صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح108 سورة الاعراف الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ{142}
تتضمن الاية الكريمة مقطعين رئيسيين : 
1- (  وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) : موعد خاص بينه عز وجل وبين موسى (ع) , مدته ثلاثون يوما , واتمها الله تعالى بعشر , فتم الميقات في اربعين يوما , يرى السيوطي في تفسيره ( الجلالين ) ان موعد موسى (ع) ان يصوم ثلاثون يوما وكان ذلك في شهر ذو القعدة , ليكلمه الله تعالى بعدها , الا انه (ع) انكر خلوف فمه , فأستاك فأمره الله تعالى بصيام عشرة ايام اخرى , وكانت من ذي الحجة .    
2- (  وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) : يروي النص المبارك , ان موسى (ع) اوصى اخيه هارون (ع) قبل ذهابه الى الجبل للمناجاة بثلاثة امور : 
أ‌) (  اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) : كن خليفتي في القوم .  
ب‌) (  وَأَصْلِحْ ) : امورهم وشؤون حياتهم طيلة ايام الغياب . 
ت‌) (  وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) : بموافقتهم للمعاصي , ذلك يدل على عدة امور نذكر منها : 
1- ان موسى (ع) يعلم بوجود فاسدين ومفسدين بين القوم . 
2- ان موسى (ع) يعلم ان القوم حديثي عهد بدعوته , لذا فأن ميلانهم الى الفساد اسرع .                      
في كل الاحوال , لم يترك موسى (ع) القوم بلا راعي مدة ثلاثون يوما ( كما كان في المعلوم ) , فأختار من بينهم الاصلح والاجدر ( هارون "ع" ) , ليكون خليفته عليهم , بشكل مؤقت .  
 
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ{143}
نستقرأ الاية الكريمة في ستة مضامين : 
1- (  وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا ) : عندما حان الموعد , بعد الاربعون يوما المحددة . 
2- (  وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ) : يروي النص المبارك , ان الله عز وجل كلّم موسى (ع) , وفي كلام الله تعالى لموسى (ع) عدة اراء ونظريات , نختار منها : 
أ‌) ان كلامه عز وجل كان من جميع الجهات . 
ب‌) ان الله عز وجل لا صوت له , ولا يجوز ان يكون له عز وجل صوت كباقي الاشياء { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }الشورى11 , فكل الاصوات مخلوقة , بناءا على هذا القول , يقول البعض من اصحاب الاختصاص ان الله تعالى يخلق صوتا يكلم به مخلوقاته . ( الشيخ عبدالحميد المهاجر ) . 
3- (  قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) : موسى (ع) وهو في هذه المنزلة التي لم يسبقه اليها احد , أراد المزيد , فطلب ان يراه سبحانه وتعالى . 
4- (  قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ) : يرد عليه الباري عز وجل (  لَن تَرَانِي ) , هناك فرق بين ( لن ) و ( لم ) , فــ ( لن ) تعني امكانية الرؤية , وهذا ما اشار اليه النص المبارك ( وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ) الذي هو اقوى من جسد موسى (ع) , ( فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ) , فأن استقر الجبل وثبت في مكانه فسوف تكون لك القابلية والطاقة لرؤيتي .         
5- (  فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً ) : ( تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ) ظهر امره تعالى للجبل , (  جَعَلَهُ دَكّاً ) مستويا بالارض .    
6- (  وَخَرَّ موسَى صَعِقاً ) : مغشيا عليه , وفي ذلك بيان على عدم احتماله (ع) لما شاهد في ذلك الموقف . 
7- (  فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) : يروي النص المبارك , ان موسى (ع) لما افاق نزّه الباري عز وجل وصرح بأمرين : 
أ‌) ( تُبْتُ إِلَيْكَ ) : من سؤال ما لم أؤمر به . ( تفسير الجلالين / للسيوطي )  
ب‌) ( وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) : اول من شهد وآمن في هذين المقامين ( 1- تكليم الله تعالى له (ع) , 2- وما جرى بعدها من دك الجبل ) .                           
 
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ{144}
الاية الكريمة تروي خطابا منه عز وجل الى موسى (ع) وفيها :
1- (  قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ) : سياق النص المبارك يشير الى ان الله تعالى اختار موسى (ع) على اهل زمانه وحباه بامرين :
أ‌) ( بِرِسَالاَتِي ) : رسالة ( شريعة – دعوة ) موسى (ع) .  
ب‌) ( وَبِكَلاَمِي ) : كلامه جل وعلا له (ع) .    
2- (  فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ ) : امر , خذ ما اتيتك من الفضل . 
3- (  وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ) : أمر ثان , الشاكرين منزلة من منازل العارفين , لا ريب ان موسى (ع) بلغها وتجاوزها الى ما فوقها , لكن ذلك كان قبل ان يصل الى هذه المنزلة الجديدة ( تكليم الله تعالى وما جرى في حادثة دك الجبل ) , فينبغي له (ع) ان يعطي المنزلتين الجديدتين حقهما من الشكر ايضا .             
يلاحظ في الاية الكريمة , ان الله تعالى اصطفى موسى (ع) بأمرين ( الرسالة و التكليم ) , وامره جل وعلا بأمرين (  فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) . 
 
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ{145}
تروي الاية الكريمة ان الله تعالى كتب لموسى (ع) في الالواح ( التوراة ) امرين : 
1- (  مَّوْعِظَةً ) : للعبرة . 
2- (  وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) : بيانا لكل الامور .       
وايضا تضمنت الاية الكريمة امرين :
1- (  فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ) : امرا مباشرا لموسى (ع) , ان يأخذ الالواح بجد وأجتهاد ومثابرة .
2- (  وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا ) : امر ثان لموسى (ع) ان يأمر قومه بالاخذ بما ورد فيها , وتطبيقه .           
اختتمت الاية الكريمة بــ ( سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) , الفاسقين هم من تمرد على رسالة موسى (ع) , ونبذوا ما جاء في الالواح , لكن ما يثير حفيظة المتأمل كون النص المبارك عبر عن الموقع الجغرافي للفاسقين بأنه دارا وليس بيتا او مأوى ... الخ , الدار تشير الى الارض والبناء والفضاء , وقد يحوي بيتا واحدا او اكثر , وقد لا يحتوي على بيت كدار القضاء وغيرها , اما البيت فيشير الى مكان مبيت الانسان , ولا يشترط فيه البناء كالخيمة مثلا . 
يلاحظ المتأمل قوله عز من قائل (  وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ ) فينسب القيام بالكتابة له عز وجل , لذلك عدة اراء نذكر منها : 
1- ان كتابته عز وجل كانت بقوة الامر الالهي ( كــن ) . 
2- الامر بالكتابة منه جل وعلا , ويقع تنفيذه ومباشرته على الملائكة .       
 
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ{146}
نستقرأ الاية الكريمة في خمسة موارد : 
1- ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) : ( سأصرف عن فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي, والمتكبرين على الناس بغير الحق ) . 
2- (  وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ) : بعد ان يمنع الانسان عن فهم وادراك اياته عز وجل سوف لن يؤمن بها كنتيجة طبيعية . 
3- (  وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ) : العاقل بفطرته يعرف سبيل الرشد ( الهدى ) , ويدرك مضامينه , لكن تأخذه العزة بالاثم , فيجتنب طريق الهداية , وهو مدرك في قرارة نفسه انه على خطأ , وانه قد حاد وانحرف عن الطريق , بل حتى المجنون احيانا يدرك ان الصدق صح , والكذب خطأ , والامانة صح , والسرقة خطأ .   
4- (  وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ) : العاقل ( الانس والجن ) يعلم طريق الغي ( الضلال ) , مع ذلك يسلكه , ويتقدم فيه , مع علمه التام بضلاله ما هو فيه , يدرك مخاطر الخمر ويصر على شربه , ويدرك مخاطر ومعائب الزنا , فيصر عليها , ويدرك ويعلم مخاطر الافات الاجتماعية ( الاخلاق الغير حميدة ) , فينغمس فيها . 
5- (  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ) : ينبغي الاشارة والتنبيه , الى ان العاقل ( الانس والجن ) يتجنب طريق الهدى بعلمه , وينغمس في طريق الضلالة بعلمه ايضا , بوعيه وادراكه , والسبب ان الله تعالى صرفه ومنعه من التوفيق الرباني , والنص المبارك يذكر سببين لهذا المنع وعدم التوفيق : 
أ‌) ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) : التكذيب بالدلالات الربوبية , وما جاء به الرسل والانبياء (ع) . 
ب‌) ( وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ) : الغفلة عنها , وعدم تدبرها والتفكر فيها ! .        
 
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{147}
حكمت الاية الكريمة ببطلان كافة الاعمال الخيرية التي يقوم بها الناس ( صلة الرحم – الصدقة ... الخ ) اذا كانت مصحوبة بالتكذيب بآيات الله تعالى ولقاء يوم البعث .  
اما في الحياة الاخرة لا يجزون ( يعاقبون ) الا بما عملوا من موبقات ومعاصي , اما اعمالهم الخيرية , فلا عقاب عليها ولا ثواب ( هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ! .     

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/04/22



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح108 سورة الاعراف الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net