صفحة الكاتب : وليد المشرفاوي

التعايش السلمي ثورة لتوحيد المجتمعات
وليد المشرفاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
امتلكت البشرية خطابها في التعايش السلمي البنّاء عبر مسيرة وجودها.. ولكنّ تلك المسيرة لم تخلُ من حالات تقاطعت مع قيم هذا الخطاب عندما كانت تظهر لغة التشدّد والتطرّف. والأصل في الحياة الإنسانية أن تأخذ بكل ما يدعِّم العلائق الإيجابية ويمنحها فرص الهدوء والاستقرار.. وهذا ما أكدت عليه الديانات والشرائع والقوانين، إذ نقرأ في النص المقدس\"وخلقناكم قبائل و شعوبا لتعارفوا\".. وفي مجال لغة التفاعل والتخاطب جاءت الآية الكريمة لتقول: \"وجادلهم بالتي هي أحسن\".. 
وها نحن نجابه اليوم عواصف التشدّد والتطرف تحيط بمسيرة العلاقات بين شعوبنا.. حيث تمارس العناصر القليلة والمجموعات  الصغيرة الضيقة أفعالها, مستغلة قوانين الحريات العامة وإتاحة الفرص واسعة للتعبير لكي تدلي بخطابات تقع بين التشنج وعدم فهم الآخر وبين التحريض على الكراهية والعنصرية والدعوة لوقف الحوارات الوليدة للـّقاء والتفاعل الإيجابيين بين الثقافات البشرية المتعددة المتنوعة...
تعتبر مفردة التعايش من المفردات المهمة لتواجد الأفراد في داخل المجتمعات بل هي المفردة الأسمى لتواجد بني الإنسان ضمن دائرة الإنسانية الواحدة القادرة على البناء الإنساني المتضامن. إن مفردة التعايش بما تحمل من معان هي بحد ذاتها ثورة لتوحيد المجتمعات... ثورة على الذات الرافضة للآخر , ثورة على الآخر الرافض للذات الإنسانية وهنا مصطلح الثورة نقصد به التحرك السريع لتوحيد المجتمع ضمن مفردة التعايش السلمي ولكن وكما هو معروف لدى المفكرين والمثقفين فان مفردة الثورة بحاجة إلى التحرك المتضامن مع التنظير فالتنظير يسبق هذه الثورة لضم أبناء المجتمع ضمن البناء الواحد وان مفردة التعايش لا تخص مجتمعا دون مجتمع آخر بل هي لكل المجتمعات والإنسان بطبيعته يكون متعايشا مع الآخرين ضمن مناهج الحوار...واليوم نحن في العراق نحتاج هذه المفردة وتطبيقاتها أكثر من أي وقت مضى حيث إن بلادنا فيها من الطوائف والاثنيات والعرقيات الشيء الكثير فإذا لم يكن هناك تعايش سلمي بين كل هذه الفسيفساء الجميلة في العراق فلن نضمن استقرارا مرتكزا في هذا البلد ومبنيا على معاني الصدق والإخلاص لأبنائه فالعراق متوزع وتكمن جمالياته في أطيافه المتعددة من سنة وشيعة وكرد وتركمان وصابئة وشبك وايزيديين ومسيح وغيرهم والعراق منذ الأزل بني على كل هذه الشرائح المهمة القادرة على بنائه من جديد بعد عصف الدكتاتوريات المتعاقبة والإرهاب الحالي.
والتعايش قد يتعرض للانتهاك عندما تنعدم شروطه وتغفل مكوناته في المساواة والعدالة بالحقوق والواجبات لحد انعدام الثقة في قبول العيش مع الآخر,وفي علم السياسة والاجتماع يعني التعايش وجود نواة مشتركة لفئات متناقضة في محيط معين تقبل آراء بعضها البعض وتهضم الخلاف والاختلافات بين الآخر بعيدا عن مبدأ( ألتسقيط والتهميش-التسلط والأحادية والقهر والعنف من خلال الالتزام بمبدأ الاحترام المتبادل لحرية الرأي وطرق تفكيره وسلوكه,إن مفهوم التعايش في تطبيقه المتواضع يحسم أمور كثيرة من عقبات ومخلفات فكرية واجتماعية التي يمسك بها بعض المتزمتين بالطائفية والمذهبية والعنصرية وغيرها من الأمور المفتعلة التي تثير وتأجج الصراع.
فالمسلم السني الذي لا يستطيع العيش مع المسلم الشيعي , فانه لن يتمكن أيضا من العيش المشترك مع نظرائه في الانتماء المذهبي والعكس,ولهذا نرى مفهوم التعايش السلمي مفهوما حضاريا , لا يؤسس للعلاقة بين التنوعات السياسية والثقافية في داخل المجتمع , فحسب,بل يؤسس للعلاقة السلمية في داخل الإطار الواحد أيضا, ومن اجل بناء السلم الأهلي والاجتماعي بشكل صحيح , ندعو لإعادة النظر في مفهوم الوحدة , ونفي الخصوصيات , كما ندعو لإعادة النظر في مفهوم العدو ومتواليا ته من التناحر والتقاتل والعداء المفتوح , حيث إننا بحاجة ان نحدد(من نحن ) و (من هم أعداؤنا) ,وذلك حتى يتسنى لنا صياغة ذاتنا الوطنية وتحديد أولوياتها ومشروعات عملها, فالآخر الذي قد نحسبه عدوا لأول وهلة , لو اقتربنا منه لربما علمنا انه صديق يشترك معنا في أكثر خصوصياتنا, لذا ينبغي ان ننظر لموضوع الحوار على أساس انه ممارسة إستراتيجية دائمة , لا عملا تكتيكيا مرحليا , فجميل أن نعرف من (نحن) , لنعرف من هو (الآخر) , فمن نظنه الآخر قد نكتشف انه يدخل في قائمة (نحن) , إن تحاورنا معه بالتي هي أحسن ! ويكفي أن نجلس مع الآخر ونتحاور معه ,ليتعرف كل منا على التصورات الصحيحة تجاه بعضنا البعض , فالله-عز وجل-خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف , لا لنتقاطع , ولا لكي يحمل كل منا الضغينة والحقد تجاه إخوته في الإنسانية , وأتصور إننا لن نعرف أنفسنا جيدا إن لم نتحاور مع الآخر,فالأصل في علائق الشعوب والمجموعات الدينية يكمن في التعاضد والتعاون والتعايش السلمي وكل ما يشذ عن ذلك تعالجه البشرية بالحكمة وبما لا يعرض تلك العلاقات للهزات أو التخريب أو حتى الفتور..فلا يمكن لما يشذ عن القاعدة الأصل أن يلغي الصواب في العلاقات أو يعطل الحكمة في إدارتها الأمور. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


وليد المشرفاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/04



كتابة تعليق لموضوع : التعايش السلمي ثورة لتوحيد المجتمعات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net