صفحة الكاتب : حامد گعيد الجبوري

التغيير التونسي والعراقي والفرق بينهما
حامد گعيد الجبوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   لا أعتقد تاريخيا أن الدنيا أنجبت مثل طاغية العراق المقبور صدام حسين ، فصدام يملك من الوحشية ما لا يملكه كل طواغيت الدنيا ، وهذا غير متأتي من كوننا عراقيون نتحدث عن طاغيتنا المقبور هكذا ، وربما يعترض أخوتنا العرب وغيرهم بأن طواغيتهم أكثر بطشا ووحشية من صدام حسين ، ولدي قناعة تامة أن صدام حسين بيّضَ وجوه أقرانه من الطواغيت بسلوكه الوحشي العدواني غير المسبوق ، وقد وزّع صدام ظلمه على كل العراقيين  بالتساوي ، وحشيته طالت الكورد والعرب والتركمان على حد سواء ، ولم يدخر جهدا لذبح السنة والشيعة والمسيح وغيرهم ، وتجاوزت وحشية صدام صوب دول الجوار من العرب وغيرهم بحروب وتدخلات يعرفها الجميع ، لم يسلم من صدام حتى قياديّ حزبه المجتث ، وكنت أتمنى حينها أن تبدأ محاكمته بهذا الباب  أي قتل ما يسمون رفاقه ، ولو كانت المحاكمة كما أرغب لكشفت أسرار وخبايا أراد المحتل عدم أبرازها وكشفها للعالم أجمع ، وقد أخطأ من قال سابقا لو اجتمعت طواغيت الدنيا وظلامها من كل الشعوب وأتينا بالحجاج بن يوسف الثقفي وحده لعدلهم أجمعين ، ابتدأ التاريخ الحديث بدكتاتور ألمانيا النازي هتلر الذي انتحر وجنب العالم شروره وشرور وقوفه بقفص الاتهام ، وصولا لشاوشيسكو ، وصدام حسين ، وأخيرا زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية .
      آذار عام 1991 م حدثت انتفاضة شعبية عراقية عارمة ، بدأها جندي عراقي منسحب ، بل مهزوم من دولة الكويت ، وهو يصل لأحدى الساحات البصرية ويشاهد صورة جدارية لصدام حسين ، فما كان من ذلك الجندي البطل إلا أن يصوب مدفع دبابته صوب تلك الجدارية ويزيلها ليعلن بدأ الانتفاضة الشعبانية كما يسميها العراقيون ، وتعتبر هذه الانتفاضة من أشرف نهضة عرفها التاريخ العراقي الحديث ، ولأنها شعبية خالصة لم يتدخل بتفجيرها حزب علماني أو أسلامي ، لذا وقفت أمريكا وغيرها ، وبخاصة دول الجوار لإجهاضها ، ورأت أمريكا حينها الإبقاء على صدام حسين بضعفه أفضل من قادم وطني يقود البلاد ، ولو قدر لتلك النهضة الانتصار لكان حال العراق على عكس ما نراه الآن ، وأسفرت تلك الانتفاضة عن سقوط كل المحافظات جنوب بغداد ووقوعها بيد الثوار ، وأسفرت أيضا عن نهضة كردية ليتدخل المجتمع الدولي لاحقا لاعتبار إقليم كردستان محمية شبه أممية ، وأطلقت يد صدام ليعيث ظلما بهذه المحافظات المنتفضة ليخلف آلاف المقابر الجماعية ، بعد أن أعاد السيطرة على تلك المحافظات ، وهنا بدأ التحرك الحزبي للمعارضة العراقية لإقناع أمريكا لغزو العراق وإسقاط حكومة صدام حسين ، وكان لهم ما أرادوا ، وللتاريخ أيضا يجب أن نقول أن الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية أصدرا بيانا مشتركا وصل ألينا عبر تسريب مع القادمين للعراق ، ونتيجة لهذا أصبحت أمريكا هي من تتحكم بمصائر البلاد والعباد والى يومنا هذا ، الأصابع الأمريكية موجودة بمجمل مفاصل الحياة العراقية السياسية .
     معلوم للجميع أن النفوذ العالمي يشمل الدنيا بما فيها ولها ، ومعلوم أيضا أن دول المغرب العربي يعتبر عرفا من النفوذ الفرنسي ، ولأن فرنسا درست التجربة العراقية الشاقة جدا ، لذا ارتأت  التغيير بتونس الخضراء على غير الطريقة الأمريكية السيئة ، شاب تونسي خريج جامعي لا يجد عملا حكوميا يعتاش به  أشعل بجسده الطاهر النار ليعلن موته  وبدأ الثورة الشعبية العارمة التي أطاحت بحكومة بن علي ، الذي قرر الفرار كما هي عادة الجبناء ، وكما فعل شقيقه صدام حسين ، والفارق أن صدام ليس له وجها مقبولا عربيا أو عالميا ، لذا فر داخل العراق ليشي به أحد أقاربه لقاء مبلغ مالي كبير ، وبن علي حاول أولا الوصول لباريس التي رفضت استقباله وهي المفارقة الغريبة ، لأن بن علي هو صنيعتها المدلل ، ولكي لا تخسر فرنسا جمهورها التونسي لذا رفضت ضيافته عندها ، واستقبلته مع جزء من عائلته المملكة العربية السعودية .
   أن التجربة العراقية الديمقراطية على هشاشتها ، قديرة أن تصل للدول التي تحكم بالنار والحديد ، أمس رميّ صدام حسين لمزبلة التاريخ ، واليوم تبعه بن علي ، وغدا سنرى ونسمع بكراسي كارتونية آيلة للسقوط واحدة تلو الأخرى .                 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حامد گعيد الجبوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/16



كتابة تعليق لموضوع : التغيير التونسي والعراقي والفرق بينهما
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net