمحمدعلی فروغی "ت 1952" .
وكان فروغي مثقفًا سياسيًا وصحفيًا، ولم يكن متخصصًا في الفلسفة الغربية، وكتابُه هذا يمثّل معلوماتٍ عامةً وانطباعاتٍ سريعةً عن الفلسفة الغربية، ومما يؤسف أن فهمَه كان فهمًا سطحيًا مبسطًا، وملتبسًا أحيانًا، إذ كان يقرأ نصوصَ الفلاسفة ومقولاتِهم في سياق ثقافته المحلية، ولم تمكّنه أدواتُ قراءته من الغوصِ في أعماقها وإدراكِ كلياتها الكبرى، وتبصّرِ نسيج مفاهيمها وشبكاته المتشعبة، لذلك عمد الى خلع مصطلحات عليها لا تحكيها، وتقويلها ما لا تقوله.
*وشكّل كتابُ فروغی هذا عقبةً أمام الفهم الصحيح للفلسفة الغربية، عندما فرضَ على التفكير الفلسفي في الحوزة فهمَهُ الملتبس لهذه الفلسفة في تلك المرحلة، وأضحى هذا الكتابُ منبعَ إلهامٍ رئيسٍ لبعض دارسي الفلسفة في الحوزة في مراحل لاحقة،* ممن يهتمون بالتعرف على آراء الفلاسفة الغربيين، كما تشي بذلك الإحالاتُ المرجعية في كتاباتهم.
*وتأثر بالفهم، الذي قدَّمه فروغي، العلامةُ الطباطبائي وتلميذُه الشيخ مرتضى المطهري وبعضُ تلامذته الآخرين، وظهر تأثيرُه على فهم الفلسفة الغربية في مدرسة النجف، فكان فهمُهم وبعضُ تفسيراتهم ونقدُهم للاتجاهات الفلسفية الغربية لا يخلو من التباس في الفهم أحيانا..*)..
أيها الدكتور الرفاعي ألست أنت القائل في مقالتك بصحيفة الوسط عام 2003، مانصه :
*((.عكف المعنيون بالشأن الفلسفي من الماركسيين الايرانيين على مراجعة هذا الكتاب، فأدهشتهم البراهين الدامغة التي ساقها الطباطبائي في نقض الأسس الفلسفية للمادية الديالكتيكية، وبهرتهم الأمانة والدقة العلمية في بيان هذه الأسس، ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ أحد منهم على منازلة الطباطبائي.))..*
فكيف أصبح اليوم هذا الكتاب الفلسفي العتيد معتمداً على صحفي وسياسي لايملك العمق والدقة، بعد أن كان ذات الكتاب بالأمس وبنص عبارتك أبهر الماديين الماركسيين في دقته وأمانته العلمية في بيان الأسس المادية الديالكتيكية، بل وبنص كلامك لم يجرأ أحد منهم على منازلة الطباطبائي..!!؟؟
* مالك كيف تحكم أيها الدكتور الرفاعي..!؟؟*
أليس كان من السهل على المعنيين بالشأن الفلسفي الماركسي نسف كتاب العلامة الطباطبائي من رأس لأنهم يعرفون مستوى فروغي وأن إعتماد الطباطبائي عليه يعني سطحية الفكرة وبساطة المعالجة ؟!!.
فما بالهم طوال عقود لم يعرفوا ذلك ولم يقفوا عليه..؟!!
يا ترى هذه الضحالة في المستوى الفلسفي الذي اعتمده العلامة الطباطبائي إستناداً إلى كتاب فروغي كيف أعجز المعنيين بالشأن الفلسفي الماركسي ..؟؟!!
*ولا أعلم هل الدكتور الرفاعي غاب عنه أو إشتبه عليه الأمر أو تعمد التغافل أو أو..، ماذكره الشهيد مطهري في مقدمة كتاب أصول الفلسفة بقوله* :
[ إننا إعتمدنا بشكل أساسي في تقرير إتجاهات الماديين على *ما كتبه الدكتور آراني، والذي هو بإقرار الماديين الديالكتيين أنفسهم أنه أفضل باحثي هذا المذهب..] *
بل يقول الشهيد مطهري أن الدكتور آراني بلحاظ مؤهلاته العلمية والمعرفية *[ استطاع أن يطرح المادية الديالكتيكية بأفضل مما طرحها ماركس وانجلز ولينين ولذا اعتمدنا عليه بشكل أساسي..] *
*فهل بعد تصريح الشهيد مطهري الشارح المعتمد للكتاب بإعتماده وإستناده الأساسي على الدكتور آراني المعتبر لدى الماديين بتصريحهم كما نقله عنهم الشهيد مطهري في المقدمة، كيف جاز للدكتور الرفاعي تجاوز وإغفال صراحة ووضوح المطهري،* والذهاب ناحية الإدعاء أن العلامة وتلميذه المطهري اعتمدوا على فروغي الصفحي والسياسي؟!!!
*الحكم للقارئ الحصيف فيما هي المبررات والدوافع للدكتور الرفاعي في ذلك..*
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat