صفحة الكاتب : محمد جواد سنبه

هَلْ القَضَاءُ عَلى الإرهَابِ مَطْلَبٌ مُسْتَحِيلْ.؟.
محمد جواد سنبه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مؤخراً غيّرت الجماعات الإرهابيّة، إسلوب هجماتها لتحقق صدمة الخوّف، إضافة للأهداف التّالية: تدمير ثقة الشّعب بالقوات الأمنيّة والحكومة معاً. اثبا ت عنصر تفوّق الإرهابيّين على الأجهزة الأمنيّة. إثبات أن لا هدف يكون آمناً إذا ما أرادت القيادات الإّرهابيّة استهدافه.    

والسّؤال الذي يُثار عقيّب كلّ عمل إرهابي، لماذا يحصل هذا الخرق الأمني، بالرّغم من وجود إجراءآت أمنيّة مشدّدة نوعاً مّا، مع وجود العدد الكافي مِن العناصر الأمنيّة، ووجود الأجهزة الخاصة بكشف المتفجّرات؟. وبعد كلّ تفجير إرهابي، تظهر على شاشات الفضائيّات، وجوه ملّ الشّعب العراقيّ من رؤيتها، وهي تكرّر وتعيد، تصريحاتها التي سبق وأنْ صرّحت بها، في التفجير الفائت.
أعتقد أنّ الموضوع بحاجة إلى إجابة جديدة، وغير نمطيّة، توضّح للجميع، أسباب فشل الأجهزة الأمنيّة، في مكافحة الإرهاب. وهذه الإجابة، تنّبثق من رؤية مهنيّة تشمل دراسة أداء، كلّ مفصل من مفاصل الجهاز الأمنيّ و تقييم أدائه. مع إجراء مسّح شامل، يدّرس جميع مفاصل المنّظومة الأمنيّة بالكامل. إبتداءً من اختيار الأشخاص والتدريب والتجهيزات، وانتهاءً إلى العمل في الميدان. ولعلّ المحاور التي سأذكرها أدناه بشكّل موجز، تصلُح لأنْ تكون مقدمة لدراسة موسّعة. لإعادة النظر بأداء الجّهاز الأمنيّ، بعد تشّخيص مفاصل الخلل:
1. كفاءة العنصر البشريّ: من المعروف أنّ الأشخاص الأكفّاء، هم الذين ينجزون الواجبات على أكمل وجه، لذا يتطلّب الأمر مايلي:
أ‌. تنّقية الجّهاز الأمني، من جميع العناصر غيّر الكفوءة، لغرض غربلته، إضافة إلى تطهيره من كافّة العناصر التي اخترقته في وقت مّا. 
ب‌. إنّ قوات الإحتلال الأمريكيّة، ارتكبت خطأً جسيماً، بمنح رتب عسكريّة كبيرة، لعدد غير قليل من الضبّاط، ليشغلوا مواقع مهمّة في الجّهاز الأمني. وتكرر الخطأ مرّة أخرى مع ضبّاط (الدّمج)، فأصبح واضحاً للعيان، فقدان عنصر تراكم الخبرة، الذي هو عماد العمل المهني، والذي يُكتسب من التجربة الميدانيّة. ومن لاخبرة له يفشل بالتأكيد في أداء مهامه. هذه المشكلة ليست بسيطة، وإنما لها تداعيات نفسيّة كبيرة، تنعكس سلباً على المنتسبين في الرتب الأدنى. فالقائد الذي يحمل الرتبة العسكريّة باستحقاقه، يحظى باحترام كبير بين معيّته، إذا ما توفرت فيه مقوّمات القيادة النّاجحة بالطبع.
ج‌. ضرورة وجود القائد القدوة: العمل العسكري يختلف عن عمل الحدادة والبقالة. إنّه عمل يلعب فيه العامل النفسي دوراً كبيراً، في إرساء العلاقة المبنيّة على الثّقة والاحترام، بيّن الرتبة الأدنى والرتبة الأعلى، والعكس صحيح. وهذا العامل يتطلب انتقاء، شخصيّات قياديّة نزيهة وكفوءة ومهنيّة.
د‌. معالجة حالة (الفضائيّين والمتسرّبين). الفضائيّون أشخاص يقدمون الرّشوة لبعض الآمرين، مقابل تغيّبهم عن الدوام، مع ضمان تسجيل حضورهم في السجلات الرسميّة. أمّا المتسرّبون فهم أعداد، ينتقيهم بعض الآمرين لأسباب شخصيّة، للقيام ببعض الواجبات الشّكليّة البسيطة. ويجب الإلتفات إلى أنّ هذه الأعداد، تتزايد كلما كانت رتب الضبّاط المرتشين أعلى. واعداد الفضائيّين والمتسرّبين لها تأثيرات سلبيّة جداً، تنعكس على بقيّة المنتسبين، في الجوانب التّالية:
         أولاً. تنعكس آثار حالة (الفضائيّين والمتسرّبين) سلباً على الحالة النفسيّة والمعنويّة، لبقيّة المنتسبين في الوحدة العسكريّة، حيث تترك هذه الحالة ألماً نفسيّاً، وإحباطاً شديداً عند بقيّة المنتسبين، بسبب شعورهم بعدم العدالة والمساواة، بتميّيز البّعض منهم على البّعض الآخر.
ثانياً. بسبب إعفاء (الفضائيّين والمتسرّبين) من الحضور للدوام، وعدم تكليفهم بالواجبات إسوة بأقرانهم، يتحمّل بقيّة المنتسبين، أعباءً إضافيّةً في تنّفيذ الواجبات، للتّعويض عن نقّص (الفضائيّين والمتسرّبين). ومن الملاحظ أنّ المنّتسب من غيّر(الفضائيّين والمتسرّبين) يُكلّف بالعمل المتواصل فترة أطول من الفترة المقررة له للقيام بالواجب. وبالنّتيجة ينعكس هذا الأمر سلباً، على كفاءة عمل الأفراد بسبب التّعب والإرهاق، و بالتّالي على كفاءة الوحدة بالكامل.
ثالثاً. جرّاء هذه الممارسات السلبيّة، تتكرّس حالة اللامبالاة عند بقيّة المنتسبين، لذا نرى التّقصير واضحاً في مهام و واجبات المنتسبين على أرض الواقع.
2. عنصر التدريب : 
أ‌. تلعب المؤسّسة التدريبيّة، دوراً كبيراً في تنّمية الرّوح المعنويّة، وزرع الثّقة، وغرس روح الإقدام، داخل نفّس المتدرّب، وإشّعاره بأهميّة وجوده، وحرمة كرامته وعزّة نفسه. كلّ هذه العوامل، تجعل المنتسب يكون عنصراً شجاعاً مقداماً متفانياً، في عمله وأداء واجبه. وعلى المؤسسة التدريبيّة أيضاً تحديث مناهجها، لتساير بذلك المدارس التدريبيّة المتطوّر، وتكون مواكبة للتطوّر العلميّ والتقنيّ الحاصل في العالم. لكن من المؤسف أنْ لا تهتم مؤسّساتنا التدريبيّة بهذه الجوانب، بقدر اهتمامها وبشكل مفرط، بدروس تفكيك البندقيّة الآليّة (كلاشنكوف عيار 7.62 ملم). والإكثار من الاهتمام بحركات الاستعداد والاستراحة، والمسير النظامي، وكأنّنا في زمن (الانكشاريّة). وفي هذا التدريب الساذج، يلاقى المنتسب الكثير من الإهانات والتّحقير، وسحق شخصيّته المعنويّة. فينعكس ذلك على شخصيّة المتدرّب وسلوكه، أثناء تأديته للواجبات.
ب‌. يجب أنْ يخضع جميع المنّتسبين في الأجهزة الأمنيّة، ضباطاً ومراتباً، لدورات تأهيليّة مستمرّة، على المستويين النّظري والعملي، لتطوير مهاراتهم وقابلياتهم المهنيّة. بشرط أنْ يكون النّجاح في هذه الدّورات، أحد متطلّبات الترقية للرتبة التاليّة.
3. عنصر الأجهزة والمعدات: إنّ مكافحة الإرهاب بشكل فاعل، يتطلّب توفّر معدات تقنيّة حديثة، لدى الأجهزة الأمنيّة، مع امكانيّة استخدامها بكفاءة. والجدير بالذكّر أنّ أجهزة (الآي دي) المستخدمة حالياً، أثبتت فشلها بشكّل واضح. فيجب التّعاقد مع شركات عالميّة معتمدة، تتمتع بمصداقية عالية. لتجهيز قوّات الشرطة، بمعدات الكشف عن المتفجّرات، بمختلف تراكيبها الكيّمياويّة. و يجب أنْ نقرّ بأنّ أجهزتنا الأمنيّة، تتعامل في مجال مكافحة الإرهاب، بطريقة بدائيّة، مما يؤدي إلى هدر المزيد من الدّماء البريئة.
4. العنصر المخابراتي: وهو الجّهاز الذي يقدّم المعلومة، قبل أنْ ينفّذّ العدوّ مهمّته. وبما أنّ الموضوع متعلّق حصراً، بمكافحة الإرهاب، فيجب وضع خطّة متكاملة لتغطية هذا الجانب. مع الأخذ بنظر الاعتبار، اختيار عدد من سيّارات الصّالون المدنيّة، و وضع أجهزة كشف المتفجّرات بداخلها، وتُنشر هذه السيّارات على الطرق الداخليّة والخارجيّة. لتعمل عمل دوريّات الرصد الاستخباري، التي تقدّم المعلومات عن أيّ هدف مشبوه، قبل وصوله إلى مكان التّنفيذّ. وبالتالي إتاحة وقت كافٍ، أمام القوّات الأمنيّة، ليتسنى لها معالجته بالوقّت المناسب وقبل تنّفيذ العمل الإرهابي. إنّ اختراقّ مديريّة مكافحة الإرهاب من قبل مجموعة إرهابيّة في يوم 31 تموز 2012، يقدّم الدليل الملموس بضعف الأداء الاستخباراتي. وبالرغم من تصريح مسؤول رفيع في وزارة الداخلية، بأن المعلومات الاستخباراتيّة أدت الى فشل الهجوم الارهابي على مديرية مكافحة الارهاب، لكن الواقع يثبت عكس ذلك. فلو كانت هناك معلومات استخباراتيّة مسبقة، لتمّ إحباط الهجوم قبل تنفيذه داخل مبنى مديريّة مكافحة الإرهاب.         
5. عناصر؛ التحقيق، والإجراءآت القضائيّة، وتنفيذ الأحكام. كل هذه العناصر أركان مهمّة في عمليّة حفظ الأمن العامّ، وأنّ أيّ فشل في هذه الجوانب، يعقبه كوارث أمنيّة لاحقة. فبسبب التباطؤ وعدم انجاز التحقيقات أو المحاكمات أو تنفيذ الاحكام، بحقّ الإرهابيّين، أعطى لبعضهم الفرصة تلو الفرصة، للهرب من المعتقلات، وكان من بيّنهم قيادات إرهابيّة. كما أنّ التراخي في هذه الجوانب، يفقد هيّبة السلطتيّن القضائيّة والتنّفيذيّة، في نظر المواطنين، وفي نظر المجرمين أيضاً.   
6. عنصر الإعلام: يجب عدم إهمال دوّر الإعلام، في مجال التوعيّة الجماهيريّة، وتدميّر الجانب النّفسي للعدو. من خلال تقديم برامج مدروسة ومعدّة إعداداً جيّداً، بالتّعاون مع أكاديميّين في علم النّفس وعلم الاجتماع. 
إنّ الأفكار الواردة ليست عصيّة على التطبيق، فدم الأبرياء وأرواح العراقيين، تستحقّ إعادة النّظر بعمل القوّات الأمنيّة. ومن وجهة نظري، فإنّ هذه الملاحظات، تشكّل بداية لورقة عمل، من الممكن تطويرها، بإضافة أفكار جديدة إليها. وإنّي توخيّت الاختصار الشّديد، من أجل إيصال فكرة مبّسطة عن الموضوع للسّادة المسؤولين. كما لا مناصَ من النّظر إلى الموضوع الأمنيّ، باعتباره عمليّة بنيويّة متكاملة، تتداخل فيها العناصر الواردة أعلاه، بشكّل متفاعل. وإنّ أيَّ ضعف في أيِّ عنصر من هذه العناصر، ينعكس سلباً على عمليّة كبح الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار. والله تعالى من وراء القصد.  
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جواد سنبه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/02



كتابة تعليق لموضوع : هَلْ القَضَاءُ عَلى الإرهَابِ مَطْلَبٌ مُسْتَحِيلْ.؟.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net