بالأمس حيث الفاقة والفقر والجوع والحرمان كان الفقراء يترقبون انقضاء أيام الشتاء وأشهره القاسية على أمل حلول فصل الربيع لينقذهم من بطش الليالي الباردة، ثم لما تفضل الله علينا وتجاوزنا محنة تلك الأيام وبدأنا نتدبر وسائل حياتنا بتطويع معطيات الحضارة لتقينا تقلبات الجو، بات همنا انتظار الربيع حبا برؤية أزهاره وشم عطوره واعتدال أجوائه، فالإنسان {ليطغى أن رآه استغنى}.
ولأن هناك على مر التاريخ من كانوا ولا زالوا يسعون إلى سلب الإنسان إنسانيته ومكتسباته التي يحققها بالجهاد والصبر، فمن المؤكد سعيهم لإفراغ حياتنا من مباهجها بكل الوسائل المتاحة، ولما كانت الوسائل التقليدية التاريخية غير صالحة للتماهي مع درجة وعي الإنسان المعاصر؛ فقد اختار هؤلاء المخربون للعبتهم الدنيئة اسم (الربيع) ليستفزوا من خلاله ذكرياتنا الجميلة عن فصل الزهور والعطور، وهكذا تسلل ربيعهم إلى أكثر قلاعنا تحصيننا وبدأ ينخرها ويهدمها ويهدر طاقاتها بعد أن نجح بتوظيف الفاقة والفقر من جانب والجمود الفكري الديني السلفي من جانب آخر، والعمالة الرجعية التاريخية من جانب ثالث، والطائفية المقيتة من جانب رابع لتكون أدواته التي يضرب بها، وأسلحته التي يقاتل من خلالها، وضحاياه التي يقدمها قربانا لنجاح مشروعه.
وفعلا مر الربيع المزعوم بتونس ومنها إلى مصر واليمن وسوريا من دون أن يكلف أهل تلك البلدان أنفسهم عناء معرفة من قام بجلبه إليهم، ومن سماه، ومن أمر أنظمة الردة العربية والرجعية التاريخية بدعمه بلا حدود.
إن إطلاق اسم الربيع على حمامات الدم المشبوهة التي تدور رحاها في وطننا العربي اليوم استخدام جديد بدا العمل به في مطلع عام 1968 في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا من خلال حركة جماهيرية بقيادة (الكسندر دوبتشيك) أطلق على مشروعها اسم (ربيع براغ) كانت تنادي ظاهرا بالحرية والديمقراطية وإضفاء طابع ليبرالي على النظام الشيوعي الذي كان يقود البلاد، مما حدا بقوات حلف وارسو إلى اجتياح البلاد لإعادة الأمور إلى سابق عهدها. لكنك تعجز كليا عن معرفة من أطلق على محاولتهم هذا الاسم الذي لم يختره الشعب التشيكي، ولم يكن يعرفه.
أما الربيع العراقي الحقيقي الذي أنقذ العراقيين من حكم دكتاتوري قاس فلم يعترف به أحد من العربان الأشد كفرا ونفاقا لأسباب طائفية بحتة، ثم لما انتشرت ظلمة ربيع العرب من حولنا بمباركة البترودولار ورعاة الجمال وشعارات الماسونية والقوى الاستكبارية، وحل الخراب وجاءت من الآفاق طيور الغراب؛ بدا بعض العراقيين المخدوعين والمجندين يأملون في النجاح بسحب بساط ذاك الربيع الأجرب إلى أجواء بلدنا مما أشعل حربا طائفية غير معلنة منذ 2003 ولحد هذا اليوم تتمثل بالخطف والتهجير والذبح والتفجير، ثم لما استيقنوا الإفلاس وتيقنوا الهزيمة حولوا مشروعهم إلى حرب تقاد بواسطة السيارات المفخخة لقتل اكبر عدد من إحدى اكبر الطائفتين المسلمتين في العراق ظنا منهم أن ذلك سوف يحقق لهم النصر، وخاب ظنهم رغم الم الجراح وسيخيب على مدى الدهر، فرواندا ليست بعيدة عنا، رواندا التي تسبب الربيع الدموي الأفريقي الذي غزاها بمقتل أكثر من مليون إنسان لم يغير من الواقع التقسيمي للبلاد شيئا، وهي حتى بعد حمام الدم وتناثر الأشلاء لا زالت طائفتي (الهوتو) و (التوتسي) فيها تتقاسمان العيش، ولا زال كل فرد في الطائفتين يشعر بالحقد الدفين الذي يملأ قلبه على أبناء الطائفة الأخرى، ولكنهما عرفا في وقت متأخر جدا أن إبادة إحدى الطائفتين من سابع المستحيلات مهما كان نوع الأسلحة المستخدمة، أما إذا ما تم استخدام أسلحة إستراتيجية فإن النار سوف تخرج عن السيطرة لتحرق الجميع وبلا استثناء بما فيهم أوكار الشر خلف الحدود، أما الذين تلوثت أيديهم بالدماء البريئة فهم حتى لو كانوا اليوم بمنأى عن العقاب فإن الموت بنفس الآلية والأسلوب لابد وان يطالهم مهما امتد بهم العمر، فقد رسخ في أذهاننا قول أهلنا الكرام: "بشر الزاني بالزنى وبشر القاتل بالقتل" أما من لم تطاله العقوبة في الدنيا فإن جميع أنبياء الله وكل الصالحين لو توسطوا له وشفعوا عند الله فيه لن يزحزحوه عن العذاب الأشد وسقر قيد أنملة.
19/3/2013
يوم حمام الدم العراقي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat