العاشر من محرم الحرام مولد الأمام الحسين عليه ألف سلام
حمزة علي البدري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حمزة علي البدري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بقلوب مفجوعة , وبعيون تذرف الدموع الكاوية , وبنفوس يفترسها الحزن الدهري , نعيش افجع فجيعة , وأوجع مأساة في التاريخ , إلا وهي استشهاد أبي الأحرار وقائد الثوار المجاهد الأول , والفدائي الأول سبط الرسول العظيم وابن البتول الشهيد الخالد المخلد في دوحة الخلود والأبدية الأمام ( المعجزة ) الحسين بن علي بن أبي طالب الذي أعطى البشرية جمعاء دروسا بليغة في الصبر والتضحية والإقدام والاقتحام , فذكرى الحسين خريدة وفريدة في تاريخ الشهادة من اجل إعلاء كلمة لا اله إلا الله محمد رسول الله , وإرساء دعائم الإيمان , وترسيخ مضامين القران الكريم , وإدامة أركان الإسلام القويم .. فالحسين ( ع ) وبحق وحقيق فارس لن يبارى , وعملاق لن يجارى , ومجاهد لن يضاهى , وقد قدم للعالم صورة مشرقة وفريدة بالتضحية بنفسه وعائلته وصحبه يعجز عن تصويرها المنطق والخيال , فاللغة تظل قاصرة عن تبيان شمائل ومزايا الإمام أبي عبد الله , وان أي أسلوب مهما تعالى وتسامى يظل عاجزا عن التعبير عن ملحمة استشهاد الحسين الفرد المتفرد بخصائص لم يتمتع بها احدٌ , إذ نجد من المؤكد أن استجابة الدعاء تحت قبته , والشفاء في تربته , والأئمة المعصومين من ذريته , ( وان المكلف مخير مع عدم قصد الإقامة بين القصر والإتمام بصلاته في الحائر الحسيني أسوة بالمسجد الحرام ومسجد النبي ( ص )ومسجد الكوفة , ولا يلحق بهذه الخاصية سائر المساجد والمشاهد .. كما هو مؤكد في الكتب الفقهية.
إن أمام المسلمين الحسين ( ع ) يمتلك خصوصية خاصة تخلب الألباب وتسلب الدهشة والعقول والإعجاب إلا وهي ( الأربعينية ) والتي لا مثيل لها في الوجود كله , فأي راحل يحظى بهذا الشد الجماهيري الهائل , إذ وصل تعداد الزوار للمرقد الشريف المقدس رقما خياليا لم يصدق , والغالبية الغالبة أتت و تأتي مشيا على الإقدام ولأيام متوالية وهي تستمريء المتاعب والمصاعب والمصائب وتتسابق بتحدي السيارات المفخخة والتفجيرات الهمجية , فكل الوافدين يعشقون الموت من اجل التبرك بهذه الزيارة العاشورية العظيمة .. فضلا عن الزوار الوافدين من مختلف دول العالم الإسلامي , إذ يتحملون وعثاء السفر والكثير من المنغصات وقد تكون قاتلة كما حدث بالفعل في الزوار العرب والأجانب , يدفعهم العشق الصوفي لمعانقة الضريح المقدس .. فماذا نقول عن هذا الرجل الرباني الذي امتلك الأفكار والعقول والنفوس , وقوم كل معوج , وأضاء كل ظلام , وقد صدق شاعرنا الكبير المخلد الجواهري عندما صدح بصوته الصاعق المجلجل :
ويا بن التي لم يضع مثلها
كمثلك حملا ولم ترضع ِ ويا بن البطين بلا بطنة
ويا بن الفتى الحاسر الانزع ِ فنورت ما اظلم من فكرتي
وقومت ما اعوج من أضلعي
هذا هو الإمام الأعظم المعظم الذي يعيش بين أضلعنا , انه لم يستشهد في اليوم العاشر من محرم الحرام إنما ولد فيه ولادة تاريخية لم تكرر لغيره قطعا , فان يوم استشهاده ليس موتا له وليس رحيلا عن الوجود إنما هو ولادة متجددة في كل لحظة .. إنها ولادة تحمل ذكريات لن تموت , وتبلور مبادئ لن تخبو ولن تزول , ولادة تؤكد للبشرية قاطبة بأنها منحت سبط الرسول ( ص ) هوية الحياة الأبدية والخلود السرمدي , فالشهادة توجت الإمام المعصوم بالشهرة الشهيرة المنتشرة في آفاق العالم كله .
اجل إن العاشر من محرم الحرام هو ليس استشهاد الإمام الأغر الحسين ( ع ) بل هي ولادة عالمية إذ عرفه العالم اجمع بهذا الاستشهاد الأمثل والمشهود والذي به انتصر الدم الطاهر على السيف الغادر , وانتصر الإيمان الرفيع على البهتان الرقيع , وانتصر الإسلام الحنيف على الكفر والإلحاد السخيف , وانتصرت المبادئ والقيم القيمة والسليمة على الخزعبلات والانحرافات العقيمة والوخيمة .
إننا من منطلق حبنا الجارف والمتجدد والمتصاعد لسيد الشهداء الحسين ( ع ) نذرف الدموع مدرارا ونخرج عن طور الصبر والتحمل والاصطبار فالتصاقنا الأكيد بمأساة الحسين العظيم والتي تعصر نفوسنا وتجعل قلوبنا تمطر دما على السبي الأموي لعائلة ابن بنت رسول الله .
فتبا وسحقا لسليل الكفر والعهر الماجن المتهتك اللعين يزيد وبطانته السافلة المتسافلة إلى أحط درجات الخساسة والنجاسة والسقوط . فأعداء الحسين ( ع ) القدامى والجدد مأواهم جهنم وبئس المصير , وقد شيعتهم وتشيعهم لعنات الله والناس والتاريخ , بينما نرى وستظل قباب ومنائر الحسين وأهل البيت تتجاوز الجوزاء وتعانق السماء .. فالطقوس الروحانية الحسينية التي يمارسها الشيعة تعبر عن عمق إيمانهم , وصدق تعلقهم وتجذرهم بحب أهل البيت والتفاني بالدفاع عنهم وتأدية زياراتهم الكثيفة المكثفة والمتوالية رغم كل العوائق والعقبات مدفوعين بزخم هائل من الإيمان والشغف والاندفاع .
إننا توارثنا الالتزام التام , والاحترام الصادق , والتقييم والحب الناطق , للقدسية الاستثنائية والأفضلية الربانية الإلهية لسيد الشهداء وريحانة رسوا الله ( ص ) .. وان الواجب الديني والأخلاقي والمبدئي يفرض علينا وبإلحاح أن نلتزم ونطبق الفضائل والمناقب التي أرسى حجر الأساس لها نبينا العظيم محمد ( ص ) وعترته الطاهرة المطهرة والتي ما تزال تغدق علينا بنفحات ربانية تجلي صدا نفوسنا , وتنقي قلوبنا , وتفتح أمامنا بوابات الأمل والإيمان والعبادة والإشراق الروحي والوجداني المفعم بالأنوار والمبادئ والنقاء .
إن الشيعة في ممارستهم إحياء استشهاد الإمام المقدام الحسين ( ع ) لم تبدر منهم أي مبادرة مضادة لأي مذهب أو دين , وان أداء طقوسهم الحسينية في عاشورا ليس مختصرة على العراق فحسب , بل متجذرة في الكثير من دول العالم من البحرين , ومنطقة الإحساء والقطيف في السعودية , ومن إيران إلى ُلنكو الهندية , ولاهور الباكستانية, وبلدة النبطية, والجنوب اللبناني , وفي أفغانستان والتي خمسها من الشيعة, وفي السند والسنجاب والمنغال, وعلى امتداد الساحل الشرقي لأفريقيا تضرب الجاليات الشيعية امتدادها وجذورها عميقا وخاصة في المدن التجارية كمومباسا وزنجبار وكثير من أصقاع العالم .
فشعيرة عاشورا الأولى جرت حسب ما تذكر المصادر التاريخية عام 684 ميلادية أي بعد مرور أربع سنوات على استشهاد سيد الشهداء الحسين ( ع ) وظلت هذه الذكرى محفورة في أذهان وضمائر الأجيال, وتكبر وتتضخم وتتجدد كما تجدد الطبيعة نفسها بتعاقب الفصول.
فالمذهب الشيعي يتميز بمزايا خاصة متجسدة في الشعائر والعاطفة والدراما .
إن شجاعة وصمود وتضحية الإمام الطاهر الحسين ( ع ) أسطورية وتحتل منزلة الخوارق , وان استشهاده الذي امتلك ناصية التاريخ هو أعظم وأضخم نصر تاريخي وأنساني وروحي وأخلاقي ونقطة تحول كوني , وتجلي ( ميتا تاريخا ) للحقيقية ( أي بما يخرج عن نطاق التاريخ الواقعي أو المألوف ) والحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع , وأخيرا إن لاستشهاد الإمام الحسين ( ع ) تجليات خاصة ومعاني مشعة تفوح بعطر عظمة الروح, ومسك الفضيلة, ورحيق السموم والتسامي العالي, لأن الاستشهاد هو الولادة التي لا تشبه كل الولادات بمعجزاتها التي تحتل رحاب التاريخ الإنساني المستديم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat