صفحة الكاتب : جمعة الجباري

الضياع في طريق اللغة
جمعة الجباري
 اطلالة نقدية قصيدة الشاعر: برهان احمد
الشاعر الكوردي "برهان احمد" من مواليد 1958 كركوك، يغزل الشعر منذ اواخر ثمانينات القرن المنصرم، انغمس منذ اكثر من ذلك في مكابدات والام شعبه، واحس بكل همومهم الانسانية وعاش معهم وتذوقها في نفس مائدتهم.. هو يعد تراث شعبه جزءاً من تراث الانسانية جمعاء، ويحسب نفسه عتلة تدور ضمن آلة المجتمع الكوردي بذاته، كي يوصله الى "النيرفانا" ويسمو به الى ارقى المستويات البشرية.. السمو الانساني همه الدائب، والرقي الحضري نديم كتاباته، يمتاز بالرقة والعذوبة والتواضع المفرط، ينغمس في ابداعاته في مكابدات شعبه ومفرداته اليومية.. لم البث كثيراً من اجل الاقرار على ترجمة قطفة من قطفاته الشعرية؛ فقد جذبتني اليها بشدة جراء ما فيها من مشاعر جمة وروأى بعيدة المدى من اجل بناء افضل واسمى..  
للشاعر "برهان احمد" دواوين شعرية عديدة، قام بتأليفها ضمن فترات متفاوتة وحسب الحاجة للكتابة الابداعية.. منها:
- ديوان "رحيل الغيوم" طبع عام 2000 باللغة الكوردية.
- ديوان "اوبريتات الالفية الثالثة" الطبعة الاولى عام 2002 و الطبعة الثانية 2005 باللغة الكوردية.
- ديوان "تهديدات امرأة" طبع عام  2008 باللغة الكوردية.
وايضاً ترجم  رواية "السوق الداخلية" للكاتب والروائي المغربي "محمد شكري" الى اللغة الكوردية.
له تحت الطبع : كتاب مترجم بعنوان "جان جينيه في طنجة، تنزي ويليامز في طنجة" ايضاً للروائي محمد شكري.
يمتاز شعر برهان احمد بكثرة المفردات وتغيير الصور الشعرية داخل القصيدة الواحدة، الا انه في النهاية يربط جميع تلك الصور الشعرية الى حالة وجدانية واحدة ويصنع منه قضية يعاني منها شعب باجمعه. انه شاعر له اسلوب شيق ومعقد في آنٍ معاً، يحاول من خلال كل تلك الايحاءات الصورية الجميلة والعبارات المتقطعة المتجانسة جذب القارىء وادخاله في طلسمياته الدورانية حول القضايا التي يستنبطها من عمق الواقع الانساني.. لابد من القارىء اللهاث للوصول الى وابل المصطلحات الفنية والعبارات الرقراقة التي تنهال بكثرة من لسانه الشعري.. بيد انَّ هذا الاسلوب رغم قوته البلاغية والسبكية؛ الا انه يصب في خانة "الفن للفن" بدل صبه في خانة "الفن للمجتمع" كونه لاينزل بمفهومه الادراكي "كما قال ابوتمام الشاعر" الى مستوى العامة، بل يطالب العامة بمحاولات الارتقاء للادراك الفني لابداعاته الشعرية الفنية.. 
رب هذه الاطلالة النقدية القصيرة؛ مدخلاً للوصول الى مفاتيح الفهم العفوي لاحدى ابداعات الشاعر "برهان احمد" الذي آثرت ترجمته الى اللغة العربية الجميلة:
 
   الضياع في طريق اللغة
 
بالاعوجاجِ ابتلى اللسانْ
بترنحٍ يقطعُ طرقاتَ البلعومِ 
لجرعة امانْ
بصعوبةٍ:
يرتشف الماءَ في ينبوعِ الحنجرةِ
لحملة الخريفِ تعرَّضْ 
تحوطهُ بقعة نخامْ
وابل من القتامة تقذفهُ..
اللسان قد خُدِعْ
اخفوا عنه الاسترحام
ترسبت على شفتَيه طبقةٌ ضبابية
يُكبِّلُ الغبارُ يديه
الطحالبُ تحاصرُه 
اللسانُ .. بلبلٌ حزين:
حزينٌ مثل غروبِ الشمس في مساءات الخريفْ
حائرٌ مثل حمام اقليم خيالات الصيادْ
مهمومٌ كروح شاعر منتشي
بائسٌ كعانسةٍ متروكةٍ من "كرميان"
مضطربٌ كمحيا مدرسٍ تعبْ
مرتبكٌ كعين شيخ من القرن التاسع عشر
اللسان معبأ بعسل النواقصِ
لكنَّ القلبَ متنزهٌ
الاطفال بقربه يلعبون 
محاطٌ بالورود
وفي مركزهِ يرفرفُ علمٌ من نورْ
اشتعلَ مصباحٌ من الادراك
ابتلى اللسانُ بالعتمة
الشوك في ظله يرتاحْ
مضرجٌ باليأسْ
بزقزقة الفزع يتحدثْ
فوقَ فروعها واغصانها
القفصُ بنى اعشاشاً
يمص حليمات الارغامْ
تخوضُ التعاسة حرباً معه
بَيدَ انَّ القلبَ
منشغلٌ ببناء متحف:
للتقبيل وتبادل القهقهاتْ
يقدِّمُ للارضِ كلَّ يوم اقتراحاً جديداً
لخارطةِ متنزهٍ جديدْ 
ينمو نباتٌ في ركابهِ
في كل لحظة يحركُ برعمٌ شفتيه
في احشائهِ 
الرأسُ اصبحَ غطاءً للسانْ
لكنَّ القلبَ تحوَّلَ الى 
المصيف المأهول
ينثر البرودةَ على الرضعْ
احياناً.. يرغبُ قلبي باستراحة
واحياناً يرغبُ ان يصبح مخدة نفسه
بيد أنَّهُ في النهاية 
يحسُّ بانَّه لنْ يقاوم تلك الاستراحة
لم يعدْ قادراً على التمددِ والخمولْ
يخافُ من هجمة الصدأ والتعفنْ
تجمعت الحروف في دورة سبات التلفظ
لذا؛ 
فانَّ العشق بدون علم العطاء
الغيومُ
في طقس الماء والهواء الآمن
في ذكرياتِ القمرْ
في مناجاتِ النجومْ
في تصاعدِ درجات حرارة الدموعْ
في نزولِ زئبق العلاقات حد الانجمادْ
في تقارير االتلألؤ، في جمري الريحان
في نواحِ البلبلْ
في عويلِ العشبِ، في نَدْبِ النَّدى
انزلقتِ الحروفُ، وقعت في الحفرة
الحوار تُرِكَ في مفترقِ طريقْ
لهذا؛ 
الحُبُّ في ترحال دائم الى المجهولْ
الجُمَلُ تلو الاخرى استشهدتْ
من اجل ذلك:
غَضَبُ المفاصلِ
ثَوَرَانُ العضلاتِ
صَعَدْنَ الى مسارح الحياة
والربيعُ بعصى يدهِ
الحوارُ بكلِّ معوقاته
 وصل الى هنا..
والضبابُ
 اصاب التحاور بفقر الدمْ
الصقيعُ شقَّق خدود الكلماتْ
ومن شدة ذلك الحرْ؛
تجمدتْ اصابعُ الجُمَلْ
والفواكه قبل زيارة فصل الاقتطاف
وهي مازالت فَجَّة 
وقعتْ تحتَ سلطة منقار و ارجل التساقط
الطيورُ والحيوانات تنوي الترحالْ
صوب المكان: حيث المائدةُ
 في عداوة مع اللحم،
السكين والرقبة متخاصمان،
السيف و اليد متكارهان.
كنت اظن لن استطيع بَعدُ
من مخاطبة حرفٍ واحدْ
اضعُ كلمةً في جملة
اعرِّفُ عبارة بمقطعْ
اصالحُ صفحة بكتابْ
كنتُ اخافُ من 
الضياع في طريق اللغة
كنت اخشى لدرجة كنت اتوقع
 الشعر مثل اللسان يصاب بالركود.
اذن؛ 
فغيرُ المُقالِ ينتظرني في كل مكانْ
ياخذُ قيادة الدبكة في عرس الفراشاتْ
في كلِّ مكان ينوي الاجابة على الحبْ
حين نمشي فوق الاعشابْ
حين يميلُ رقبة البطنج
عندما النحل منهمك بالاحتفال
اللحظات التي نمد ايدينا الى 
رقبة وردة
نلفُّ ذراعنا في ذراع برعمْ
نمسك بخاصرة المايكروفونات
نحضنُ قدَّ شجرة يافعة
في الندوات قبل قراءة شعر غزلي
توضع باقة ورد "الشوبو" على طاولتنا
يغسل وجوهنا بعطر الضياء
حين نشارك في مراسم
 شاب وشابة صديقان
يستقبلنا في الاوتوبيسات
وحين ننوي زيارة جارٍ سَقيمْ
بدل التصافح بالايدي
يفتح النوافذ قبلنا
ويفتح الستائر
ويملأ زيرَ المدرسة بالماءْ
ورافقنا حتى غرفة الامتحانات
عندما يعرف ان الاسئلة صعبة؛
يروي عطشنا بكأس ماء
يحرث الغناء الارض مع الفلاحين
حبوبُ الاغاني الطرية تمارسُ الحصادْ
"اللاوك" المسالم يكتب على السبورة
يحملُ مع العمال مطرقة "الحيران"
يساعدُ الاسكافيين في تثبيتِ مساميرِ النوتة
يغير الحروف الى الجمرة والجذوة
حالما ادرك انَّ الصقيعَ ضيفنا
ولما علمَ انَّ الظلام اوشك يباغتنا
اللامقول ينتظرنا في كل الازمانْ
في كل العهود تهربُ الكلمات عبر الانهار
تغربُ في جبهة الشمس
اللسان قبلنا في متنزه المدينة، في المدارس، 
في الميادين والملاعب مستعدٌ 
ان نحدِّقَ في اي زاوية
نجعلُ اي مساحة ارض ملاذاً
اللسان هناك:
اغلِقَتْ مداخل المُدُنِ 
باقفال الايدي والاذرعْ
بيدَ انني افتحها..
 بمفتاح اللغة!!
 
ملاحظات المترجم:
- "شوبو" نوع من النباتات المزهرة بداية فصل الصيف ويبعث في الليل رائحة عبقة ينشرها حوله.
- "اللاوك" و "الحيران" نوعان من الغناء منتشران في مناطق كوردستان وخاصة منطقة هةولير.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة الجباري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/30



كتابة تعليق لموضوع : الضياع في طريق اللغة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net