صفحة الكاتب : محمد الحمّار

أنا عربي تونسي، بانتصار إرادة الشعب بدأت ثورتي
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في هذه الظروف الحالكة التي تمر بها تونس العزيزة(1)، ووفاءً لأرواح شهداء الحرية (وكان آخر من سمعتُ خبر استشهادهم  تلميذي حاتم بن طاهر رحمه الله)، و في ظل الركود الفكري وصمت المثقف التونسي أمام خطورة الوضع الأمني والاجتماعي، ونظرا للموت السريري للسياسة في هذا البلد الذي كان دوما في طليعة الإصلاح العربي والإسلامي الشامل، فإني أتموقع بعيدا عن الفكر النفعي وعن السياسة السياسوية، وأعلن شرعية التغيير الاجتماعي اللاعنيف وجدواه في تسهيل استرداد الشعوب لكرامتها.
 
وفي السياق نفسه أعلن من هذا المنبر الحر أن، مُعلم اللغة العربي التونسي الذي هو أنا، لا أملك من الثروة سوى لغتي، وأنّي بدأت على بركة الله ثورتي بواسطة اللغة، فمن شاء اتبعني؛ اللغة ثروتي، إذن فهي ثورتي. وهذا عمل فكري طويل المدى ويتطلب، من جهة أخرى، جهدا ميدانيا تجريبا بالأساس.
 
قبل عام ونَيف، لمّا ردّ على فكرتي العلامة العالمي نعوم تشومسكي، أب اللغويات المعاصرة وصاحب النظرية العالمية رقم واحد (النحو التوليدي والتحويلي)، في إيمايل  قائلا: "هذا الأمر يتجاوز كفاءتي، وكم تمنيتُ لو كنتُ قادرا على قراءة ما تكتب لكي أتمكن من التعليق" كدتُ، كالولد الصغير، أفقد صوابي من الاستبشار. إمّا أنه يتهكم مني، وإمّا أنه متواضع إلى تلك الدرجة؛ قلتُ في نفسي. لكني رجحتُ الإيمان بالثانية، وأعتقد أني على الأقل كسبتُ الرهان السيكولوجي.
 
واليوم وقد مضت أربعة أسابيع تقريبا على اندلاع أول شرارة لانتفاضة الحرية التي لا أحد يعلم مُنتهاها سوى الخالق (2)، لم يعدُ لي ما أنتظر سوى أن أبسط ذراعي، بكل لغة في حوزتي، إلى شباب تونس الذكي والحازم، وكذلك إلى الشباب العربي والمسلم، وإلى كل شباب العالم، إن مؤمنين كانوا أم مُلحدين، إن شيعة أم سُنيين، دون سواهم من الناس، إلا مَن حافظ على شباب عقله من بين الكبار.
 
وفضلا عن اقتدائي بالنبي الأعظم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأولئك الذين (من خلال الحقائق الميدانية، لا من خلال الكتب)  فكرُهم لا يزال يحيا في ذاكرتي من بين شيوخ الدين والعلم، ما من شك في أني أقتدي بالعجوز الشاب نعوم تشومسكي، من بين الأحياء.
 
الإسلام لغة، واللغة إسلام؛ هذه لغة اللغات. وهي لغتي التي أدعو الشباب التونسي والعربي والمسلم والعالمي إلى الاهتداء إلى النطق بها. 
 
وتقول لغة اللغات هذه إنّ تونس اليوم من الممكن أن تعطي مثالا في الانتفاضة الشعبية اللاعنيفة، يكون الغرض منها  تفكيك كل المفاهيم والمعايير والمقاييس الكونية، لا كقيم وأخلاقيات في حد ذاتها بل كمنظومةٍ متكاملة كشفت مساوئَها ما يُسمى بالعولمة، وكجهاز للهيمنة الامبريالية العالمية، المتخذة من إسرائيل معقلا للحريات الكونية. وأعتقد أن شبابنا لم يعد يستسيغ استخدام الآخرين (الناس الكبار) العولمة الاقتصادية كرشاش لثقب عقول ونفوس كل الأحرار في العالم.
 
في هذه الشروط، يبدو لي أنّ شباب تونس قادر، مبدئيا،على قيادة هذه الثورة اللغوية الفكرية الإصلاحية التي أعلِنها من جانب واحد وبعنوان فردي (لكني أؤمن بأنّ لي أنصار كثيرون يؤيدونني في ضرورتها)، وذلك لسبب بسيط: نحن شعب يحب اللغات وفي طليعتها لغة الأجداد والأولاد، لغة الإسلام والأحلام، لغة العلم والسلم، لغة الحداثة والدماثة: العربية.
 
ولئن كان شباب تونس يحبّ اللغات فإنه للأسف الشديد لا يتقنها. وذلك لأنّه، كمثيله من الشباب العربي والمسلم وحتى العالمي، يعاني من فقرٍ موصوف في الرسالة اللغوية وفي مكوناتها الإيمانية والثقافية والسياسية.
 
 إنّ الثورة اللغوية هي المقاربة الوحيدة التي ستساعد كل فرد وكل مجتمع على استرداد حقه في الإيمان الديني وغير الديني الحر، وفي التفكير السليم لِكلٍّ حسب إيمانه، مع العلم أنّ الإيمان اللغوي كفيل بتوحيد الرأي السليم والموقف السليم. فمِن تونس تنطلق المسيرة اللغوية الثورية العالمية ضد الجهالة والرداءة في كافة مجالات الحياة.
 
لنأخذ الآن مثالا عن المقاربة الشبابية، في تونس اليوم والآن وهنا، لمسألة الحرية و الانعتاق. وسأبيّن أنها مقاربة ضعيفة، وخطيرة لأنها ضعيفة (3)، وذلك رغم إصرار الشباب التونسي الأكثر من رائع على التعبير عن الذات الحرة في المجتمع الحر. 
 
إنّ المتأمل في ثورة الشباب والحرية سيلاحظ  التناقض الرهيب بين إرادة الحرية وبين التعبير عنها. فعادة ما يقال عن السلطة في أي بلد متخلف إنّها مثل "العجوز التي يهزها الواد/النهر وهي تقول إنّ العام (الفلاحي) عامَ صابة" (مثل شعبي)، لكن الملاحظ أنّ حتى الشباب الثائر (بالرغم من مساندتي المطلقة له ولإرادته للتغيير ولإرساء العدل ولاسترداد الكرامة) "يهزه الواد وهو يقول إنّ العام عام صابة". وإلاّ فليُثبت لنا هذا الشباب الحالم والطموح، والهائج والمائج في الآن ذاته، أنه غير قاصر عن التفكير بنفسه دون القابلية (العربية والإسلامية العُضالة) للإستقالة، ودون الاستعداد اللاواعي لفسح المجال، من حيث لا يريد ولا يشعر، لِمن يحكم فيه ليفكر في مكانه (4)، لا الآن ولا بعد قليل ولا غدا ولا أبدا.
 
ومن عوارض هذه العلة، علة القابلية لتكليف الآخر بالتفكير في مكان المتكلم، أنّ الذاكرة الشعبية التونسية، والعربية والإسلامية، ذاكرة مقتطعة من السياق الوجودي في بهائه الشامل، الأمر الذي حكم عليها بأن تكون مجزأة، الأمر الذي يجعل صاحبها يبكي اليوم ويزهى غدا (5). والمشكلة ليست في الزهو بعد الألم لكن في الزهو من دون وضع الألم السابق في الحسبان. وهذا بحد ذاته رهان اللحظة.
 
ولأني جدّ متحفظ على إمكانية توصل المجتمع الشبابي في تونس إلى نتائج باهرة بفضل انتفاضة غير مستنيرة (5)، وهي التي يشكو أصحابها من ضعف الذاكرة (وهي طبعا مستنسخة من الخليّة الأمّ) من بين أعراض وأمراض أخرى، وكذلك لأني جدّ مُتوجس من إتباع شبابنا، رغم رَوعة سجيّته، مَسالك نضالية أقل ما يقال عنها إنها متوحشة، أُذكّر شباب تونس الغالي، ومن ورائه كل شباب العرب وشباب المسلمين وشباب العالم الذي يريد التحرر من عقائد كونية فاسدة، أنّ الأولوية الآن الاضطلاع  بمسؤولية أن يكون سلطة نفسه.
 
 ولكي يعي هذا الشباب خطورة التحدي وقيمة الرهان، فليعلمْ أنه يجهل (ومن يجهل الشيء ثم يدرك جهله ويتدارك الأمر فلا جهل له) ما يلي: لكي يتحول الشاب من طور التابع إلى طور الفاعل لا بدّ له من إيجاد الطرق الواجب أن يسلكها لكي يكون قادرا على التفكير بنفسه، قادرا من باب أولى وأحرى على منع أية سلطة غير سلطته أن تفكر بالنيابة عنه، عدا سلطة العقل المستنير والتنويري، التي ستنير له معالم تلك الطرق.
 
 والثورة اللغوية ثورة على المسلمات و العادات الفكرية السيئة، الفردية والمجتمعية؛ وهي الاتجاه الصحيح اليوم والآن وهنا.
 
محمد الحمّار
"الاجتهاد الثالث": الكلام إسلام.
 
تعليقات فورية على إثر تلبية الرئيس لمطالب الشعب في خطاب تاريخي:
 
(1) الطريف في الأمر أني كتبت هذه المحاولة في صبيحة هذا اليوم ( 13-1-2011 )، ساعات قبيَل خطاب رئيس الدولة التاريخي الذي أعلن فيه عن قراراته باتجاه الانفراج. وحرصت على ترك النص كما هو؛ ولم أحيّن إلاّ العنوان، للتاريخ.
 
(2) وقد منّ علينا عزّ وعلا ببوادر انفراج في هذه الليلة بالذات.
 
(3) الابتهاج للقرار الرئاسي لا ينفي أنّ تجسيد القرار يبقى موكلا للشعب والمجتمع والدولة وانّ المجتمع ينتظره عمل عظيم.
 
(4) ولن أتراجع في هذا الحكم حتى بعد إطلاعي على فحوى خطاب الرئيس، إذ المسألة أعمق من أن تكون متعلقة بالعمل السياسي المباشر، إنما تقع تحت طائلة المعالجة الأنطولوجية وبناء الشخصية.
 
(5) ما فتئ الرئيس أن انتهى من خطابه حتى تعالت أصوات الجماهير بالخروج للتعبير عن الفرحة، رغم حضر  التجوّل، ففعلت في هذه الليلة المباركة. وما من شك في أنّ حق الشعب في التعبير عن الكسب الذي حققه بفضل إصراره وتضحيته الأرواح أمرٌ مشروع. ولكن لا بدّ أن لا تنسيه الفرحة مسئوليات جسام تنتظره في الأفق. 
 
(6) التعليق رقم (3) بالخصوص.
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/14



كتابة تعليق لموضوع : أنا عربي تونسي، بانتصار إرادة الشعب بدأت ثورتي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : محمد الحمّار من : تونس ، بعنوان : العاقبة خير لكل العرب في 2011/01/15 .

اشكرك يا الأخ "متابع" على مشاعرك إزاء قضية تونس. ونحن مع الشعب العراقي العظيم في محنته ومنتظرين أن يخرج آخر جندي احتلال من أراضية.

أما عن الوضع فهو أمنيا سيىء بعض الشيء بعد أن حسم الشعب مسألة الحكم الفردي.
مودتي

• (2) - كتب : متابع من : العراق ، بعنوان : ساعدكم الله في 2011/01/14 .

ساعدكم الله اخوتنا في تونس لما نرى من على شاشات التلفاز
قبل قليل رايت انه تم اعلان حالة الطواريء في جميع تونس






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net