صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح91 سورة الانعام
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ{111}

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 

1- ولو انه جل وعلا اجاب اقتراحاتهم في : 

أ‌) (  وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ ) : هناك فرق بين كلمة ( نزلنا ) و ( انزلنا ) , ينبغي للمتأمل الالتفات لذلك . 

ب‌) (  وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى ) : كلموا الموتى , وذلك يقضي بأحيائهم ثم الكلام معهم . 

ت‌) (  وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ) : ( قُبُلا) بضمتين جمع قبيل أي فوجاً فوجاً وبكسر القاف وفتح الباء أي معاينة فشهدوا بصدقك ( الجلالين / للسيوطي ) .    

2- (  مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ ) : يتوقف الايمان على مشيئته عز وجل , وكذلك ضده , 

3- (  وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) : اكثر القوم يجهلون الحق .          

 

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ{112}

تشير الاية الكريمة الى ان لكل نبي نوعين من الاعداء (  شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ ) , وتذكر عملهم (   يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) , (  وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) ذلك الايحاء ( الوسوسة ) , (  فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) فدعهم واتركهم وما يختلقون من الكذب والزور . 

   

وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ{113}

الاية الكريمة تأتي مكملة لموضوع سابقتها الكريمة وفيها ثلاثة محاور : 

1- (  وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) : تصغي وتميل الى تلك الوسوسة قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة .   

2- (  وَلِيَرْضَوْهُ ) : يحبوه ويقبلوا عليه . 

3- (  وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) : يكتسبوا ما اكتسبوا من الذنوب والمعاصي , وكلما ازدادوا منها , تضاعف العذاب الذي ينتظرهم .     

 

أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ{114}

مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة ( ونزل لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل بينه وبينهم حكماً ) " الجلالين / للسيوطي "  و فيها ثلاثة محاور : 

1- (  أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) : قل لهم ايها النبي الكريم , اغير الله جل وعلا اطلب حكما بيني وبينكم , وهو الذي انزل القران الكريم , مبينا فيه الحق والباطل . 

2- (  وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ) : يكشف النص المبارك عما يضمره اهل الكتاب ويخفيه ، فهم يعلمون ان القران الكريم منزل من قبله عز وجل . 

3- (  فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) : الشاكين , وهذا النص المبارك وان كان من سياقه انه موجه له (ص واله) , الا انه لا يعينه , فمن المستبعد والمستحيل ان يكون ( ص واله) من الشاكين به ، لذا نطرح ما يلي للتوضيح : 

أ‌) ان يكون النص المبارك موجه لبعض المسلمين الذين انتابهم الشك , وتسلل الى قلوبهم الريب , بسبب ما يبثه القوم من تشكيك , فيكون موجها لهم بطريقة ( اياك اعني , واسمعي يا جارة ) . 

ب‌) ان يكون النص المبارك موجها للمشركين والمشككين من اهل الكتاب كافة , بطريقة التقرير الحازم .         

 

وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{115}

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواقف : 

1- (  وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ) : بالأحكام والمواعيد ( الجلالين / للسيوطي ) ، وتمام هذه الكلمة في : 

أ‌) (  صِدْقاً ) . 

ب‌) (  وَعَدْلاً ) . 

2- (  لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ ) : بزيادة او نقصان او غير ذلك . 

3- (  وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) :  السميع لكل صوت , العليم بظواهر وبواطن الاشياء , ويلاحظ تقديم اسمه الشريف ( السميع ) على اسمه الشريف ( العليم ) ، السمع ثم العلم , في ذلك مباحث لدى ارباب الشأن ! .    

 

وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ{116}

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 

1- (  وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) : في كل زمان ومكان , يشكل اهل الضلال الاغلبية , ويشكل اهل الايمان الاقلية , وعند اتباع اراء الاغلبية , فليس فيها الا الضلال ! . 

2- (  إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ ) : الاغلبية الضالة يتبعون الظنون والاهواء , يتمسكون بها , وبها يقتدون .  

3- (  وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) : لكن في واقع امرهم , انهم يكذبون , على انفسهم وعلى اتباعهم , بعلم وادراك , او بدونهما ! .       

 

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{117}

تشير الاية الكريمة , انه جل وعلا اعلم بمن ضل سبيل الرشاد , وهو عز وجل اعلم بالمهتدين , وفيها نلاحظ امرين غريبين : 

1- الاية الكريمة قدمت (  مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ) على (  وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) , لا يخلو ذلك من حكمة ! . 

2- انها اوردت  (  مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ) مفرد , اما  (  وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) جمع , في ذلك العديد من الاراء , نذكر منها لا على سبيل الحصر : 

أ‌) الافراد للتحقير , والجمع للتعظيم . 

ب‌) الجمع للموجود الحقيقي , وهو المؤمن ( المهتدي ) , والافراد للموجود الوهمي ( العدم ) , وهو الضال . 

ت‌) المؤمن ( المهتدي ) الوارث الشرعي للارض , { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105 , اما الضال فلا ميراث لهم , فهم لاشيء , ومن ليس له شيء يفرد للتحقير والتصغير من شأنه ! .      

 

فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ{118}

تتضمن الاية الكريمة اباحة الاكل مما ذكر اسم الله تعالى عليه , كالذبائح وغيرها مما يتطلب ذكره جل شأنه عنده . 

 

وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ{119}

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 

1- (  وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) : ما الداعي ان لا تأكلوا مما ذكر اسم الله تعالى عليه , وقصد به وجهه جل وعلا , بعد ان بين جل شأنه موارد التحريم .  

2- (  إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) : الاباحة عند الضرورة . 

3- (  وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ) : كثير من الناس تتبع الاهواء والاعتقادات الشخصية , يستحسنوا اشياءا , ويستقبحوا اخرى , بغير علم , فيكون ذلك سببا لضلالتهم ! .

4- (  إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ) : هو جل وعلا اعلم بمن تجاوز الحدود ( الحلال والحرام ) .            

 

وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ{120} 

نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 

1- (  وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ) : امر مباشر بترك ظاهر كل ما فيه ذنب في ما يعلن ويسر . 

2- (  إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) : تهديد ووعيد .     

 

وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ{121}

تنهي الاية الكريمة عن الاكل مما لم يذكر اسمه تعالى عليه , او لم يقصد فيه وجهه عز وجل , لما فيه من خروج عن حكمه تعالى (  وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ) , ثم تكشف الاية الكريمة عن امرا غيبيا (  وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ) , الشياطين يوسوسون الى اتباعهم من الكفار , كي يجادلوكم في حلية اكل الميتة وغيرها من الامور المحرمة , ( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ  ) , وفي حالة اطاعتكم للكفار , واكلتم مما حرمه الله تعالى , اذا انتم معهم في الشرك سواء , اليوم نرى الكثير من المسلمين يطيعون الكفار , ويأكلون مما حرمه جل شأنه في ديارهم , تحت مسميات وعناوين خاصة , فيأكلون لحم الخنزير , ويشربون الخمور ! .      

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/02/24



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح91 سورة الانعام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net