صفحة الكاتب : محمد جواد سنبه

مُؤتَمَرُ مَكَّةَ ... مِنَ الْهَيّبَةِ إلى الخَيّبَة!!.
محمد جواد سنبه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بحضور رؤساء سبعٍ وخمسينَ دوّلة اسلاميّة، إنعقدت الدوّرة الرابعة لمؤتمر القمّة الاستثنائي، في مدينة مكّة المكرّمة للفترة من 14 لغاية 15 آب 2012. لقد نقلت وسائل الإعلام المرئيّة مراسيم الاستقبال المهيبة لرؤساء الوفود، مثلما نقلت أجواء الفخامة والأبّهة التي طغت، على المشّهد العامّ للوفود، وهم يجلسون في قاعة الاجتماع. وبما أنّ المؤتمر كان استثنائياً، فهذا يعني أنّ المؤتمر سيتمخّض عن إصدار قرارات بالغة الأهميّة. تؤثر بشكل مباشر على الحياة السّياسية لبعض الدّول المشاركة، على أقلّ تقدير. وخصوصاً الدّول التي تعّصف بها أزمات العنّف المدمّرة، مثل سوريا، والعراق، والبحرين.

لكن الملاحظ أنّ الأمانة العامّة للمؤتمر، نَحَتْ منحىً يخالف توقعات المراقبين. فمثلما جُمّدت عضويّته سوريا في جامعة الدّول العربيّة، بمساع سعوديّة وقطريّة، استُبعد أيضاً ملفها من البحث في مؤتمر مكّة. كما استبعد العراق الدوّلة العربيّة الإسلاميّة من حضور هذا المؤتمر، وهو البلد الأكثر تضرّراً من بقيّة الدّول الأعضاء في المؤتمر، جرّاء استهداف شعبه بأعنف الضّربات الإرهابيّة، على مدار عقد من الزمن تقريباً. وتأتي بعد ذلك، سوريا لتحّتل الترتيب الثاني، في سلّم مأساة حرب التطرّف والإرهاب.

وإذا تغاضى المؤتمر عن طرح محنة الشّعب البحريني، وما يتعرض له البحرينيّون من قمّع وقتل، يكون من باب أولى التغاضي عن قمع سلطات الدّولة الراعية للمؤتمر، لأهالي المنطقة الشرقيّة في السعوديّة. أمّا على المستوى الإسلامي العامّ، فتمّ بحث ملف الإبادة الجماعيّة لمسلمي (ميانمار)، قدّ جاء متأخراً وبشكل بارد أيضاً. أمّا قضية فلسطين، قضيّة العرب والمسلمين المركزيّة، فإنّ ملفها ينتقل بين أدراج اللجان من مؤتمر لآخر، دون تحريك ساكن أو تسكين متحرك.

إنّ الواجهة العامّة للمؤتمر، هي بحث مشاكل الدّول الإسلاميّة الأعضاء في المؤتمر، ومساعدتها في إيجاد حلول مناسبة لمشاكلها، وبأسرع وقت ممكن. لكن الواقع لا يشير لذلك، فأهداف المؤتمر سياسيّة بحّته. عكست توجهات السّياسة الأمريكيّة، التي تمسك بزمام توجيه دفّة الأحداث في الشرق الأوسط الكبير، حسب تطلعاتها ونظرتها السياسيّة الخاصّة. إنّ المتابع لا يحتاج إلى كثير من الجهد، لمعرفة منوال ما يحاك حيال المنطقة. ولغرض فهم أهداف المؤتمر، يجب الإلتفات إلى أمرين.

الأمر الأوّل: في الجلسة الإفتتاحيّة للمؤتمر، اقترح الملك عبد الله، تأسيس مركز للحوار بيّن المذاهب الإسلاميّة، يكون مقرّه في الرياض. ولم يتطرّق الملك ولا غيّره، لفكرة إعادة النظر في دوّر السعوديّة الدّاعم للإرهاب، عن طريق ترويج الفكر التّكفيري الذي يختصّ به الفكّر الوهابي المتطرّف. وإذا عزلنا المنهج الوهابي المتطرّف (الذي تتمسّك به السلطة السعوديّة، وتعتبره آيديولوجيّتها التي لا تحيد عنها)، عن باقي المذاهب الإسلاميّة الأخرى، فلنْ نجد على الإطلاق، أيّ مذهب من المذاهب الإسلاميّة الأخرى، يتبنى فكرة تكّفير المسلمين. إذن تعتبر محاولة خادم الحرميّن الشريفيّن تلك، أشبه بعمليّة خلط الأوراق على الآخرين، للتمويه على معالم المركز الرعوي السعودي الداعم للإرهاب.

الدّاء في مملكة الملك عبد الله ذاتها، واستمرار الدّاء وانتشاره المتواصل، يعود إلى الدعم المادي والفكري والاعلامي (والسياسي بشكل وآخر)، الذي يغذّي الإرهاب. والسعوديّة وقطر ودول خليجيّة أخرى تغدق الأموال، بما يكفي لبقاء الإرهاب وانتاجه وانتشاره أيضاً. فلماذا الحوار بين المذاهب الإسلاميّة، وهي محكوم عليها بالضّلالة والكفّر، من قبل الوهابييّن سلفاً ؟.

الأمر الثّاني: البيان الختامي للمؤتمر، يضع النّقاط على الحروف، لأنّه يحتوي على الجانب الخفي، للسّياسة المطلوب تطبيقها على أرض الواقع. ويبقى شيء واحد لابدّ أنْ نتوقّف عنده، هو مشاركة إيران في المؤتمر. فإيران هي الدّولة الرافضة لسياسات الأعمّ الأغلب، من الدّول المشاركة في المؤتمر. ومشاركة إيران في المؤتمر، جاء لصالحها تماماً. فإيران يهمّا أنْ تكون وسط دائرة الحدث، حتى تبقَ على إتّصال مباشر، مع طرف تابع لفلك السّياسة الأمريكيّة. وأمريكا تريد هذا أيضاً، لتكون قريّبة من إيران (لبقاء شعرة معاوية بينهما). وبذلك تضمن أمريكا، بقاء أكثر من قناة اتّصال، بينها وبيّن إيران. واختيار السعوديّة لهذا الغرض، يعتبر اختياراً موفّقاً. بسبب الخصوصيّة الإسلاميّة والاقليميّة، بين إيران والسعوديّة. إنّ إجراء تحليل بسيط لفقرات البيان الختامي للمؤتمر، يوصلنا للهدف الرئيس، الكامن وراء عقد المؤتمر. لنبحث ذلك بتأمل، وأنْ نقتصر على تناول، النّقاط الخاصّة بموضوع المنطقة العربيّة مراعاة للاختصار.

1.  الفقرات (1-2)، (أكدت على الأخذ بكلّ أسباب وحدة الأمّة الإسلاميّة والتضامن والتعاضد بين أبنائها. وعلى الإعلام أنّ يتحمّل عبئا كبيراً في تحقيق غايات التضامن الإسلامي). وهذا حديث فضفاض، يتعارض واقعاً مع الفكر التكفيري، الذي تنتجه السلطات السعوديّة، من خلال المؤسّسة الوهابيّة ذات النّشاط المؤثر على القرار السّياسي السعودي. ولم يَعدّ خافياً على أحد، دوّر الفضائيّات، والوسائل الإعلاميّة الأخرى، التي تمولها السعوديّة وقطر وغيرهما (باستشارة أمريكيّة)، في إشاعة ثقافة تكفير الآخر، والطّعن بعقيدته التوحيديّة.    

2.  الفقرات (3-7)، (تحدّثت عن فلسطين والإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربيّة). وهذه أماني وأحلام، ظلّ النّظام العربي يجترها لأكثر من نصف قرن، دون أدنى فائدة تذكر، سوى إشاعة فكرة تطبيع العلاقات مع معسكرالصهاينة والأمريكان.

3.  الفقرات (8-11)، (اشادت بجهود خادم الحرمين، وملك المغرب وأمير قطر، وملك الأردن، لجهودهم في حماية القدس والمقدسات الاسلاميّة). طبعاً هذه الجهود أوهى من بيّت العنكبوت. فالقدس والمقدسيون يعانون ما يعانون، من اضطهاد وحصار، وإرهاب الدّولة اليهوديّة لهم. كما أنّ أبنيّة بيّت المقدس مهدّد بالإنهيار، بسبب الأنفَاق الكثيرة التي يحفرها الصّهاينة تحت أسسه، بحثاً عن هيكل سليمان المزعوم. ناهيك عن حملات تجريف مزارع الفلسطينييّن، وتهجيرهم من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.

4.  الفقرات (12 و 13 و 16 و 17)، (اختصت بالوضع السّوري. فحمّلت هذه الفقرات، (السلطات) السوريّة مسؤوليّة استمرار العنف، وتدمير الممتلكات، وارتكاب المجازر في سوريا. وأكد المؤتمر على أهميّة حماية المواقع الدينيّة والتاريخيّة في سوريا من الدّمار). ولا أدري هل السوريّون انقلبوا فجأة على بلدهم، وأخذوا يهمّون بتدميره بسرعة ؟.

 أمّ هناك قوى دفعت بأعوانها لتغيير الوضع في سوريا ؟.

ثمّ لماذا لمّ يدمّر السوريّون، المواقع الدينيّة والتاريخيّة، الموجودة على أراضيهم سابقاً ؟.

5.  الفقرة (14)، (خُصِصَتّ لإدانة سوريا، لإسقاطها طائرة عسكرية تركيّة. واعتبر المؤتمر أن هذا العمل يشكّل خطراً كبيراً على الأمن والاستقرار في المنطقة). المفروض أنْ تدان تركيا لخرقها المجال الجوّي السّوري، لا العكس. وهذه الفقرة تؤكد، وجود مشروع تقوده السعوديّة وبإرادة أمريكيّة، لغرض استباحة السّيادة السوريّة. وجعل سوريا ساحة صراع جديدة في المنْطقة، بعد العراق وافغانستان. وإعادة تطبيق نظريّة الفوضى الخلاّقة في المنْطقة، والتي تعود نتائجها بالفائدة على السّياسة الأمريكيّة والإسرائيليّة.

ملاحظة أخيرة: لم تَرِدّ أيّة إشارة، حول دعم عمل المقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة، اللتان يقفان عقبة كأداء بوجه توسع المشروع الصّهيوني، في إحتلال أراضٍ عربيّة جديدة. مثلما لم تَرِدّ أيّة إشارة عن حقّ الشّعوب العربيّة في تقرير مصيرها. علماً أنّ الإسلام يحترم حقوق الإنسان المشروعة. كما أنّه لا يقرّ على الإطلاق، بمبدأ توريث الحكم، أو تجديد البيّعة، أو تمديد الحكم، حسب دستور يكتبه الحاكم، لقهر إرادت الشّعب. إنّه مؤتمر أحاطت به الهيّبة، لكنْ لم تتمخض عنه، إلاّ خيّبة الأمل بحكام المسلمين.    


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جواد سنبه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/24



كتابة تعليق لموضوع : مُؤتَمَرُ مَكَّةَ ... مِنَ الْهَيّبَةِ إلى الخَيّبَة!!.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ******************** ، في 2012/10/02 .

********************






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net