صفحة الكاتب : صالح الطائي

ربيع العراق إلى أين؟
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بالأمس حيث الفاقة والفقر والجوع والحرمان كان الفقراء يترقبون انقضاء أيام الشتاء وأشهره القاسية على أمل حلول فصل الربيع لينقذهم من بطش الليالي الباردة، ثم لما تفضل الله علينا وتجاوزنا محنة تلك الأيام وبدأنا نتدبر وسائل حياتنا بتطويع معطيات الحضارة لتقينا تقلبات الجو، بات همنا انتظار الربيع حبا برؤية أزهاره وشم عطوره واعتدال أجوائه، فالإنسان {ليطغى أن رآه استغنى}. 

ولأن هناك على مر التاريخ من كانوا ولا زالوا يسعون إلى سلب الإنسان إنسانيته ومكتسباته التي يحققها بالجهاد والصبر، فمن المؤكد سعيهم لإفراغ حياتنا من مباهجها بكل الوسائل المتاحة، ولما كانت الوسائل التقليدية التاريخية غير صالحة للتماهي مع درجة وعي الإنسان المعاصر؛ فقد اختار هؤلاء المخربون للعبتهم الدنيئة اسم (الربيع) ليستفزوا من خلاله ذكرياتنا الجميلة عن فصل الزهور والعطور، وهكذا تسلل ربيعهم إلى أكثر قلاعنا تحصيننا وبدأ ينخرها ويهدمها ويهدر طاقاتها بعد أن نجح بتوظيف الفاقة والفقر من جانب والجمود الفكري الديني السلفي من جانب آخر، والعمالة الرجعية التاريخية من جانب ثالث، والطائفية المقيتة من جانب رابع لتكون أدواته التي يضرب بها، وأسلحته التي يقاتل من خلالها، وضحاياه التي يقدمها قربانا لنجاح مشروعه.

وفعلا مر الربيع المزعوم بتونس ومنها إلى مصر واليمن وسوريا من دون أن يكلف أهل تلك البلدان أنفسهم عناء معرفة من قام بجلبه إليهم، ومن سماه، ومن أمر أنظمة الردة العربية والرجعية التاريخية بدعمه بلا حدود. 

إن إطلاق اسم الربيع على حمامات الدم المشبوهة التي تدور رحاها في وطننا العربي اليوم استخدام جديد بدا العمل به في مطلع عام 1968 في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا من خلال حركة جماهيرية بقيادة (الكسندر دوبتشيك) أطلق على مشروعها اسم (ربيع براغ)  كانت تنادي ظاهرا بالحرية والديمقراطية وإضفاء طابع ليبرالي على النظام الشيوعي الذي كان يقود البلاد، مما حدا بقوات حلف وارسو إلى اجتياح البلاد لإعادة الأمور إلى سابق عهدها. لكنك تعجز كليا عن معرفة من أطلق على محاولتهم هذا الاسم الذي لم يختره الشعب التشيكي، ولم يكن يعرفه. 

أما الربيع العراقي الحقيقي الذي أنقذ العراقيين من حكم دكتاتوري قاس فلم يعترف به أحد من العربان الأشد كفرا ونفاقا لأسباب طائفية بحتة، ثم لما انتشرت ظلمة ربيع العرب من حولنا بمباركة البترودولار ورعاة الجمال وشعارات الماسونية والقوى الاستكبارية، وحل الخراب وجاءت من الآفاق طيور الغراب؛ بدا بعض العراقيين المخدوعين والمجندين يأملون في النجاح بسحب بساط ذاك الربيع الأجرب إلى أجواء بلدنا مما أشعل حربا طائفية غير معلنة منذ 2003 ولحد هذا اليوم تتمثل بالخطف والتهجير والذبح والتفجير، ثم لما استيقنوا الإفلاس وتيقنوا الهزيمة حولوا مشروعهم إلى حرب تقاد بواسطة السيارات المفخخة لقتل اكبر عدد من إحدى اكبر الطائفتين المسلمتين في العراق ظنا منهم أن ذلك سوف يحقق لهم النصر، وخاب ظنهم رغم الم الجراح وسيخيب على مدى الدهر، فرواندا ليست بعيدة عنا، رواندا التي تسبب الربيع الدموي الأفريقي الذي غزاها بمقتل أكثر من مليون إنسان لم يغير من الواقع التقسيمي للبلاد شيئا، وهي حتى بعد حمام الدم وتناثر الأشلاء لا زالت طائفتي (الهوتو) و (التوتسي) فيها تتقاسمان العيش، ولا زال كل فرد في الطائفتين يشعر بالحقد الدفين الذي يملأ قلبه على أبناء الطائفة الأخرى، ولكنهما عرفا في وقت متأخر جدا أن إبادة إحدى الطائفتين من سابع المستحيلات مهما كان نوع الأسلحة المستخدمة، أما إذا ما تم استخدام أسلحة إستراتيجية فإن النار سوف تخرج عن السيطرة لتحرق الجميع وبلا استثناء بما فيهم أوكار الشر خلف الحدود، أما الذين تلوثت أيديهم بالدماء البريئة فهم حتى لو كانوا اليوم بمنأى عن العقاب فإن الموت بنفس الآلية والأسلوب لابد وان يطالهم مهما امتد بهم العمر، فقد رسخ في أذهاننا قول أهلنا الكرام: "بشر الزاني بالزنى وبشر القاتل بالقتل" أما من لم تطاله العقوبة في الدنيا فإن جميع أنبياء الله وكل الصالحين لو توسطوا له وشفعوا عند الله فيه لن يزحزحوه عن العذاب الأشد وسقر قيد أنملة. 

19/3/2013

يوم حمام الدم العراقي 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/03/20



كتابة تعليق لموضوع : ربيع العراق إلى أين؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : علي الطائي ، في 2013/03/20 .

قال تعالى في محكم كتابه الكريم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ولكن إصرار الحكومة على عدم تنفيذ أحكام الإعدام أدى إلى استفحال أمر الإرهابيين مطمئنين فبالأمس عندما كان الأمريكان يحتلون العراق كان الناس يتهمونهم أي الأمريكان بمنع تنفيذ أحكام الإعدام وبعد خروج الامريكان إتهم الناس طارق الهاشمي لأنه محامي الارهاب الاول وكان نائباً لرئيس الجمهورية حينها وأيضاً الرئيس جلال الطالباني لكونه موقعا على معاهدة حظر الاعدامات ولكن اليوم وبعد هروب طارق الهاشمي وذهاب الرئيس جلال الطالباني في إجازة وتولي نائبه الشيعي خضير الخزاعي مسؤولياته يتساءل المواطنون وخصوصاً الشيعة عن سبب عدم تنفيذ أحكام الإعدام وقوة الإرهاب تتصاعد والإرهابيين مطمئنين لأنه من امن العقاب أساء الأدب والأبرياء يقتلون بحمامات دم ولارادع لذا نتوجه بهذا السؤال الى الحكومة الرشيدة والأحزاب الشيعية ونتمنى من المواطن العراقي الشيعي الرد في الإنتخابات




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net