صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح68 سورة المائدة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم 
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ{4}
تتضمن الاية الكريمة نتيجة طبيعية , حيث يوجه المؤمنون أسئلتهم للنبي الكريم محمد (ص واله) ,  فيسألونه ( ماذا احل الله لنا ؟ ) , ومن المؤكد ان النبي (ص واله) لا يجيب من تلقاء نفسه , بل يجيب بما يؤمر من قبله عز وجل , فكان الجواب على نقطتين : 
1- (  قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) : الطيبات هي كل ما فيه نفع للانسان , سواء كان مأكلا او مشربا , ملبسا او مسكنا ... الخ , وبضدها الخبائث , وهي كل ما فيه مضرة للانسان من مأكل او مشرب وغير ذلك . 
2- (  وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ ) : الصيادون لديهم اساليب كثيرة , ومنها استخدام حيوانات خاصة , مدربة بشكل جيد للصيد كالكلاب والصقور وغير ذلك , فتجيز الاية الكريمة هذه الوسيلة للصيد , شريطة ذكر اسم الله عليه , تفاصيل ذلك في كتب الفقه .           
يلاحظ في الاية الكريمة موضوعين للتأمل : 
1- (  وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ ) : ذكر اسمه تعالى على الذبيحة موجب لكثير من البركات والخيرات , وفيه ايضا دفع لكثير من الشبهات . 
2- (  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) : يلاحظ ان النص المبارك احتوى امرين : 
أ‌) (  وَاتَّقُواْ اللّهَ ) : امر مباشر بتقوى الله في ترك كل ما نهي عنه . 
ب‌) (  إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) :  بيان واضح وصريح .    
مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة , ان الصحابيين الجليلان زيد الخير وعدي بن حاتم قدما على النبي (ص واله) , واخبراه ان قومهما يستعملون الكلاب والصقور في الصيد , وان هذه الكلاب تصطاد حيوانات وحشية ذوات لحم حلال , وتأتي به حيا احيانا , فيذبح , واحيانا يموت قبل ان يتسنى لهم ذبحه ( تفسير القرطبي , ج3 ) .    
 
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{5}
تبين الاية الكريمة حلية امرين مهمين : 
1- الطعام (  الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) : في ذلك  وجهات عدة واراء مختلفة منها : 
أ‌) من شروط حلية الذبيحة التذكية حسب الشريعة الاسلامية , فبالتذكية يحلل لحم الذبيحة على المسلم والكتابي ايضا , اما اذا كانت طريقة الذبح حسب طريقة اهل الكتاب , التي امرهم الله تعالى بها , فتكون حلالا عليهم و على المسلمين ايضا . 
ب‌) مجمل انواع الطعام التي يعدها المسلمون حلال عليهم وعلى اهل الكتاب , اما الطعام المعد من اهل الكتاب فهو حلال عليهم وعلى المسلمين , في حالة خلوه من المكونات المحرمة في شريعة الاسلام . 
2- الزواج (  وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) : يذهب بعض المفسرين الى جواز زواج المسلم من كتابية ( يهودية او نصرانية ) , زواجا كما هو المتعارف عليه في الشريعة الاسلامية , شريطة ان لا يؤثر دين الزوجة الكتابية على دين الزوج المسلم , كما ذهب الى ذلك السيوطي في تفسيره ( الجلالين ) , اما في الفقه الجعفري , هناك نوعان من الزواج , دائمي ومنقطع , فلا يجوز الفقيه الزواج بالكتابية زواجا دائميا , اما زواجا منقطعا فلا بأس ( هذا رأي فقيه واحد فقط ( السيد محمد صادق الصدر الثاني (قده) , ولم اطلع على باقي الاراء , اكتفينا به مقابل رأي واحد من مدرسة اخرى ) .             
يلتفت المتأمل الى ( وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) , النص المبارك فيه تحذيرين او تهديدين لمن كفر بالايمان : 
1- (  فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) . 
2- (  وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .     
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{6}
الاية الكريمة تضمنت احكاما شرعية هي من اختصاص الفقهاء , اما ما يلفت نظر المتأمل عدة امور , نذكر منها  : 
1- (  فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً ) : اشارت الاية الكريمة الى موضوع الطهارة ( وضوء , غسل ) , ولا يمكن ان تكون الا بالماء , فوضعت حكما فيه شيئا من السماحة في حالة عدم توفره , او لعدم كفايته لشح او سفر وغيره , او عدم القدرة لاستعماله لمرض وغيره , فكان التيمم بالتراب بديلا . 
2- (  مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ) : النص المبارك يتضمن تصريح رباني , حيث ان الله عز وجل لا يريد ان يفرض احكاما تسبب الضيق والعسرة لاتباع دينه .  
3- (  وَلَـكِن يُرِيدُ ) : ارادة الله تعالى تكمن في امرين : 
أ‌) (  لِيُطَهَّرَكُمْ ) : التطهير هنا يقتضي امرين : 
أ)1) من الذنوب والمعاصي . 
أ)2) من الحدث , ويضاف اليه كافة مستلزمات النظافة ( نظافة الفرد والمجتمع ) .
ب‌) (  وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) : لقد تقدم اتمام النعمة في اية كريمة سابقة . 
ت‌) (  لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) : هناك امرين من الله تعالى ( التطهير , اتمام النعمة ) , وامر واحد من العباد ( الشكر ) , فينبغي للعبد ان يشكر المتفضل والمنعم جل وعلا .              
 
وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{7}
اضافت الاية الكريمة الى الشكر من العباد ثلاثة امور اخرى : 
1) (  وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ ) . 
2) (  وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) . 
3) (  وَاتَّقُواْ اللّهَ ) .     
الملفت للنظر , ختام الاية الكريمة بــ (  إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) , لذلك مدلولات كثيرة , لعل ابرزها انها ضد المنافقين والمرائين . 
   
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{8}
تضمنت الاية الكريمة خطابا , فيه عدة محاور : 
1- (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ ) : يأمر الخطاب المؤمنين ان يقوموا بما امر الله تعالى به , في اداء الطاعات , واجتناب المحرمات . 
2- (  شُهَدَاء بِالْقِسْطِ ) : شهادة العدل . 
3- (  وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) : ينهى النص المبارك المؤمنين ان يمنعهم بغضهم لقوم من اقامة العدل , سواء ان كان مع الاحباب والاقرباء , او مع الاعداء , كما وان النص المبارك يصرح ان اقرب ما يقرب العبد المؤمن من التقوى هو اقامة العدل . 
4- (  وَاتَّقُواْ اللّهَ ) : لقد تكرر هذا النص المبارك كثير في القرآن الكريم , بشكل مركز وملحوظ , في واقع الحال , لا يكون المؤمن مؤمنا ما لم يتق الله تعالى ! .            
يلتفت المتأمل الى ختام الاية الكريمة (   إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) , يعد النص المبارك بمثابة التحذير والتنبيه للمؤمن خاصة والناس عامة , فكل ما يقوم به المرء من عمل او قول , فليعلم عندها ان الله تعالى قد احاط به خبرا ! .   
 
وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ{9}
تضمنت الاية الكريمة وعدا رباني خالص , لمن امن وعمل صالحا سيثيبهم اجر ما عملوا بصورتين :  
1) ( لَهُم مَّغْفِرَةٌ ) . 
2) (  وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) .      
الملفت للنظر , ان القرآن الكريم تضمن الكثير من الوعود الإلهية للمؤمنين , بعضها مجملا , وبعضها بشيء من التفصيل , ففي هذه الاية الكريمة كان مجملا , ولم تذكر شيئا من وصف تلك المنزلة وما فيها من جنات وانهار وغير ذلك . 
 
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ{10}
تضمنت الاية الكريمة وعيدا ألاهيا , لمن كفر وكذب بما جاء من عنده عز وجل , فكانت نقيضا لسابقتها الكريمة . 
الملاحظ ان القرآن الكريم , تضمن الكثير من التهديدات للكافرين والمعاندين والعاصين وغيرهم , وكان بعضها مجملا , والاخر بشيء من التفصيل , فجاء في الاية الكريمة مجملا , ولم يذكر شيئا من وصف ذلك العذاب من قبيل النار , جهنم , درك وغيرها , وقانا الله تعالى شر  كل ذلك ! .    
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/14



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح68 سورة المائدة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net