صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح104 سورة الاعراف الشريفة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ{94}
تقرر الاية الكريمة , ان كل نبي اتى لقرية كفروا به , ولم يصدقوه , فأن الله عز وجل سيعاقبهم بصنفين من العقاب الدنيوي العاجل : 
1- (  بِالْبَأْسَاء ) : الفقر والفاقة , القحط والجدب . 
2- (  وَالضَّرَّاء ) : المرض والعرض , الاعلال والاسقام .          
سياق الاية الكريمة يبين ان : 
1- عدم الايمان والتصديق بالنبي يستوجب حلول هذين الصنفين من العقاب . 
2- (  لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) : ( لعل ) تفيد الترجي , هذين الصنفين من العقاب لهم تأثير كبير على الانسان والبلد الذي يحلان فيه , لعل الناس يتوجهون بالدعاء وطلب النجاة في مكانها الصحيح عند الله تعالى .        
 
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ{95}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد : 
1- (  ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ) : عندما يتوجه الناس الى الله تعالى ينجيهم من الفقر والفاقة , والمرض والسقم , ويبدلهم بالغنى والصحة .
2- (  حَتَّى عَفَواْ ) : يروي النص المبارك , ان الناس عندما تحل عليهم بركات الصحة والغنى ويتكاثروا , يمتنعون عن شكر المنعم جل وعلا .   
3- (  وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء ) : يروي النص المبارك , ان الناس سيعللون ما اصابهم من فقر وفاقة وامراض واسقام , بأن ابائهم قد تعرضوا لمثلها , فهي ليست عقابا من الله تعالى , وهذا سبب عدم شكرهم النعمة .  
4- (  فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) : يروي النص المبارك ان العذاب سيحل عليهم هذه المرة بشكل مفاجأ , بدون سابق انذار , الى درجة يصفه فيها ( وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) .                     
يستفاد من سياق الاية الكريمة ثلاثة امور : 
1- هناك صنف ثالث من العقاب , وهو عذاب يأتي بشكل مفاجأ , يضاف الى الصنفين السابقين , لم تحدد الاية الكريمة نوعه وابعاده . 
2- ان الصنف الثالث من العقاب يكون اشد واعنف من سابقيه . 
3- من سياق الاية الكريمة , ندرك ان سبب حلول العقاب الثالث هو عدم شكر نعمة المنعم جل وعلا . 
 
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{96}
تتكلم الاية الكريمة عن فتح نوعين من البركات : 
1- بركات ( خيرات ) من السماء : يرى بعض المفسرون انه المطر , وهذا الرأي يتناسب مع الزمن الذي عاش فيه المفسر , حيث لم يكن المفسرون يرون خيرا من السماء غير المطر , اما في عصرنا الحاضر , نرى خيرات اخرى للسماء , منها الفضاء ( الحيز او الفراغ ) المفتوح , الذي يسمح  بانسيابية الطائرات والتنقل فيه بسلاسة ويسر لنقل الركاب والبضائع الى غير ذلك من الفوائد التي لا تغيب عن ذهن المفكر الفطن اللبيب ! .      
2- بركات ( خيرات ) من الارض : نفس الشيء يتكرر هنا , فيعتقد المفسرون انه النبات ( الزرع ) , حيث انهم في زمانهم لم يكتشفوا او يروا اشياءا اخرى , اما في عصرنا الحاضر , فلا يخفى على احد بركات ( خيرات الارض ) من البترول والمعادن وغيرها .  
( وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) البركات السابقة لا تنال الا بالايمان والتقوى , فلو ان اهل تلك البلدان امنوا بالرسل واتقوا الله تعالى , لفتح عليهم تلك البركات , لكنهم اعرضوا عن الايمان وامتنعوا عن التقوى , فأصابهم نوعين من العقاب : 
1- الحرمان من بركات السماء والارض . 
2- عاقبهم الله تعالى بكفرهم وذنوبهم ومعاصيهم ... الخ .   
 
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ{97}
تضمنت الاية الكريمة سؤالا مباشرا منه جل وعلا الى اهل القرى الكافرة ( ايظن اهل القرى انهم في مأمن من عذاب الله تعالى ان يحل عليهم وهم نائمون ( ليلا ) ؟ ) .     
 
أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ{98}
تضمنت الاية الكريمة سؤالا مباشرا اخر لاهل القرى الكافرة ايضا , لكن هذه المرة (  أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى ) , والضحى هو وقت ارتفاع الشمس في صدر النهار , (  وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) مشغولون بأمور الدنيا . 
تجدر الاشارة الى ان الله تعالى خصّ هذين الوقتين الواردين في الاية الكريمة وسابقتها الكريمة , لان الانسان يكون فيهما في اعلى درجات الغفلة , واشدها اطباقا عليه ! .       
 
أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{99} 
تضمنت الاية الكريمة سؤالا ثالثا , يرتبط بسابقيه .
 (  مَكْرَ اللّهِ ) عقوبته واستدراجه " مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي " .       
                  استدارجه إياهم بالنعمة وأخذهم بغتة " تفسير الجلالين / السيوطي " .
                  المكر من الله : العذاب " تفسير البرهان / السيد هاشم الحسيني البحراني " . 
 
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ{100}
(  أوَلم يتبين للذين سكنوا الأرض من بعد إهلاك أهلها السابقين بسبب معاصيهم, فساروا سيرتهم, أن لو نشاء أصبناهم بسبب ذنوبهم كما فعلنا بأسلافهم, ونختم على قلوبهم, فلا يدخلها الحق, ولا يسمعون موعظة ولا تذكيرًا؟ ) .  
 
تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ{101}
تروي الاية الكريمة , ان تلك القرى التي تَقَدَّم ذِكْرُها في الايات الكريمة السابقة (  قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ) , نقصُّ عليك ( أيها الرسول ) من أخبارها بالخصوص , وبالعموم بطريقة ( اياك اعني , واسمعي يا جارة ) لكافة الناس ومنهم المسلمين , وما كان من شأن رسل الله تعالى الذين أرسلوا إليهم, ما جرى ودار بينهم فيه العظة والعبرة , ولقد جاءت أهلَ القرى رسلنا بالحجج البينات على صدقهم, فلم يؤمنوا بما جاء به الرسل; بسبب تجبرهم وطغيانهم وتكذيبهم بالحق, وكما خَتْمِ الله تعالى على قلوب هؤلاء الكافرين المذكورين يختم الله تعالى على قلوب الكافرين بمحمد (ص واله) .
 
وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ{102}
تكشف الاية الكريمة عن امرين 
1- (  وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ) : ان اكثرية ( الاغلبية ) الامم السابقة لم يفوا بعهدهم يوم اخذ الميثاق منهم . 
2- (  وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) : وان الاكثرية منهم كانوا فسقة , خارجين عن طاعة الله تعالى , وامتثال اوامره عز وجل .      

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/04/05



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح104 سورة الاعراف الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net