صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

الذئب والاسد
حيدر الحد راوي
 ضرب التصحر تلك البراري الخضراء الجميلة , وخيم عليها الجفاف , بعد ان جفت الواحات , وانقطع مطر السماء , فهجرها اهلها من رعاة الاغنام , وسكنوا المدن بعد ان باعوا ماشيتهم , حتى استبد الجوع بذلك الذئب الماكر , الذي قرر ان يدنو من مدينة ما , لعله يجد ما يسد رمقه فيها .
حلّ الجفاف بتلك الغابة الزاهية الألوان , واندلعت فيها النيران , بسبب احتكاك اغصان اشجارها الجافة , فغادرها سكانها من الحيوانات , ولم يبق فيها سوى ذلك الاسد الجائع , الذي قرر ان يقترب من مدينة ما , ويحجز له منطقة خاصة به , يكون فيها الملك , كما كان في غابته المنكوبة . 
سار مسافات طويلة , حتى سمع صوت خرير ماء , يصدر من جدول قريب , فقرر ان يشرب ويغتسل , لعله يستريح من وعثاء السفر , بينما كان الاسد مشغولا في الشرب والغسل سمع صوتا يناديه : 
الذئب : هيه انت ! .. لا يحق لك ان تدخل منطقتي ... وصلت اليها قبلك ! . 
نظر اليه الاسد , تململ قليلا , ثم اعترض قائلا : 
الاسد : ان كانت المنطقة منطقتك .. فالماء حق عام , ولا يجوز لك ان تمنع احدا . 
الذئب ضاحكا : حسنا .. حسنا ... اشرب وامضي في حال سبيلك ... لعلك تقصد المدينة ! . 
الاسد : نعم .
الذئب : وانا كذلك .. يقول المثل ( الصديق قبل الطريق ) .
الاسد : فهمت ما تروم اليه .. اذا كن رفيقي ! . 
                  ************************** 
سارا معا , حتى وصلا المدينة ليلا , فكمنا على اسوارها يتربصان , فبادر الذئب الى قطع الصمت . 
الذئب : ايها الاسد , الملك السابق , هل لديك خطة لدخول المدينة ؟ 
الاسد : كلا .. وانت هل وضعت خطة ؟ . 
الذئب : نعم . 
قصد الذئب الى مكان تجمع النفايات , وجلب قارورة , افرغ محتوياتها على ذيله , فأنتصب واقفا , وتوجه نحو الاسد وقال له . 
الذئب : ان شكلي قريب من الكلب , الا ان ذيلي يختلف , لذا سكبت عليه محتويات قارورة الجل , فأنتصب ! . 
الاسد : وهل تجيد النباح كالكلاب ؟ . 
الذئب : نعم ... لقد تمرنت على ذلك جيدا ! . 
اخذ الذئب بالنباح بالحان عدة , وكيفيات مختلفة . 
الذئب : اخبرني يا رفيقي ... هل ابدو لك ككلب ؟ . 
الاسد : نعم ... نعم ... ستنطلي هذه الحيلة على البشر ! . 
الذئب : وماذا عنك ؟ . 
الاسد : لم اضع خطة بعد . 
الذئب : لا يمكنك التشبه بحيوان اليف ... ولو دخلت المدينة .. لفزع اهلها .. وطلبوا تدخل الشرطة والجيش وربما القوات الخاصة ! . 
الاسد : هل لديك اقتراح ليّ ؟ . 
الذئب : نعم ... اذهب الى مكان تجمع النفايات .. وابحث فيه جيدا عما يسد جوعك ... قبل ان يأتي عمال النظافة ويرفعوها ! .  
غضب الاسد , حتى كاد ان يقضي على الذئب , لكنه تمالك نفسه , وشعر بالإذلال , فلم يلم الذئب على اقتراحه , بل لام الزمان . 
الاسد : لا ... لا ... لن افعل ذلك ! . 
الذئب : سوف لن اضيع وقتي معك .. سوف ادخل المدينة .. وانت فكر بخطة تناسبك ! . 
الاسد : اذهب انت .. لأرى ما ستكون عاقبة امرك ! . 
انطلق الذئب مسرعا نحو المدينة , ينبح بصوت عال , حتى وصل الى الشارع الرئيسي , ففاجأته سيارة شرطة مسرعة , أرتطم بها , ووقع على الارض , ترجل رجلان من السيارة , وتوجها نحوه , فخشي ان يكتشفوا امره , حاول النباح , فلم يفلح , كأنه اصيب بفقدان الذاكرة , ونسي طريقة نباح الكلاب , واخذ يموء كالقطط  بدلا عن ذلك , فتعجب الشرطيان , ثم انفجرا بالضحك , وقال احدهم : 
- كلب يتقمص دور قطة ! . 
انطلقت سيارة الشرطة مبتعدة , فحاول الذئب النهوض , استعاد نشاطه , بينما كان ينوي دخول زقاق مظلم , ظهر له رجل طاعن في السن , فتموء مستعرضا عضلاته , فتوقف الرجل مستغربا وقال : 
- يبدو اني قد هرمت وخرفت .. حتى اسمع وارى كلبا يموء كقطة ! . 
اندهش الذئب من كلام الرجل , لكنه لم يكترث , ومضى قدما , حتى وصل الى ملعب لكرة القدم , فيه عدد كبير من الاطفال , تفاجأ بهم , فأطلق مواءا نحوهم , نالت الدهشة اولئك الاطفال , وبعد هنيهة انفجروا ضاحكين , ثم تركوا الكرة وهرعوا الى الحجارة , و امطروه بها , فولى هاربا . 
تنقل كثيرا بين الاماكن المظلمة في المدينة , فشاهد طفلا صغيرا يلعب بكرة , اقترب منه بحذر , وانتظر اللحظة المناسبة ليباغته , فضرب الطفل كرته في الجدار بقوة , فارتدت وتدحرجت قريبا من مكان الذئب , ركض الطفل نحوها , وتوقف بعد ان لاحظ عينان تشعان من الزاوية المظلمة , فصرخ الطفل باكيا , طالبا النجدة , فأطلق الذئب عواء المنتصر , شق عنان السماء , فأدرك الناس الخطر , وهرعوا الى مكان الطفل , وحاصروا الذئب من كل حدب وصوب , وانهالوا عليه رميا بالحجارة , وضربا بالعصا , حتى ادموه , بطريقة او بأخرى , تمكن من الفرار من قبضتهم , والعودة الى مكان الاسد . 
امعن الاسد في الذئب الجريح , الذي يتمرغ في التراب من شدة الالم والجوع , فأدرك ان المهمة لن تكون سهلة مستساغة , فقرر ان يدخل المدينة بعد انتصاف الليل , عندما تهجع النفوس , وتنام العيون , وتسكن الاصوات . 
                        *************************** 
قرر الاسد دخول المدينة , اقترب من زقاق ما بحذر شديد , فشاهد رجلا ثملا , يترنح , بالكاد يستطيع الوقوف والسير على قدميه , ما ان وقع نظر الرجل على الاسد حتى قال : 
- لا بد اني قد ثملت ... لقد تناولت الكثير من الكحول ... حتى يخال اليّ ان تلك القطة كأنها اسد ! . 
فتح باب بيته ودخل , بعد برهة من الوقت , سمع الاسد صراخا وعويلا من ذلك البيت , فدفعه الفضول ان يقف قريبا من الباب , ليسمع ويطلع على ما يجري , فسمع صوت الرجل يأمر زوجته ان تعطيه كل ما لديها من مصوغات ذهبية واشياء ثمينة , ليعود الى صالة القمار , والمرأة ترفض , فضربها بشدة , ويصرخ الاطفال الذين يتفرجون على هذا الموقف , واخيرا , تمكن الرجل من انتزاع كل لدى المرأة من نفائس , وخرج من البيت , فأستوقفه الاسد , تسلق الاطفال الجدار , وصاحوا محذرين اباهم : 
- ابي ... ابي .. احذر انه اسد ! . 
حالت المرأة بين ذلك الرجل والاسد , ترمق الاسد وتطلب منه ان يختارها ويترك زوجها في حال سبيله , فخاطب الاسد ذلك الرجل : 
الاسد : اعد لها ما اخذت عنوة , وانظر كيف انها تؤثر حياتك على حياتها ! . 
بدا ان الرجل عاد الى رشده , فاغرورقت عيناه بالدموع , ندم على فعلته وفعاله , واعتذر لزوجته , اعاد لها كل ما اخذ , ودخلا البيت , الا ان المرأة طلبت من الاسد ان ينتظرها قليلا , فعادت تحمل شريحة من اللحم قدمتها للاسد , الذي التهمها بخجل ! . 
لم تكن شريحة اللحم تلك كافية لسد جوع الاسد , فأنطلق بحثا عن المزيد , يتنقل بين الزوايا المظلمة , حتى سمع صوت فتاة تبكي بصوت مرتفع , قصد مصدر الصوت , فشاهد رجلا يحمل فتاة صغيرة تبكي بمرارة , ويتململ بصوت مسموع : 
الرجل : اين سأجد سيارة اجرة تقلنا الى اقرب مستشفى في مثل هذا الوقت ! . 
ظن الاسد ان الرجل خاطفا , والفتاة مخطوفة , فصرخ فيهما . 
الاسد : قف ! . 
قرفص الرجل وقال : 
الرجل : لابد انه عريف شلتاغ ! . 
الفتاة : كلا يا ابي ... انه اسد ... يستطيع ان يحملنا الى المستشفى ! . 
وجم الاسد عند سماعه كلام الفتاة , وقال : 
الاسد : انا اسد ولست حصانا .. لكن لا بأس .. اركبا على ظهري .. سأقلكما الى المستشفى !. 
انطلق بهما مسرعا الى المستشفى , وانزلهما في مكان قريب , وطلبا منه ان ينتظرهما في ذلك المكان , بعد مرور ساعة كاملة , عاد الرجل والفتاة بصحة جيدة , فأصطحبا الاسد الى بيتهما , وقدما له قطعة كبيرة من اللحم , تعبيرا عن شكرهما له ! . 
كان جوع الاسد شديدا , فلم يكتف بذلك , فأنطلق بحثا عن المزيد , حتى سمع ضجة في مكان قريب , قصد ذلك المكان , فشاهد عدة رجال قد غطوا وجوههم , واقتحموا بيتا , وقيدوا الاب والام والاطفال , وكان بيد احدهم سكينا حادة , يروم ذبح الاب , فشن الاسد هجوما عليهم في اللحظة المناسبة , ذعروا ذعرا شديدا , ولاذوا بالفرار , وصرخ احدهم : 
- اهربوا ... ان لم نقتلهم نحن ... فسوف يأكلهم الاسد ! . 
شكر الاب وزوجته والاطفال الاسد , وقدموا له الكثير من شرائح اللحم , فأكل حتى شبع , بينما كان يروم المغادرة , تذكر رفيقه الذئب الجائع , فتناول عدة شرائح من اللحم ليطعمها اياه . 
رمى الاسد شرائح اللحم لذلك الذئب الجريح , الذي نشط من عقال حين رآها , وطلب من الاسد ان يخبره بما حدث معه اثناء تناوله للطعام , فأستلقى الاسد , وشرع بسرد كل ما حصل معه , وما ان انتهى , قال له الذئب : 
- لا عجب ولا غرابة ان يشيد البابليون تمثالا لك ! . 
 
 
 
 
 
      
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/21



كتابة تعليق لموضوع : الذئب والاسد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net