صفحة الكاتب : حسن يوسف

تونس الإباء ... وأنصاف الشيعة !
حسن يوسف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لست أدري ما الذي استدرجني لمتابعة أحداث تونس وانتفاضة أبناء "أبو القاسم الشابي" ، أو ما أطلق عليه "ثورة الياسمين" ، حيث انكسر القيد في تونس واستجاب القدر بناءً على طلب "البوعزيزي" الذي أصبح الرمز الأول في تونس الخضراء اليوم !

وأنا الذي لا أبالي بأشد المعارك السياسة ضراوة في المنطقة ولا أشعر بشيء من الخطورة مادمت أعقد مآتم الحسين وأبكي على عقيلة بني هاشم وأندب الزهراء وأولادها كما أشاء !
لكن سبحان من جعلني أتابع تطورات أحداث شمال أفريقيا السياسية لحظة بلحظة دون أن أسد أنفي أو أتقيء ؛ أو أصاب بمغص على الأقل ! بل أترقب اندلاع الثورة في الجزائر ومصر وسائر البلدان التي لم تهدأ وتنتظر "بوعزيزي" آخر يضحي من أجل الشعوب التي تريد الحياة !
على كلٍّ ؛ أحاول استلهام الدروس وفهم الحياة أكثر ، فلا تكون متابعتي لأحداث "سيدي بوزيد" متابعة رجل بطـّال أنهكه الفراغ ويتصارع لقتله في المقاهي ! . أن أكثر ما لفت انتباهي خطاب الرئيس المخلوع (الطاغية الهارب ؛ حسب المسمى الجديد له) حيث قال بعد أن أرقه الرعب أياما وجعل أسنانه تصطك ببعضها ، فتحدث في آخر خطاب لعل بوادر أمل تلوح أمامه ويخدع الشعب المغفل مرة أخرى ويخمد ثورته ؛ قائلا :"والمجال مفتوح من اليوم لحرية التعبير السياسي بما في ذلك التظاهر السلمي المؤطر المنظم ؛ التظاهر الحضاري"
يبدو بشكل واضح أن الخشية على ضياع المُلك والرعب الذي سيطر عليه من الشعب المظلوم الثائر ، جعله يستجدي الرفق منهم وتسكين فورتهم باللجوء إلى خيمة : "الحضارة" أكثر من مرة في خطابه أو ذكر مصطلحات : "الشعب التونسي المتحضر والواعي" ، متحدثا معهم كأنهم أطفال في الابتدائية أثاروا الفوضى فصاح بهم مدير المدرسة أنتم أفضل طلاب أنتم المجتهدون والمميزون بين سائر المدارس ، لا تليق بكم الفوضى !
هكذا كان يريد أن يخرس ألسنة الثوار ويخمد لهب الثورة ، متاجرا بالبضاعة التالفة "مصطلح الحضارة" ...
والحقيقة أنه وحده كان يرى أن حركة الشعب غير حضارية ... كان يريد الشعب أن يستنكر ويغضب لكن برفق ولين وابتسامة ! ...
لأن الرفق واللين لا يرعب الملوك ...
هو الوحيد كان يرى هذه الثورة غير حضارية ؛ لأنه خائف يتشدق بالأعذار ...
أما بقية العالم فقد اكتشفوا أنه طاغية وظالم ، ورسالة "التوانسة" وصلت بشكل جيد للعالم عندما أحرق "البوعزيزي" نفسه ، فلم يتباكَ تونسيٌّ غبيٌّ على هذا التصرف باعتباره مشوها لتونس والتونسيين ، بل كان صرخة مدوية في العالم أنبأتهم أن الشعب مظلوم !
كان هناك عشرات الأحزاب المعارضة للنظام ، وهناك المفكرين المهجرين ، وهناك القابعين في السجون التونسية ، بل ثمة كتب ومؤلفات علمية وأكاديمية في مهاجمة النظام التونسي وفضحه وتعريته وتعرية أسرته على الخصوص زوجته وعائلتها !
ومع كل ذلك لم يكن عامة الناس يعلمون أن الشعب يعيش الظلم إلى هذا الحد ، بل ربما يظن الكثيرون أن البلد يعيش الاستقرار والشعب لا يشكو شيئًا من هذا القبيل ...
وعندما أحرق البوعزيزي نفسه الكل فهم الأمر ... ولا يوجد من يقول أن البوعزيزي متخلف وغير متحضر ؛ والتوانسة شعب صاحب مبدأ وفكر وثقافة مثقف وواع ولغته لغة العلم والوعي ، والتوانسة من العرب القلة الذين يقرءون الكتب فلا تليق بهم هذه الوحشية في التعبير ...
ولم يظهر مفكر أو استاذ في العلوم السياسية أو فيلسوف شرقي أو أي مدعي ثقافة ينكر عليهم ثورتهم هذه ، بل سجلها العرب ووثقها من ساعتها كثورة أبطال شجعان وعلى سائر العرب الالتحاق بركبهم منتظرين بوعزيزي مصري وجزائري ومغربي وسوري وربما بوعزيزي بحراني !!!
لماذا لم يصرخ الجميع أن البوعزيزي متخلف وتصرفه غير حضاري ، ماذا يعني أن يحرق نفسه فيتفحم جسده ، ماذا سيفهم العالم عن التوانسة غير الوحشية والحرق والنار عندما يرون هذا المشهد ؛ ماذا سيفهمون من مبادئ هذا الشعب وحضارته وفكره غير الرعب ؟!
لم أسمع هذا النداء قط في المعركة !
لكني أصبت بالصداع من كثرة ما سمعت أنصاف الشيعة والجهلة والمتخاذلين والضعفاء منهم ، والمستغفلين والمغفلين من الشيعة كلمة : ماذا سيقول الغرب عندما يشاهدون مشهد الدم المرعب يوم عاشوراء ؛ إنه مشهد غير حضاري !
بل هذه قمة الحضارة والإنسانية ، إننا لم نهو بسيوفنا على رؤوس غيرنا ، ولم نفجر أنفسنا في سوق مليء بالنساء في بغداد ، إننا نصرخ بالمظلومية ليرى العالم كم شكى التشيع من الظلم والاضطهاد منذ الصدر الأول للإسلام ، ولم يهنئ بساعة أمن ...
إننا نصرخ أن إمامنا سحق تحت حوافر الخيل ولازال الدم يشخب من نحره الشريف ...
كم أشعر بحمق الطالب باستبدال التطبير بالتبرع بالدم ، كأنه يطلب من البوعزيزي أن يستبدل مشروعه الناري بمشروع التبرع بـ"دهان حروق" لمستشفيات أفريقيا التي تعاني نقصا في الأدوية !
ويقول أحدهم : " أيها الأحبة، اجرحوا أجسادكم، لكن بيدي أعدائكم بعد أن تجرحوهم، اجلدوا ظهوركم بالسياط ولكن بيدي أعدائكم بعد أن تجلدوهم، هذه هي المواساة"
إن أمثال هؤلاء لا يعرفون كيف يتحدثون ولا يعرفون ما هي القضية ، ولا يعلمون مدى بشاعة الجريمة ، ولا يعلمون أن الحسين هو السبب المتصل بين الأرض والسماء وأنه حجة الله على الخلق ، وكل جراحة في جسده الشريف تعد استخفافا بالذات الإلهية ، وأن مسألة مصرعه المفجع لا توصف بكلمات ولا تكفيها هذه النياحة وأن الثأر لدمه المسفوح هو ثأر الله ، فالحسين هو ثار الله ... إنهم لا يفهمون هذه الحقيقة أبدًا !
إنهم يريدون للأفواه التي تنادي واحسيناه أن تخرس على الآخر ، ويريدون أن تنفتح أفواهًا لا تعرف شيئا عن الحسين والدين والسماء ، يريدون فلسفة وعلوم اجتماعية وعلم نفس لكن باسم الدين ، إنهم لا يريدون أن نتذكر أن ضلع الزهراء كسر بين الباب والحائط لأن هذا الأمر "لا يشكل بالنسبة لهم أية سلبية أو إيجابية" ؛ لذلك يرون هذا الجزع والتفجع تخلفا ...
ليس لأن النياحة والتطبير واللطم في نفسها أمرا غير حضاري ، بل لأن أصل الموضوع ، وأصل المظلومية ، والقضية بأكملها لا قيمة لها عندهم ... يريدون كلمات فرويد وانيتشه وسائر وطاويط الليل ... لا يريدون الكافي الشريف وبحار الأنوار وأمالي الشيخ الصدوق ... يريدون كتب أكاديمية عصرية ... لا يريدون الدين حتى وإن لبسوا العمائم !
لذلك يقولون أن الشعائر الحسينية غير حضارية ، لأن الجريمة التي ارتكبها قاتل الزهراء ، والتي ارتكبها الأمويون انتهت ويجب أن ننساها في نظرهم ونعيش اليوم كما يقولون !
لكن هيهات ؛ خسئت أفواههم وماتوا بغيضهم والقبور أمامهم والزبانية ستسقبلهم خير استقبال ، فالأمر محفوظ من السماء في عهد معهود من رسول الله ، والثأر له صاحب يطالب به ، ورب جليل شديد العقاب يحاسب كل مجرم أفاك ومنكر أو شاك ...
والجريمة يجب أن تبقى ، وثأر الله يجب أن يعظم ، وشعائر الله يجب أن تعظم لأنها من تقوى القلوب ...
فليست المسألة حضارة وفكر كما يزعمون ، بل هي كفر وتخاذل وضعة نفس ، ولو كان التونسيون أصحاب دين يطالبون بحرية دينية لاستخف الآخرون في البوعزيزي ليس لأن تصرفه وحشي بل استخفافا بدينه كما يستخف المستخف بشعائرنا الحسينية وبسائر الشعائر حتى بصلاتنا وسجودنا على التربة ؛ لكن هل نتراجع ؟ بل يتراجع الشكاك والمرتابون الذين يبقون يوم القيامة مع المنافقين والأشقياء ولا تشفع لهم مولاتنا الزهراء سلام الله عليها ...
إن المحاربين للشعائر الحسينية على ثلاثة أقسام ، إما يخافون على سلطانهم كرئيس تونس ! ، وإما يرون أن القضية لا تستحق كل ذلك وأنه ماض يجب أن يُنسى ، أو أن المصيبة لم تبلغ الحد الذي يستحق هذا التفجع إنهم أبناء "بنكي وبرين" وأسخف الخلق وحثالة البشر إن كانوا من البشر !
والقسم الأخير مغفل مخدوع لا يفهم ما هي الحضارة ، يظن التشبه بالغرب هو التحضر ... والحقيقة أن الغرب أيضا يظن أن مسابقات رمي الطماطم في أمريكا ومصارعة الثيران في اسبانيا والشذوذ من مظاهر الحضارة والتقدم ... وهذا ما سننتهي إليه في حال لحقنا ركب الغرب القذر !
وعلى كل حال ففي المفاهيم المعاصرة لا يمكن أن نعد الشعائر الحسينية من التخلف والرجعية ، ولا يمكن للكتب والمؤلفات العلمية في هذا العصر وفي العصور السابقة أن تفعل عُشر فعلة الشعائر الحسينية ، ولك في كتاب الغدير للعلامة الأميني أسوة ، فلا يبقى بعده مجال علمي لمنكر للغدير ... لكن ؛ بالله من يعرف الغدير الآن من عوام الناس بل مثقفيهم وأساتذتهم ؟ قلة قليلة من المهتمين في الحوار الشيعي السني لا أكثر ...
أما عاشوراء فيعرفها القاصي والداني !
إن اللطم والنياحة وشج الرؤوس هي سبب بقاء التشيع وحفظه لو تأمل متأمل منصف في هذا الأمر، والتخاذل في ذلك ضعف في اليقين والإيمان ، بل وضعف في الارتباط بالإمام المظلوم قتيل العبرات ، روحي وأرواح العالمين الفداء لتراب نعل الآخذ بثأره ...
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن يوسف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/19



كتابة تعليق لموضوع : تونس الإباء ... وأنصاف الشيعة !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : عبدالله من : السعودية ، بعنوان : الى الكاتب في 2011/01/24 .

لقد أصبح التطبير ، محل جدل واسع بين علماء وفقهاء الشيعة ، بين مؤيد لاستمرارها وبين رافض لذلك ، المؤيدون لاستمرارها يقولون إنها تخدم المذهب وتقويه ،والرافضون لها يقولون عكس ذلك تماما ، رأي كل من الفريقين من المثقفين بالطبع لاينطلق من موقع التعصب ، وإنما ينطلق من موقع على الحرص على خدمة المذهب والإخلاص له ، ولكن نتيجة لعدم التواصل بين العلماء والتحاور فيما بينهم لحل مثل هذه المواضيع الحساسة والمهمة وللوصول إلى حقيقة . اما بالنسبة الى انهم انصاف شيعة ( الرافضون للتطبير ) فهذه ليست من اخلاق الشيعة فلا تحكم ولا تستعجل على احد فتكون من الذين ظلمو انفسهم فادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعضة الحسنة.



• (2) - كتب : sayed reda من : السعوديه ، بعنوان : الرد في 2011/01/24 .

اولا : من وجهة نظري ان ما فعله البو عزيزي خطا لانه احرق نفسه وهذا يعد انتحار والانتحار حرام شرعا يقول تعالى
((ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكه))
ثانيا : ان التطبير الذي اتهمت فيه المحرمين له بالفاظ هي اولى ان تكون لك ولي ******** محرم عندنا وعند البعض حلال اسال نفسك اخي اولا اذا ما كان هذا ما يرده الحسين يرد اناس تموت في المستشفيات بسبب نقص الدم ام يريد امة تساعد بعضها يريد امرا يفرق بين الشيعه نفسهم ففيهم من يحلل وفيهم من يحرم ام يريد امرا يجمع الامة كلها وهو لبيك يا حسين يريد اناس تقوم بالتطبير وهي لا تعرف اصلا لما الحسين قتل ان اكثر من نصف المطبرين لايعرفون حتى لما الحسين خرج وقاتل لايعرفون ما هية الحسين هدف الحسين ويظنون ان التطبير هو الوسيلة الوحيدة لفهم معاناة الحسين
ثالثا : من اين اتى حكم التطبير اليس من السادة من ال شيرازي دعنا نترك من اين اتى انا ان كنت ارى الحق بعني فلماذا اكذبه لقد اثبت العلماء حرمة التطبير انت عليك الحكم لا تنظر بقلبك بل انظر بالعقل (( مالكم كيف تحكمون ))
هل هذا يعني اني ان لم اطبر سوف ادخل النار هل هذا يعني اني لو لم اطبر سينسى العالم الامام الحسين هل هذا يعني ان الغرب لن يعرف الحسين هل وهل ..
ثالثا : الحسين عليه السلام هل يريد اناسا يحبون الاسلام ام يخافون منه هل يريد اناسا يدخلون في السلام ام يريد اناسا تضعف معتقداتهم في الشيعه ويقولون القيل والقال عن الشيعه في العالم
رابعا: كيف تريد من الناس ان لا تتدخل في موضوع حساس مثل التطبير انت اخي اذا طبرت لن يقولو الاشخاص الذين يتبعون السيد صادق مثلا هم الذين يطبرون لا سيقولون الشيعه يطبورن ونحن بريئون من هذا العمل والسلام خير ختام






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net