الإبتلاءُ أو البلاء / إمتحانٌ أم جزاء ؟ .
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد فرج الله الاسدي

التعريف / المقدمة / أقسام الإبتلاء …
يعرّف الإبتلاء اصطلاحاً : الإختبار والإمتحان.
والبلاء : المصيبة أو الرَّزِية التي تصيب الإنسان .
إن النعم الإلهية تتوالى على العباد ، فهي تترى عليهم - كغيث السماء حين تروي الأرض بزخات مطرها – كذلك تنتعش الأرواح والأبدان بالنعم ، وما ذلك إلاّ من فيض كرم الله تعالى وفضله وإحسانه ورحمته على عباده ، لتكتمل عندها أرواح العباد إيماناً بخالقها شكراً وصبراً .
ومن تلك النعم الصبر فكان أساس الإيمان ، والصبر بمنزلة الرأس من الجسد كما جاء في الروايات ، وكل أعمال الإنسان تعتمد بالدرجة الأولى على الصبر .
فلولا الصبر لما استطاع الإنسان أن يؤدي شعيرة في الإسلام كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من العبادات .
والصبر على البلاء أو المصيبة هو عبادة في الواقع ، لأن البلاء بعنوانه الأوسع رحمةٌ ونعمة ، فبالصبر تُنال النتائج ظفراً وفوزا ، وخلافه الجزع بالخسارة والإنهزام .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
إِنَّ أَعْظَمَ اَلْجَزَاءِ مَعَ أَعْظَمِ اَلْبَلاَءِ وَإِنَّ اَللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً اِبْتَلاَهُمْ بِبَلاَءٍ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ اَلرِّضَا وَ مَنْ سَخِطَ فَلَهُ اَلسَّخَطُ. (١)
ينقسم البلاء إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول :
يأتي البلاء نتيجة أعمال الإنسان التي توجب نزوله .
لكل عمل أثر ، سواء أكان ذلك العمل حسناً أو سيئاً .
فعندما يقوم الإنسان بدفع الصدقة مثلاً ، يَدفع اللهُ عنه سبعين نوعاً من البلاء كما ورد في أحاديث أهل بيت العصمة والطهارة .
لكن الذي لايدفع الصدقة سيواجه المصاعب والمشاكل بدون شك .
وعندما يقدّم هذا الإنسان الخير إلى الناس سيحصد خيراً .
لكن الذي يقدم الشر والإساءة قطعاً سيترتب عليه نفس الأثر .
وعندما يَبرُ الإنسان بوالديه ، يُبَرُ به ، وعكس ذلك أيضا.
قال تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ) ، ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ). (٢)
إذن نستنتج أن بعض البلاء الذي يصيب الإنسان هو نتيجة أفعاله وأعماله.
القسم الثاني :
هو الإختبار والإمتحان من عند الله سبحانه وتعالى ، فيستجيب المؤمنون خصوصا لخالقهم بالصبر والتحمل ، وذلك لضمان ثبات إيمانهم ، والتدرج في مراتب الصبر حتى ينالوا الدرجات العلى .
من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام قال فيها:
حَتَّى إِذَا رَأَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ اَلصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى اَلْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ وَاَلاِحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ اَلْبَلاَءِ فَرَجاً فَأَبْدَلَهُمُ اَلْعِزَّ مَكَانَ اَلذُّلِّ وَاَلْأَمْنَ مَكَانَ اَلْخَوْفِ فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً وَأَئِمَّةً أَعْلاَماً وَقَدْ بَلَغَتِ اَلْكَرَامَةُ مِنَ اَللَّهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَذْهَبِ اَلْآمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ. (٣)
فكان هذا الإمتحان جزاءً حسناً من عند الله تعالى لهؤلاء المؤمنين وهو على وجهين :
(أ) : إنما أراد الله لهم زيادة الأجر مما يرفع منازلهم ومقاماتهم في الحياة الدنيا فضلاً عن الآخرة ، كما ورد عن أهل البيت عليهم السلام : أن لِلْجَنّةِ درجات ، فيشتد التنافس على تلك الدرجات ، درجات النعيم في مقام كريم ، كلاً بحسب سعة صبره وتحمله وإيمانه .
قال تعالى : وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . (٤)
(ب) : إن الإنسان عندما يمر بمرحلة صعبة ويتجاوزها بقوته ، سَيَهونُ عليه التمحيص والبلاء فيما بعد ، ليجد نفسه أكثر صلابة ، فيسهل عليه اجتياز ما يلي من الشدائد .
القسم الثالث :
وهو أن هناك بلاءً عاماً ، يُبتلى بها مجموعة من الناس تشمل المفسدين وغيرهم ممن قصروا في بعض واجباتهم الشرعية من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
قال الإمام زين العابدين عليه السلام : اَلذُّنُوبُ اَلَّتِي تُنْزِلُ اَلْبَلاَءَ ، تَرْكُ إِغَاثَةِ اَلْمَلْهُوفِ ، وَتَرْكُ مُعَاوَنَةِ اَلْمَظْلُومِ ، وَتَضْيِيعُ اَلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَاَلنَّهْيِ عَنِ اَلْمُنْكَرِ. (٥)
فهذه الأسباب التي ذُكرت تُنزل البلاء شاملاً الجميع ، إذا ماطُبقت مثل هذه الواجبات .
قال تعالى :
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . (٦)
أما المفسدون فيكون عليهم البلاء نقمة ، إذا ماعادوا إلى رشدهم وربهم وتابوا توبة نصوحا ليغفر الله بهذا الإبتلاء ماتقدم من ذنوبهم ، إن هم صدقوا كما وعد بذلك عز وجل في كتابه الكريم .
قال تعالى : إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. (٧)
كما في قصة أصحاب النبي يونس عليه السلام رفع الله عنهم العذاب لتوبتهم ورجوعهم إلى الله تعالى قال عز وجل : إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . (٨)
وفي جميع الحالات يكون البلاء نعمة كبيرة من عند الله سبحانه تعالى لعباده ، حتى ينقذهم من ظلمات التيه ومستنقعات الفساد ، إلى نور الهدى وطريق الصلاح ، كل ذلك رأفة ورحمة منه وهو الرحيم الودود .
قال الإمام العسكري عليه السلام : مَا مِنْ بَلِيَّةٍ إِلاَّ وَلِلَّهِ فِيهَا نِعْمَةٌ تُحِيطُ بِهَا . (٩)
خلاصة القول أن البلاء تارة يكون إمتحان وتارة جزاء ، والله سبحانه وتعالى هو العالم .
نسأل الله تعالى أن نكون من الصابرين في السراء والضراء وحين البأس لننال رضاه بحق ساداتنا محمد وآل محمد عليهم السلام والحمد لله رب العالمين .
محمد فرج الله الأسدي
12/ذي الحجة/1446 هـ
9/6/2025 م .
الهوامش:
روضة الواعظین ج٢ ص ٤٢٣.
سورة الزلزلة ٧-٨ .
بحار الأنوار ج١٤ ص٤٦٥ .
الأنفال ١٧.
وسائل الشیعة ج١٦ ص٢٨١ .
الروم ٤١ .
الفرقان: ٧٠ .
يونس ٩٨.
بحار الأنوار ج٧٥ ص٣٧٤.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat