صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح80
حيدر الحد راوي

سورة  الانعام

بسم الله الرحمن الرحيم
لسورة الانعام الشريفة فضائل كثيرة , نذكر منها , عن ابن عباس قال : من قرأ سورة الانعام في كل ليلة كان من الامنين يوم القيامة ولم ير النار بعينه ابدا . ( ثواب الاعمال ) . 
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ{1}
نستقرأ الاية الكريمة في موقفين : 
1) (  الْحَمْدُ لِلّهِ ) : ويتفرع منها : 
أ‌) (  الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) : يلاحظ المتأمل في النص المبارك , ورود (  السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) في مواقع كثيرة في القرآن الكريم , احيانا بمعاني متشابهه , واحيانا مختلفة , لكن دائما ما تكون (  السَّمَاوَاتِ ) جمعا , و ( َالأَرْضَ ) مفرد , يطرح المتامل عدة اراء , للتأمل والنقاش : 
أ)1) يرى الانسان الارض والسماء , فيستعظم خلقهما . 
أ)2) يرى الانسان سماءا و ارضا واحدة , فيؤكد النص المبارك , ان هناك عدة سماوات , لا يمكن للانسان رؤيتها بالعين المجردة , او معرفتها بالوسائل الاعتيادية .
أ)3) جاءت كلمة ( الارض ) مفردة , للفت النظر , ان للكرة الارضية خصوصيات غير موجودة في أي مكان اخر في السماوات جميعا .
أ)4) عظم خلق السماوات , بالنسبة للارض , التي تكاد تكون عدما تجاهها .  
أ)5) ( ال ) التعريف , لها خصوصية في السياق , ولو كانتا غير معرفتين , لاحتملت معان اخرى . 
أ) 6) ان السماوات والارض وما فيهن من موجودات , تثبت ان الخالق واحد , أي ان خالق السموات وما فيهن , هو نفسه خالق الارض وما فيها .         
ب‌) (  وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) : الظلمة والنور , الليل والنهار , يلاحظ ان كلمة ( الظُّلُمَاتِ ) وردت جمعا , وكلمة (  َالنُّورَ ) مفردة ,  لذلك نطرح عدة اراء للتأمل : 
ب)1) كثرة مسببات الظلمة , لكن للنور مسببات كثيرة ايضا . 
ب)2) قبل ان يخلق الله تعالى الخلق , كان العالم غارقا في ظلام دامس ( ظلام اول ) , وسيعود الى الظلام بعد يوم القيامة ( ظلام ثان ) , و ما بينهما ظلمات كثيرة ( ظلام ثالث ) , وبذلك خصت بالجمع . 
ب)3) جاءت كلمة ( ظلمات ) جمعا في النص المبارك , للفت النظر الى ان في الظلمة الخطر الكامن . 
ب)4) جاءت كلمة ( ظلمات ) جمعا , لانها غير محببة للنفوس , لما تحتويه من غشاوات تكتنف البصر والبصيرة . 
ب)5) نظرا لحاجة الانسان لنور البصر والبصيرة , وحاجة الكائنات الاخرى للنور , جاء مفردا للفت النظر الى اهميته . 
ب)6) ( ال ) التعريف لها خصوصية في المعنى , ولو كانت (  الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) غير معرفتين , لكان لها معان اخرى  , ودلالات مغايرة .       
2) (  ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ) : بالرغم من كل تلك البينات الباهرات , يكفر الانسان بربه , ويساوي بينه عز وجل وبين خلقه , فيتخذ آله من دونه جل وعلا , ينسب لها ما لا ينسب الا له عز وجل .       
 
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ{2}
تشير الاية الكريمة الى انه عز وجل خلق الانسان من طين , وهذا مما لا ريب فيه , واكده العلم الحديث , حيث ان جميع العناصر التي يتكون منها جسم الانسان تعود الى الارض ( التراب ) , كالحديد والمغنيسيوم و الكالسيوم والفسفور وغيرها . 
(  ثُمَّ قَضَى أَجَلاً ) , ثم حدد الله تعالى للانسان مدة من الزمان , يقضيها ثم يعود الى الارض ( التراب ) , لكن ذلك ليس كل شيء , أي لا يعود الانسان الى التراب وينتهى الامر عندئذ , بل هناك امر اخر ينتظره , ( وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ) , البعث يوم القيامة , لكن مشكلة الانسان , انه يشكك في ذلك اليوم , غير عابئا به وبخطورته (  ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ) , وبعبارة اخرى , ان يوم القيامة قائم لا محال , شئت ام ابيت ! .     
 
وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ{3}
تضمنت الاية الكريمة ثلاثة مستويات , رتبت حسب الاولوية : 
1- (  وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ) : الربوبية له وحده عز وجل , في أي مكان او زمان , ويلاحظ في النص المبارك , ذكر السماوات ( جمعا ) والارض ( مفردة ) , مسبوقة بحرف الجر ( في ) , فتأمل ولاحظ ما جاء في الاية الكريمة الاولى ! . 
2- (  يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ ) : وهو عز وجل يعلم ما يخفيه الانسان وما يظهره . 
3- (  وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ) : ما يكسبه الانسان بعمله من خير وشر .       
 
وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ{4}
مشكلة الانسان , انه ينجرف لرغباته وشهواته وملذاته , فتتغلب على عقله , اما لو تغلب عقله على الشهوات والملذات , لادرك ايات ربه , ولما اعرض عنها , وآمن بها عندئذ ! .  
 
فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ{5}
تروي الاية الكريمة , جواب الكفار على ما جاء به الرسول الكريم محمد (ص واله) من الحق بطريقين : 
1) (  فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ ) . 
2) (  يَسْتَهْزِئُونَ ) .  
يلاحظ المتأمل في الاية الكريمة , انها تضمنت نوعا من انواع التهديد (  فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) . 
   
أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ{6}
تدعوا الاية الكريمة الى قراءة التاريخ , والاطلاع على احوال الامم السابقة , لاخذ العظة والعبرة . 
يلاحظ المتأمل سياق الاية الكريمة : 
1) (  أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ) : تضمن النص المبارك دعوة للنظر في احوال الامم السابقة : 
أ‌) (  مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ) . 
ب‌) (  وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً ) . 
ت‌) (  وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ) .  
2) (  فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ) : سبب الهلاك , كان الذنوب ! . 
3) (  وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ) : وهكذا دواليك , كل امة تسود فترة من الزمان , ثم تضمحل وتتلاشى ويحل فيها الهلاك , بسبب كثرة المعاصي  والذنوب , وتجرئهم على الله عز وجل , فتحل محلهم امة اخرى , وهكذا تستمر الحياة , وتستمر الذنوب , ويستمر الهلاك ! .   
 
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ{7}
تكشف الاية الكريمة عن حال الكفار , انهم لن يؤمنوا ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ) , بل في ذلك الحين سيقولون (  لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) . 
  
وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ{8}
يقترح الكافرون , نزول ملكا معه (ص واله) يصدقه ويصادق على كل ما جاء به (ص واله) , فتنبه الاية الكريمة الى خطورة هذا الاقتراح (   وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ) , فلو نزل الملك , ولم يؤمنوا به , لوقع عليهم العذاب المهلك , من دون مهلة للتوبة و الاعتذار ! . 
 
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ{9}     
تبين الاية الكريمة , لو ان الله تعالى انزل ملكا للزم فيه امرين :
1) (  وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ) . 
2) (  وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) : يلاحظ ان سياق النص المبارك يدل على الجمع , بينما سياق المقطع الاول من الاية الكريمة كان بصيغة المفرد .  
يلاحظ في الاية الكريمة , انه لا يمكن للملك ان يظهر للناس بصورته الحقيقية , لذلك نورد اطروحتين : 
1) لا يحتمل الناس العاديين رؤية الملائكة على صورهم الحقيقية . 
2) عين الانسان تمكنه من رؤية الاشياء في هذا العالم , في ابعاده الخاصة , اما الملائكة يتحركون ويتنقلون في عالم اخر , له ابعاده الخاصة , لذا لا يمكن للعين ان تراه بالوسائل الاعتيادية .
 
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ{10}
تكشف الاية الكريمة , ان الرسول الكريم محمد (ص واله) لم يكن الرسول الوحيد الذي تعرض للاستهزاء والسخرية من قبل قومه , بل تعرض رسل لمثل ما تعرض اليه الرسول . 
ينبغي الاشارة , الى ان الرسل والانبياء تعرضوا الى انواعا شتى من الاذى , الا ان الرسول الكريم محمد (ص واله)  كان نصيبه حصة الاسد منها , حتى جاء عنه انه (ص واله) قال ( ما أوذي نبي مثلما اوذيت ) . 
 
 
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/12/29



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح80
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net