صفحة الكاتب : د . نبيل ياسين

قلبي على وطني: العراقيون في خطر
د . نبيل ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كان تغيير نظام صدام عاصفة. لكن عاصفة التغيير مستمرة حتى الآن ، تغير اتجاهاتها بين مرحلة واخرى . 

سأترك السياسيين وخلافاتهم. وسأترك هواة الوظائف البرلمانية والوزراية الذين استهوتهم السياسة للدخول في هذه المناصب فهم يزيدون هذه العاصفة عصفا ودويا ويقدمون العراق خروفا على مذبح الاطماع والاحقاد الاقليمية والدولية ،التاريخية والجغرافية والثقافية.
العراق في خطر. هل هذا اكتشاف جديد؟ لا. فالخطر محدق بالعراق من داخله وخارجه.  
وداخل العراق  ليس بؤرة العاصفة وانما امتداداتها.وما يقوله الكتاب الوطنيون لايسمع. واذا سمع فانه يتحرف على يد السياسيين الذين يريدون الاستيلاء على الافكار والمقترحات وينفذونها، اذا نفذوها، بعقليتهم الخاصة التي تزيد العاصفة اشتدادا ، وبتصريحاتهم المتكررة التي تدل على جهل عميق بالسياسة ووظيفتها. فأفضل سياسيينا المحترفين تنقصهم ثقافة ادارة السياسة وادارة الدولة وادارة الازمات، فكيف بمعقبي ومعقبات  معاملات المحامين في محاكم صدام وقاطعي وقاطعات تذاكر المستشفيات وبائعي وبائعات الخضروات الذين اصبحوا نوابا ومستشارين ووزراء وسفراء ومخططين للسياسة الداخلية والدولية وقادة لعراق لانعرف لمن يعود؟
علينا نحن العراقيين مواجهة الواقع. فبدل ان نفخر بان العراق بلد الحضارات علينا ان نشعر بالعار لتحوله الى بلد للنفايات .
فأي معنى للقول نحن ابناء السومريين او احفاد البابليين فيما الزقورة صارت تل نفايات في كل شارع ، ومسلة قوانين حمورابي تحولت الى لوحة لتعليق مفاتيح السيارات. واذا كنا نفخر بان العراق بلد الائمة والشهداء علينا ان نشعر بالعار لتحوله الى بلد التجارات بقيم الائمة وتحويلها الى تجارة دينية بما ابقوه هؤلاء الائمة من قيم الزهد والايثار والتضحية فتحولت المساكن الى فنادق والايمان الى سبحة والدم الى تربة والجراح الى علك والسبايا الى سوفنير ،او تذكار. 
واذا كنا نفخر بان العراق بلد الشعراء والادباء والفقهاء والكتاب واصحاب الرأي والكلام والعقل فعلينا ان نشعر بالعار لتحوله الى بلد للأميين والجهلة ومزوري شهادات العلم والمعرفة بحيث لم يبق دور للعقل ولا حرمة للرأي وتحول فيه الشعر الى هوسات  تكذب وتمدح وتلفق الامجاد لتستدر خمسين الف دينار من الممدوح، فيما الارض تتصحر والصناعة تتحول اموالها الى رشاوى لاعلام صدام. 
 
والخنجر في خاصرة العراق
نعم لا امجاد ولافخر اليوم. علينا فعلا ان نشعر بالعار لا بالفخر. فبم نفخر؟ باللصوص الذين نهبوا اموال العراق؟ ام بالاميين الذين تحولوا الى قصابين يقطعون لحم بلادهم لدول الجوار ودل العالم ملفوفا بورق الجرائد ومدموغا بشاشات الفضائيات وموزونا بتصريحات الدلالين والدلالات وبائعي وبائعات الملابس الداخلية المهربة . 
اليس هذا هو الواقع ام انه جزء من خيالاتنا المريضة بنظر من ساق العراق الى هذا المذبح ؟ لقد تحولت اشلاء العراق الى مزايدة للتحريض والمنازعات ، وشبح او طيف التقسيم ،فقط من اجل الحصول على اصوات انتخابية. ألم يقدم السياسيون، من كل صنف، العراق الى المجهول على طبق الفوضى وقوانين العشائر والمحلات والطوائف والمحافظات ومجالس المحافظات ومواكب السيارات المصفحة وغير المصفحة الطويلة التي تشتم الشعب باصواتها وصفاراتها وصراخ حماياتها بينما كرامة العراقيين وسيادة بلادهم ووحدة شعبهم تتناثر على الارصفة المكسرة والمهدمة التي تحتلها العربات والبسطات والبضائع والحمير والخيل والدراجات والاتربة في عراق آخر لايمت بصلة لعراق السياسيين؟
اليس هذا سبب لكي يكون العراق في عين العاصفة او في قلبها دون ان يكون هناك برلمان للسياسيين لا برلمان لمن يجهل السياسة ولايعرف منها سوى امتيازات النائب وتزوير الشهادات وابتزاز مؤسسات الدولة برشاوى المقاولات وكوميشن المناقصات غير الشرعية.؟
 
اقصاء العقل والفكر والرأي العام
سأتكلم بوضوح وصراحة .وسأستعمل المصطلحات كما هي، وسأجد من يتهمني بالطائفية والعنصرية  والحقد والفردية لان الموقف من التاريخ والحاضر ليس موضوعيا وانما منحاز  طائفيا ووجدانيا وعاطفيا. 
اسوق لكم مثلا على العلة. علة الاحتكار والاحتقار والانعزال والتمسك بالاثم واعتبار ملكية العراق ملكية حزبية او شخصية او ايديولوجية حتى لو ادت هذه الملكية المزورة والمسروقة الى انهيار العراق وخروجه من الجغرافيا بعد تشويه التاريخ وسرقته ايضا. منذ بداية الازمة الاخيرة(لان العراق لم يخرج من ازمة الا ليدخل في اخرى) وضعت مشروع المؤتمر الشعبي الوطني لحل الازمة ، اي اشراك النخب العراقية وفئات الرأي العام وافكارها ودورها وقوة افكارها في حل الازمة خارج كواليس الكتل البرلمانية. 
واتصلت بعدة قيادات وكتل سياسية ولكنها كمايقول اللبنانيون (طنشت) على المشروع ولم تتفاعل معه ، بل ان احدهم قال لي امض على بركة الله فنحن لا علاقة لنا بمؤتمر حل الازمة. 
ورغم اني اعرف اني خارج اللعبة الاقليمية والدولية التي تتجاذب اطراف الازمة وتديرها بادوات عراقية، الا اني مضيت في قناعتي بان للشعب دورا اساسيا في حل هذه الازمة لانها في النهاية ليست ازمة السياسيين الذين يقبضون ثمنها ، ولكنها ازمة الشعب الذي يدفع ثمنها موتا ونقصا في الخدمات وشعورا باليأس والحزن والقرف والملل وخسران الراحة والاستقرار وتطور حياة افراده.
 
مالذي جرى ومتى جرى مايجري اليوم؟
في مساء يوم الانتخابات الاولى في31 كانون الثاني 2005 خرج وزير الخارجية البريطاني آنذاك جاك سترو على شاشة سكاي نيوز بعد ان اتضحت اغلبية التحالف الوطني وقال (لن نسمح بتهميش السنة). قلت في نفسي سيتخرب كل شئ. ليس لانني اتمنى تهميش السنة بل على العكس.
فضلا عن انني لا افكر سياسيا بالسنة او الشيعة، ولكني اعرف ماوراء التصريحات.
بعد نصف ساعة خرج الرئيس الامريكي جورج بوش  بتصريحه( لن نسمح بتهميش السنة) فقلت لن يستقر العراق.
فالقياس الدولي عن وضع العراق اصبح يقاس بالميزان الطائفي.
ولابد ان هذا كان مايخطط له وضع جديد يريد قلب العملية السياسية.
فشلت اغلبية الحكم السياسية، وقد اعطى القادة السياسيون للشيعة ذرائع واقعية لبعض دول الجوار ولدول كبرى لاعادة توجيه الوضع.
كنت قد لاحظت ان عام2004 قد شهد تحولا في الاستراتيجية الامريكية تجاه العراق. في خريف ذلك العام شهد منتجع كامب ديفيد لقاء حاسما بين الرئيس الامريكي جورج بوش وبين الملك عبد الله بن عبد العزيز حين كان بعد وليا للعهد. 
هناك ما تسميه السياسة مبادئ ، مثل مبدأ الارض مقابل السلام، او مبدأ النفط مقابل الغذاء. 
من الواضح ان المبدأ الذي ظهر في كامب ديفيد بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية كان النفط والمال مقابل السنة.
خاصة وان المنتجع شهد الاتفاق على اكبر صفقة طائرات حربية بقيمة ثلاثة وعشرين مليار دولار.
منذ ذلك التاريخ بدأ العد العكسي للعملية السياسية في العراق لتصل الى ماهي عليه اليوم وربما تطورت الى اسوأ مماهي عليه الآن.
التمسك بالفشل واعادة انتاجه
واذا ظل العراق يعتمد على طبيب فاشل او مهندس لم يجد عملا ،او شيخا درس بعض الفقه ولم ينجح، او صحفي حزبي اسلامي لم يعمل في صحافة مهنية، او ابن اخت هذا او ابن اخي ذاك المسؤول ليقود سياسته الاعلامية ، فان المعركة خاسرة.
فالحرب اول ماتبدأ بطبول الاعلام لتنتهي بدوي المدافع وازيز الطائرات، وكانت هند بنت عتبة تمسك دفها تحرض زوجها ابا سفيان وكفار فريش لينتصروا في احد بعد ان ترك المسلمون وصية الرسول وتركوا مواقعهم على سفح احد طمعا في الغنائم فقتل حمزة وجرح الرسول وفر المسلمون.
كان صدام يريد ان يخوض حروبا ليخرج منها نابليون ويخرج من قواده  الالماني رومل او البريطاني مونتغمري او الامريكي مكارثر ولكن الخراب كان النتيجة الوحيدة لهذه الحروب.
وهواية خوض الحرب سرعان ماتتحول الى مهنة خطيرة كما حدث في العراق ويحدث الآن في الشرق الاوسط.
مسلسلات تاريخية تمهد لحرب طائفية طويلة الامد وحاسمة. ولن ينفع معها المرتزقة والانتهازيون وتجار المال السياسي، كما لن تنفع معها المسيرات التي يطلق عليها المليونية لانها ستكون حطب تلك الحرب. 
واذا كان علي بن ابي طالب قد اغتم واهتم من غارات جند معاوية على الانبار فلانه كان يعرف ان محرابه سيقتحم ذات يوم ليقتل. 
وكان المنصور لما ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بالنفس الزكية في المدينة دعا اسحاق بن مسلم العقيلي وكان شيخا ذا رأي وتجربة  فقال له : اشر عليّ في خارجي خرج عليًّ، قال: صف لي الرجل. 
فال المنصور: رجل من ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو علم وزهد وورع. قال العقيلي: فمن تبعه. 
قال المنصور: ولد علي وولد جعفر وعقيل وولد عمر بن الخطاب وولد الزبير وسائر قريش واولاد الانصار. قال العقيلي: 
صف لي البلد الذي ظهر فيه، قال: بلد ليس فيه زرع ولاضرع ولاتجارة واسعة. ففكر العقيلي ساعة ثم قال: اشحن يا امير المؤمنين البصرة بالرجال.  فقال المنصور في نفسه: قد خرف الرجل، أسأله عن خارجي خرج بالمدينة فيقول اشحن البصرة بالرجال. 
فقال المنصو للعقيلي : انصرف ياشيخ. ثم لم يكن الا يشسير حتى ورد الخبر ان ابراهيم الامام ( اخ محمد النفس الزكية) قد ظهر بالبصرة فقال المنصور عليّ بالعقيلي. 
فلما دخل عليه ادناه ثم قال له: اني قد شاورتك في خارجي خرج بالمدينة فاشرت عليّ ان اشحن البصرة بالرجال.
او كان عندك من البصرة علم؟ قال: لا، ولكن ذكرت لي خروج رجل اذا خرج مثله لن يتخلف عنه احد. 
ثم ذكرت لي البلد الذي هو فيه فاذا هو ضيق لايحتمل الجيوش فقلت انه رجل سيطلب غير موضعه ففكرت في مصر فوجدتها مضبوطة، والشام والكوفة كذلك. 
وفكرت في البصرة فخفت عليها منه لخلوها من فاشرت بشحنها.
فقال له المنصور : احسنت وقد خرج بها اخوه فمالرأي في صاحب المدينة؟ قال ترميه بمثلة. اذا قال انا ابن رسول الله قال هذا وانا ابن عم رسول الله. 
فقال المنصور لعمه عيسى بن موسى: اما ان تخرة اليه واقيم انا امدك بالجيوش، واما ان تكفيني ما اخلف ورائي واخرج انا اليه. 
فقال له عيسى: 
بل اقيك بنفسي يا امير المؤمنين واكون انا الذي بخرج.مالذي غم حكامنا لايرمون اعداءهم بمن يضاهيهم او اعلى؟ واسوأ من ذلك يسمعون طبول الحرب ويعتقدون انها زفة عروس او وجبة دجاج مجمد من ذبح البرازيل الحلال. او زفة معتمرين على حساب الملك عبد الله بن عبد العزيز  لتبديل زي رجال الدين السنة من الجبة والعمامة المكية الى الدشداشة والغترة الاعرابية.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . نبيل ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/13



كتابة تعليق لموضوع : قلبي على وطني: العراقيون في خطر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net