عوده ضاحي وصوته العميق .. وطني .. وطني
عدنان عباس سلطان
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عدنان عباس سلطان
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وطني .. تتصحر فيه الرؤيا .. وسرايا الرمل .. تحني الأبواب الثكلى .. بالصمت..
غاب النرجس.. وذكور الدفلى..تمتد سكانينا .. تتربص ليلا .. بعرايا الليل .. قابيل يتنكب حقدا..يتطوع في جيش الردة ..وكلاب الحوأب تستعرض عري المذبوحين ..
قد يكون الشاعر أكثر إحساسا بذاتيته متعبدا باناه خائضا بتجاربه الشخصية في الحياة حتى يبدو ذلك كأنه داخل هذه الإيقونة لا يفارقها إلا قليلا وهذا القليل إنما يتشكل ظلالا من دائرته وإشعاعا محتملا للنظر إلى قضايا أخرى ورغم إن أنا الشاعر تشكل مصداقية وحميمية للإشعاع الكلي للشعر ومراميه وسياحته فان بعض الشعراء قد تساموا بالذاتية إلى النبل الأكثر تأثيرا وأكثر مساحة بمراد الشعر ألا وهو تبني قضية لها التوهج الكلي في شخصية الشاعر ويذكرنا هذا النسق بالشاعر احمد مطر وغيره الكثير ممن صار همهم الشعري هو هم المجتمع والتحريض من اجل حياة أفضل كونهم يؤمنون إيمانا عميقا بجدوى صوتهم وان الحياة ينبغي لها أن تتخذ منحا آخر وان الظلم ينبغي أن ينزاح عن كاهل الإنسان وان تتغير الظروف نضاليا من اجل الحلم الباهر في عقول الشعراء .
ومن هذا كله فان الشاعر عودة ضاحي التميمي هو واحد من هؤلاء الشعراء الذين يهمهم أن يظلوا أوفياء للقضية وإنهم لن يكونوا مائزين إلا من خلال تميز الحياة نفسها الحياة المصنوعة بقدر من صنع الإنسان نفسه. فهو القائل:
حينما تحرر الجواد من قيوده .. تقدم
وحينما تخلص الحسام من حصاره .. تقدم
لم يكن لهامش لينام على قارعة النسيان.
والشاعر إذ يحرض فإنما من خلال إثبات العكس الذي يتوارد للخانعين فالنصر المرتجى سيسحق القصائد المخنثة عن الطريق ولا يعتد بالقضايا المحدودة :
كان يتقدم كالفاتحين بأوسمتهم الوثيرة .. فتحط على كتفيه .. الطيور.
وتزيح الشوارع .. عن قدميه قمامة القصائد المخنثة.. في الاعتكاف.
والشاعر التميمي قد يجهش بالبكاء عندما يرينا مدينته الأثيرة ويصف لنا حالها الذي آلت إليه فذلك ليس من اجل أن يبكي من خلال عيوننا وإنما ليصور مدى الخسارة في استحقاق غيب عنها ذلك الاستحقاق اللائق بها:
غاب النرجس .. وذكور الدفلى .. تمتد سكاكينا . تتربص ليلا .. بعرايا الليل.قابيل يتنكب حقدا .. يتطوع في جيش الردة . وكلاب الحوأب تستعرض عري المذبوحين.
وفي تداعيات بشر الحافي نجد شعرا في قصة أو قصة في شعر فالاربكاك هنا هو ما يعطي لهذه القصيدة تميزها ففيها ربما نوعا من الوصف لحالة الخنوع والرتابة لفرد أو مجموعة أفراد أو لقسم من المجتمع أو طبقة من طبقاته الواعية التي تنتمي لذواتها ولا تغير في محيطها الرتيب وكان بشر هو النموذج لهؤلاء كلهم :
يتحلق حول موائده الشذاذ.. يحسون الليل الساحر.. خمرا .. عيونهم . تتوسد عري الاجساد والشفاه./ يقيمون الليل فجورا وعند الفجر.
لكن الشاعر ومن خلال بشر الذي اتخذه قناعا للتحريض إذ يدعوه لإصلاح خنوعه ونمطيته التي اعتادها كصنيعة للظروف القاهرة إنما يدعوه بما يشبه فعل الأمر:
يابشر .. أفق..إن آذان الفجر .. يبعث أجساد الموتى .. انهض ..افتح شباك القفص المظلم.. للشمس..ينهض بشر يقعده ثقل الذنب..يحاول أن يغسل آثام الليل.. ينهض بشر .. يصلي الفجر بلا رأس .
وفي مقطع آخر يقول الشاعر المتمازجة روحه بالوطن :
تداخلت في موطني الأشياء..تمزقت شهادة الميلاد ..وانتحر البخور .. تآكلت . شواهد البخور ..هرب الفرات من الفرات.ودجلة الخير الجميلة .. عنست.. ولم تعد .. أميرة الفقراء.
وفي مقطع آخر :
إذ.. إن الظلمة عمياء ..فالضوء فتاة . غانية . تمنح بسمتها لقراصنة الليل..وتبيح مفاتنها ..للساسة الغرباء.
ولعل الشاعر يحلم بإفاقة تشعشع في ذلك النمط المستكين فيرسم لنا لوحة بكلمات الشعر ويرينا صورة مفرحة لصحوة متخيلة إذ يقول:
لم يبق شيء في رؤوس المنتشين .. سوى الرذاذ..نزلوا الشوارع هاتفين.ها قد أفقنا..من سبات الكأس..والنغم المغمس . بالدموع..يا فضة القمر..استفيقي.. فالعيون الرمد تلتمس الطريق..
وفي مقطع آخر يقول:
لمن التغني . والجنائز ملئ أحضان النساء..الكل يهتف يا عراق . أين الروابي الخضر .. بل أين العراق؟..
كنا قد أعطينا بعض من الجواهر الشعرية التي جاد بها ضمير الشاعر الممتزج بقضية وطن
الممتزج بقضية تأتي من خارج ذاته ثم تنبثق من ذاته إلى الخارج بحركة متداخلة حد الاندماج
فهذا هو الهاجس والإرادة والهدف الذي يتكون منه الشاعر التميمي كوحدة لا تتجزأ ولا تنفصل.
ونحن إذ نطلق هذه الإضاءة المتواضعة حول المجموعة الشعرية للشاعر عودة ضاحي التميمي فإننا ندرك بان الرأي الحقيقي هو ما تنجزه القراءة لهذه المجموعة الشعرية الرائعة التي تستحق برأينا قراءة متوازية مع أهميتها من حيث الفن الإبداعي والمعنى الذي تتركه في ذهن المتلقي.
أنجزت هذه المجموعة الشعرية ودعني كي ألقاك للشاعر عودة ضاحي التميمي ضمن إصدارات اتحاد أدباء وكتاب كربلاء سلسلة إبداعات عراقية وبدعم من مجلس محافظة كربلاء المقدسة
تتوزع قصائد المطبوع على 75 صفحة من التصميم الخاص . وبلوحة تشكيلية رائعة
للفنان فاضل ضامد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat